في الذكرى السنوية الاولى لتسجيل اول اصابة بفيروس كورونا (في 21 شباط 2020) ثم اول وفاة بعدها (في 10 اذار) لم يخرج لبنان، اسوة بكل دول العالم، من دائرة “الخطر الكوروني” حتى الان. لكن بارقة الامل لاحت مع قيام لبنان بالخطوة الاولى في رحلة الالف ميل المتمثلة ببدء اعطاء اللقاح.
خليل حرب
+++++++++++++++++++++++++++++++++
وصارت المعادلة واضحة عند كثيرين، اذ بلا الانتصار الصحي، لن يكون هناك اقتصاد ولن تكون عودة لعجلة الحياة بشكل طبيعي، وهي لن تسير نحو النجاة من دون اللقاحات التي تلقاها حتى الان نحو 300 مليون انسان، بعدما اصاب الوباء نحو 120 مليون انسان، وقتل نحو ثلاثة ملايين.
واذا كانت خطة اللقاح تبعث على التفاؤل، بمحاصرة الوباء في مرحلة زمنية ما، فان الطريق الى هنا لم يكن سهلا لبنانيا، حيث خسر لبنان ارواح اكثر من اربعة الاف شخص، فيما اصيب بالوباء نحو 400 الف شخص اخرين، عانى الجسم الطبي حد الانهكاك والاستنزاف اليومي، لمعالجتهم ورعايتهم بقدر ما سمحت القدرات والامكانات.
ودخل لبنان مرحلة التلقيح في 14 شباط الماضي، من خلال لقاح “فايزر-بيونتك”، بداية مع الاطباء والممرضين وكبار السن. والتحدي الان امام لبنان ان ينجز الخطة التي تتصور تطعيم 80 في المئة من السكان بحلول نهاية هذا العام، اذ يامل ان يتلقى ما مجموعه ستة ملايين جرعة من اللقاحات، بينها 2,7 مليون جرعة في اطار منصة “كوفاكس” الدولية التي تشكلت لدعم الدول ذات الامكانات المحدودة.
وكان لبنان لا يزال برغم الاقفال العام المشدد الذي بداه في كانون الثاني الماضي، يسجل الفين او ثلاثة الاف اصابة يوميا بعد موجة ما بعد الاعياد التي سجلت خلالها ارقام قياسية في عدد الاصابات. وكان ذلك يعني ان العبء الملقى على المستشفيات، ما يزال ضاغطا بمستويات غير مقبولة. كما ارتفعت اعداد الوفيات اليومية ولامست حدود المئة وفاة اكثر من مرة، وهو رقم قياسي في لبنان.
ويعني ذلك ايضا ان حملة التلقيح ان تواصلت بنجاح، واستجابت معها مختلف الشرائح والبيئات من المواطنين، قد تكون بارقة الامل الوحيدة الان- الى جانب الوقاية الدائمة طبعا- للخروج من دوامة الوباء، باعتبار انه كلما زاد تحصين الاجسام، كلما خسر الفيروس المزيد من الفرص للانتشار والبقاء. وهناك مؤشر رصدته منظمة الصحة العالمية يتحدث عن تراجع في عدد الاصابات عالميا بنسبة 17% لاربعة اسابيع متتالية، ويعتقد ان ذلك مرده اجراءات الوقاية المتخذة عالميا، وتزايد متلقي اللقاحات المختلفة.
وكان لبنان دخل الاقفال العام في 14 كانون الثاني الماضي، ثم عاد في الثامن من شباط الى الفتح التدريجي على 4 مراحل ووضع ثلاثة خطط لمواجهة كورونا قال رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، انها تشمل اولا خطة ما بعد مرحلة الإغلاق، وهي تتضمّن ثلاثة برامج، برنامج تكثيف فحوصات الـPCR، برنامج التتبع لمحاصرة الوباء، برنامج زيادة القدرة الاستيعابية للمستشفيات، وثانياً، خطة الطوارئ الصحية التي تتضمن تامين اجهزة التنفس الاصطناعي الى المنازل بالتعاون بين الصليب الاحمر اللبناني والبلديات، وثالثاً، خطة التلقيح الوطنية التي وضعتها وزارة الصحة.
ولفت الرئيس دياب الى ان ما استطعنا فعله في هذا الاقفال هو وقف الانهيار ولجم المؤشرات السلبية التي تتضمن الزيادة الكبيرة في عدد الوفيات وارتفاع نسبة الفحوص الموجبة بشكل ملحوظ إلى حوالي 22 %، في حين ان عدد الحالات في العناية الفائقة اقترب من حاجز الالف شخص، بعدما كان قد وصل إلى 450 شخصاً في اخر الـ2020. واضاف ان الاقفال العام نجح في تخفيض معدّل العدوى من 2.7 الى واحد، وهذا مؤشر ايجابي يبنى عليه”.
ومع ذلك، هناك اسئلة وهواجس لدى كثيرين حول اللقاحات والفيروس واداء الجهات المعنية. البروفيسور المتخصص في الامراض الجرثومية والمعدية جاك مخباط، يقول ان نجاح خطة العمل في لبنان يعتمد على وصول المزيد من اللقاحات تباعا، مشيرا الى اهمية الموافقة على اللقاح الروسي ودرس اللقاح الصيني، ولقاح “جونسون أند جونسون” ولقاح “استرازينيكا”. اما الدكتور محمد الساحلي فقد اشار في تصريحات صحافية الى انه لا يستبعد وجود “سلالة لبنانية متحورة” من فيروس كورونا، داعيا جهات البحوث اللبنانية الى القيام بدورها للاجابة على هذه المخاوف.
وكما كان متوقعا حتى قبل اكتشاف اللقاحات، فان العديد من الخبراء والعلماء حذروا من ظهور “فجوة” هائلة بين الدول الغنية والفقيرة في الحصول على اللقاح، او بين الدول المصنعة والمالكة للعقار، وبين الدول التي تعتمد على استيراده. وتشير احصاءات اجرتها وكالة الصحافة الفرنسية ان مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، طالت وحدها نحو 50 % من اللقاحات التي اعطيت حتى الان، علما بانها لا تشكل سوى نحو 10% من سكان الكرة الارضية.
لكن ذلك لا يبدد الهواجس الطبية الاخرى حول مدى نجاعة اللقاحات في القضاء تماما على الفيروس، وما اذا كانت البشرية ستتمكن من الخروج من دوامة الوباء خلال العام 2021، ام سيتحتم عليها الانتظار اكثر. كما يتوجس كثيرون من “السباق التجاري” القائم بين الشركات العالمية، ولو على حساب صحة الناس.
لكن السباق الاكثر خطورة هو ذلك القائم منذ بداية العام 2020، ما بين الفيروس، وبين ارواح الناس.. ووعيهم، وهو صراع له جذور تاريخية بين الفيروسات والجراثيم، وبين عقول العلماء والاطباء.
وحاورت مجلة الامن العام الدكتور فاروق بزي، الحاصل على دكتوراة الدولة الفرنسية في الطب من جامعة غرينوبل، واخصائي في طب الاطفال والطب الوقائي من فرنسا وله كتاب حول الطب الوقائي تحت عنوان “مبادئ الطب الوقائي في صحة الامومة والطفولة”
*ما هي ابرز المحطات في تاريخ صراع البشرية مع اللقاحات؟
-بعد الاوبئة القاتلة لمئات الملايين من البشر التي اجتاحت العالم في القرون الثلاثة الماضية، كان هناك جائحات مثل الان واكبر منها ايضا، من بينها الطاعون والجدري وموجة الانفلونزا الاسبانية التي ظلت مستمرة حتى العام 1924 وادت الى مئة مليون حالة وفاة في العالم (ويقال ما بين 50 و60 مليون انسان). بكل الاحوال، في اوائل القرن التاسع عشر، مع موجة الابحاث البيولوجية والعلمية والطبية في اكتشاف لقاحات، كان اول طبيب بيولوجي هو الدكتور جينر الانكليزي الذي اكتشف لقاح الجدري.
وفي ثلاثينيات او اربيعينات القرن العشرين، بدات اللقاحات تتقدم بقوة عندما بدا العالم الفرنسي باستور لقاح ضد داء الكلب ثم الديفتيريا ، ثم كرت سبحة التطورات وتواصلت مع التطورات العملية التي راحت تنتج اللقاحات منذ ذلك الوقت. الى ان وصلنا الى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وصار لدينا لقاح ضد الشلل وضد الحصبة والحصبة الالمانية، واصبح لدينا ستة لقاحات في السبعينيات. ثم كرت السبحة وصار لدينا 26 لقاح بينها ايضا ضد التهاب الكبد والسحايا وجدري الماء والتهاب الرئة وحمى التيفوئيد والحمى الشوكية الى ان وصلنا الى “المولود الجديد”، لمرض خبيث للمرة الاولى في تاريخ الطب، وهو لقاح ضد سرطان عنق الرحم، وهو سرطان 90 في المئة منه سببه فيروس.
وبالنسبة الى فيروس كورونا الذي وصل الينا الان. فهو فيروس معروف سابقا، لكن الذي استجد في هذا الفيروس الذي انطلق من يوهان في الصين، واجتاح العالم بسبب انتشار وسائل النقل كالطيران السريع الذي ينقل المرض بسهولة من قارة الى قارة خلال ساعات، فانه تفشى بعدما تحول الى شيء اخطر وحدث فيه تحور في تركيبته الجينية، والان تخرج منه سلالات جديدة، وبدا العالم يتجه نحو ايجاد لقاح، وصار هناك تنافس علمي وفي الوقت نفسه تنافس تجاري حول من يبدا اولا حتى يستفيد منه ماديا لان العالم كلها تريد اللقاحات، البلاد الغنية والفقيرة على السواء.
*ما هي اللقاحات التي صارت بين ايدي العالم الان؟
-صار الان هناك خمسة لقاحات معتمدة حتى الان: “فايزر بيونتك” الاميركي-الالماني، و”مودرنا” الاميركي، و”استرا زينيكا” البريطاني-السويدي، و”جونسون اند جونسون” و”سينوفارم” الصين، بالاضافة الى العقار السادس “سبوتنيك” الروسي الذي لم تعتمده ادارة الغذاء والدواء الاميركية حتى الان.
*طبيا، ماذا يعني ان ياخذ انسان اللقاح بشكل عام؟
تتالف عملية التلقيح بشكل اساسي من تحضير اللقاح عن طريق الفيروس الذي يخلق المرض للجسم، وتقوم الغدد الليمفاوية التي تخلق الاجسام المضادة للحماية، وتهاجم الجرثومة او الفيروس المسبب لمرض ما، وتقتله. بعض الناس تكون لديهم مناعة خفيفة، وبعض الناس مناعتهم تكون اقوى فياتيهم المرض بشكل اقل وطاة واقل خطرا، وهناك اجسام تتمكن من قتل الجرثومة والتغلب عليها.
*كيف تساهم اللقاحات في مواجهة كورونا والقضاء على الوباء؟
-نحن كاطباء فوجئنا باعتماد اللقاحات، لاننا نعرف كاطباء ان لا لقاح الا بعد مرور سنوات عليه من دراسته وتجربته لجميع فئات الناس من كافة الاعمار وعلى فترات زمنية طويلة لتحديد اثاره الجانبية وعادة تتطلب سنوات، لكن في ما يتعلق بكورونا فاننا لم نفعل ذلك، لان العالم كله في حالة جائحة، وهو ما يعزز مبدا ان الحاجة ام الاختراع، ونحن الان في تطور تكنولوجي. نحن في العام 2021 ولسنا في سنة 1920، حيث تطورت التكنولوجيا والعلم البيولوجي والابحاث تطورت. ولهذا صار هناك تسابق في العالم.
وكما قلنا، اللقاح هو جزء من الفيروس ندخله الى الجسم، والجسم يقوم بردة فعل وينتح اجساما مضادة، تقضي على الفيروس.
*ماذا عن لقاح “فايزر بيونتك” الذي بدا توزيعه في لبنان؟
-هو اول لقاح تم طرحه عالميا واعترفت به ادارة الغذاء والادوية الاميركية، (اللقاح الروسي ربما طرح قبله). ويعمل “فايزر” بهذا الاسلوب: اخذنا جزء من فيروس كورونا التي لها ما يشبه تاج من الاشواك، وادخلناه في جسم الانسان مع مادة تؤدي الى تسريع تحفيز انتاج الاجسام المضادة في جسم الانسان، واعطت نتيجة بنسة 95 في المئة بعد دراسات تجريبية طالت 40 الف شخص من كافة الاعمار، باستثناء الاطفال الذين يتمتعون بمناعة قوية قادرة على مواجهة المرض.
*هل نحقق نجاحا اذا تلقت نسبة كبيرة من الناس اللقاح، وظلت هناك نسبة اصغر لم تاخذها؟ ماذا يحدث؟
-نحن نلقح الناس الاكثر عرضة للمرض كالجسم الطبي والممرضيين والعاملين في المستشفيات، ثم كبار السن الذي لهم افضلية بسبب اعمارهم، ثم فئة المصابين بامراض مزمنة. ثم فئة من65 سنة الى 75 سنة، وهكذا حسب الفئات العمرية. فكلما كان العمر اصغر، كلما كانت نسبة الامراض اقل، وكلما كان الانسان خال من امرض السكري او الضغط او القلب او الشرايين او الكلى، يكون اقل عرضة للاصابة مقارنة بغيره بدرجة كبيرة. وكلما كان لدى الانسان مرض مزمن ويتناول الادوية ولديه مضاعفات بسب المرض، كلما كان اكثر عرضة للاصابة وبالتالي يصبح ضمن اولويات اللقاح.
ويبقى لدينا الجزء الشاب. شريحة ال 16 سنة ونزولا، يشكلون في لبنان نحو 30 % من السكان. لبنان بلد شاب بشكل عام. وما تحت ال30 سنة يشكلون نحو 55%. لهذا، فانه في بداية الجائحة، مات الاف الناس يوميا في شمال ايطاليا حيث يتقاعد كبار السن الاغنياء.
*بتقديرك هل يتمكن لبنان من اعطاء اللقاح ل80% من السكان خلال العام الحالي؟
-انا اشك بذلك لعدة اسباب. لان ذلك يتطلب امرين. الانتاج العالمي للقاحات وما اذا كان سيلبون طلب لبنان بالعدد الكافي من اللقاحات. وثانيا ان تمتلك ما يكفي من المال لتطلب شراء مليون لقاح. هناك امور تجارية كثيرة تلعب دورها، لا انسانية فيها وانما تجارة. ونحن الان اللقاح الذي بداناه حصلنا عليه عبر مساعدة من البنك الدولي. والان كم سنكون جدين وامناء على تامين اللقاح، وقادرون على دفع المال، وتجاوبا معنا واعطونا ما نطلب. واتصور في لبنان ان المسالة ستتطلب سنة ونص او سنتين، اذا لم يحدث امر كبير كان ينهار الوضع الاقتصادي بالكامل، او يجرى تهريب اللقاح هنا وهناك.
*هل تنصح بان ينوع لبنان بين الانواع المختلفة من اللقاحات؟
-انا لا انصح باي لقاح. انا شخصيا اخذت لقاح فايزر لانه اول لقاح وصل الى لبنان الان. وانا على لائحة الاولويات لان عمري 76 سنة وطبيب. اختيار اللقاح مسالة ترجع الى اللجنة الطبية المشرفة التي تقرر اي لقاح ولاي عمر ملائم. المهم ان ناخذ اللقاح مهما كان. وهو ايضا بحسب الاعمار. فايزر مثلا يلائم من هم في ال75 سنة وصعودا ولهذا بداوا به. اللقاحات الاخرى تلائم اعمارا مختلفة والقرار للجنة العلمية التابعة لوزارة الصحة واللجنة الوطنية التي تتولى شؤون الكورونا واللقاحات.
https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/9005.pdf