منذ الاعلان في 21 شباط 2020 عن اول اصابة بفيروس كورونا في لبنان، يخوض الممرضون والممرضات باستبسال معركة قاسية بين الحياة والموت، لانقاذ لبنان، على الرغم من التحديات التي لا تحصى التي تواجههم، وشكواهم من الاهمال الذي يتعرضون له، ما يقوض قدرتهم على الانتصار.
خليل حرب
+++++++++++++++++++++++++
الممرضات والممرضون على هذه الحال منذ عام بالتمام، وقد اعطوا الكثير بما في ذلك الشهداء في صفوفهم، ومئات المصابين منهم بكورونا، لكن استقرارهم الاجتماعي ولقمة عيشهم على المحك بشكل لم يسبق له مثيل، ما يهدد باجهاض عزيمتهم على المثابرة في معركة مع عدو لا يعرف الرحمة ولا الحدود.
منذ شهور عديدة والممرضات والممرضون يرفعون الصوت من اجل الالتفات الى مطالبهم وشكواهم، خاصة بعد انهيار قيمة رواتبهم بانهيار سعر الليرة، ولجوء العديد من المستشفيات الى اقالة وتقليص دواماتهم وتسريح المئات منهم باسم ضبط موازنات المستشفيات، وهو وضع لم يتم تصحيحه حتى الان، برغم احتدام المعركة التي تتطلب استنفارا شاملا للكادر التمريض وطاقاته، ونفسا طويلا مع كورونا.
وفي هذه الاثناء، يقبع المئات من الممرضين في بيوتهم بلا عمل، او ينتظرون السماح لهم بالعمل مجددا بدوام كامل، بينما يرتمي المواطنون مرضى امام ابواب المستشفيات. مشهد متناقض في بلد عقد العزم على المواجهة مع الفيروس فيما “جنوده” يخضعهون للتسريح الاجباري بعيدا عن جبهات القتال.
ويزداد المشهد المؤلم ايلاما فيما تشير الارقام الى ان المئات من الممرضين غادروا لبنان بالفعل بحثا عن لقمة عيشهم في الخارج، وهي ظاهرة تتفاقم يوما بعد يوم، برغم استغاثة نقابة الممرضات والممرضين في لبنان، لكن احدا لا يستمع. وبحسب الاحصاءات المتوفرة فان الجسم التمريضي كان يضم نحو 9 الاف فرد قبل نهاية العام 2019، اكن الان أصبح نحو 40% منهم اما بلا عمل او بنصف دوام فيما معدل راتب الممرض، المعرض للموت والخطر كل دقيقة، يعادل نحو 100 دولار فقط.
ويصبح التساؤل مشروعا عما اذا كانت البلاد في هكذا ظروف صحية خطيرة، لن تتخذ ما يلزم من قرارات واجراءات شجاعة، اولا تمنع هجرة كفاءاتها التمريضية في عز الحرب الصحية هذه، وثانيا، تعزز الجسم التمريضي بحقوقهم من الحوافز والتقديمات والرواتب لانقاذ حياة مواطنيها.
لا وطن اذا سقط الجسم التمريضي في لبنان. بهذه الصرخة توجهت نقيبة الممرضات والممرضين الدكتورة ميرنا ضومط في حوارها مع الامن العام، قارعة ناقوس الخطر من ان امن الممرضين اقتصاديا واجتماعيا مهدد بشكل لم يسبق له مثيل ما لم يتم تدارك ذلك الان.
*قلت في ايار 2020 ان “التمريض في خطر وصحة الناس ستصبح في خطر. اشهد اني حذرت”. هل ما زلت عند هذا التحذير؟
-الايام اظهرت ان كلامي كان في محله. ليست المشكلة الوحيدة ان الاسرة في المستشفيات غير متوفرة. التمريض هو الذي في خطر. ولم يتنبهوا للتحذير الذي اطلقته مرارا. اجدد تحذيري الان من الوضع الذي سنصل اليه اذا لم يهتموا بالممرضين والممرضات ويقدموا لهم ما يستحقونه مقابل تعبهم ومخاطرتهم بارواحهم. اعطوا الممرضين محفزات، والا فاننا سنذهب الى كارثة، وسيكون كل الوضع الصحي في خطر.
لا قيمة للاسرة في المستشفيات ما لم يتوفر العنصر البشري المتمثل بالممرضين والممرضات. اطلقت هذا التحذير منذ عشرة شهور، واعيد الان التحذير مما سيحصل خلال العام 2021. يجب ان تكون نظرتنا مختلفة. الجسم التمريضي يجب ان ياخذ مكانه ليؤدي دوره في ظل قوانين تحميه.
*طرحتم مؤخرا اقتراح وضع خطة استباقية لصمود العاملين في القطاع الصحي خاصة الممرضين والممرضات؟ ما هي عناصر هذه الخطة؟
-اولا يجب المحافظة على الممرضين والممرضات، وحمياتهم من خلال بيئة عمل امنة لهم، وتوفير المواد اللازمة، وباعداد كافية لحماية انفسهم. قرار وزارة العمل كان واضحا في التاكيد على حقوق الجسم التمريض. فكل ممرض يصاب يجب ان تكون فترة الحجر الصحي التي سيخضع لها على حساب المستشفى. لكن هذا لا يحدث على ارض الواقع، فغالبية المستشفيات تغطي نصف الكلفة ويحسمون من رواتب الممرضين التي هي فعليا لا قيمة لها.
كورونا لن يذهب في العام 2021 بل سيزداد. يجب المحافظة على اعداد الممرضين وتقديم تحفيزات مالية لهم، وهم في صدارة المواجهة. هم كالعسكر في الحرب، ونحن عسكر هذه الحرب الصحية. ولا اقتصاد ولا حياة ولا مدارس ولا استمرار للوطن، لو انهار الجسم التمريضي في الحرب مع كورونا.
*هل يمكن ان تبادر نقابة الممرضين والممرضات الى وضع تصور لهذه الخطة تقدم الى الجهات المعنية للدفع من اجل العمل بها؟
-قدمنا بالفعل المبادرة-الخطة الى مجلس الدفاع الاعلى في اجتماعه الاخير في منتصف كانون الثاني الماضي. وكان ذلك بحضور كل الوزراء والمسؤولين.
*في اطار المعركة مع الوباء، كيف تقيمون حضرة النقيبة تجربة علاقتكم كنقابة مع المستشفيات التي طالبتموها بالعمل على توظيف وتدريب المزيد من الممرضين والممرضات؟
-العلاقة من نقابة الى نقابة فيها تواصل مستمر. لكن علاقة المستشفيات بالممرضين ليست جيدة خاصة بالنسبة الى المعاملة والتصرفات التي حصلت ازاء الممرضين. هناك مستشفيات طردت ممرضين، وحصل تلاعب بدواماتهم وساعات عملهم وحسمت من رواتب كثيرين منهم تذرعا بثورة تشرين وتاثيراتها. ناشدناهم الا يفعلوا ذلك في ظل الجائحة. الان فقط صار هناك طلب متزايد على الممرضين والممرضات ربما بسبب صغوط الناس التي اجبرتهم ان يفتحوا ابواب التوظيف بسبب النقص بالكادر التمريضي.
يقولون ان لا يوجد عدد كاف. نعم لا يوجد عدد كافي في المستشفيات، لكن في الوطن هناك ممرضون وممرضات موجودون. كورونا باق معنا، والمعاشات المخصصة للممرضين قليلة وهذا ما نرفضه. سنحمل المسؤوليات عن ذلك.
*ماذا عن علاقتكم بوزارة الصحة؟ هل يمكن تطويرها؟ هل من ملاحظات؟
-كنا دائما نطالب ان نكون على علاقة اوثق بوزارة الصحة واجتمعنا بمعالي الوزير مرات كثيرة. لكن التقينا به باجتماع مباشر مرة واحدة فقط. ادعو ان يكون للتمريض وجود اكبر في الوزارة ونتشارك الى جانبه في العمل. نحن “نطاحش” من اجل ان نجعل للتمريض مكانته في اطار عمل الدولة. استفيدوا منهم، لا طمعا بمراكز او مناصب، وانما نعرض طاقاتنا وقدراتنا داخل وزارة الصحة. التمثيل التمريضي في الوزارة مفصلي في الجانب الاستشاري لوزير الصحة. الممرض دوره مهم جدا، من خلال خبرته وعلمه حيث ينظر الى الانسان ككل.
*كنتم قد حذرتم قبل شهور ودقيتم ناقوس الخطر من هجرة الممرضين الى الخارج. كم هو حجم نزيف المغادرين في جسم الكادر التمريضي منذ عام حتى الان مع بداية الوباء وازمة تراجع قيمة الليرة؟
-هناك 600 ممرض غادروا الوطن لممارسة المهنة في اميركا واوروبا والسعودية. التمريض هي المهنة المطلوبة حاليا على مستوى العالم. وغالبية الذين غادروا لبنان فعلوا ذلك خلال الشهور الستة او السبعة الماضية. هناك حاجة على مستوى العالم لتسعة ملايين ممرض حتى العام 2030.
*بحسب احصاءاتكم، كم بلغ عدد شهداء القطاع التمريضي حتى الان في اطار معركة كورونا؟
-بلغوا اربعة شهداء حتى الان، وانشاء الله لا يزيد عددهم.
*كيف يمكن تعزيز حجم كوادر الممرضين؟ ما هو تصوركم؟ هل تلتقون مثلا مع اقتراح للدكتور محمد الساحلي باعطاء المقيمين الفلسطينيين في لبنان من المتخرجين من جامعات لبنانية حق ممارسة مهنة الطب والتمريض استثنائيا ولمرحلة محددة لمواجهة النقص في الكوادر الطبية؟
-الممرضون الفلسطينيون يعملون في لبنان. وبكل الاحوال قلنا لهم ان يتقدموا بالتسجيل في النقابة، لكن لم يتقدم سوى 27 او 28 اسم. هم لا ينتسبون الى النقابة، لكن يسجلوا اسماءهم في سجل خاص للفلسطينيين العاملين في التمريض. الفلسطيني هو الوحيد من غير اللبنانيين الذي يحق له العمل في قطاع التمريض في لبنان.
لكن نحن لدينا ما يكفي من اعداد الممرضين في لبنان. هناك حاليا 1200 خريج جديد.. استوعبوهم ووظفوهم. وفي المقابل، هناك 40% من ممرضي لبنان، جالسون في بيوتهم بلا عمل، او يعملون بنصف دوام او ربع دوام وبمعاشات يتم تخفيضها. المستشفيات لا توظف منهم بدوام كامل من اجل ان تخفض من نفقاتها. ليس لدينا مشكلة اعداد ممرضين في لبنان، المهم ان نعرف كيف نستثمرها وكيف نستفيد من قدراتهم وكفاءاتهم بشكل صحيح.
ما زال بامكاننا انقاذ الوضع، اذا تصرفنا بحكمة ونظرة مستقبلية.
https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/8907.pdf