الرئيسية » العالم والخليج » حُرّاس دمشق.. قوميُّون عرَب أيضاً

حُرّاس دمشق.. قوميُّون عرَب أيضاً

 

  

دمشق-  فراس خليفة

 

دخلت “الغوطة الشرقية” أخيراً في اتّفاقات “مناطق خفض التصعيد” لكنّ الحربَ لم تضع أوزارها بعد. في السّنوات الماضية بدت مدن وبلدات “الغوطتين” أشبه بـ”حزام ناسف” يزنّر دمشق مهدّداً بإسقاط العاصمة جدّياً بيد المعارضة المسلّحة. تغيّر المشهد الميداني في كامل سوريا وتوسَّع طوق الأمان حول دمشق وكان لبعض القوات الحليفة للجيش السوري دور كبير في تعزيزه. “الحرس القومي العربي” الذي بقي طويلاً خارج دائرة الضوء جمع تحت لوائه مقاتلين من جنسيات عربية عديدة جاؤوا “من المحيط إلى الخليج”، للدفاع عن أسوار دمشق !

 

 على مشارف “جِسْرِين” و”خفض التوتّر” العالي 

 

الثانية عشرة وثلاث وثلاثون دقيقة في “نقطة عسكرية” متقدّمة في منطقة “مزارع جسرين” في عمق الغوطة الشرقيّة. كانت المجموعة المؤلّفة من ثمانية مقاتلين داخل “الموقع” عندما سقطت قذيفة هاون في الخارج على بُعد عشرات الأمتار مصدرها “فيلق الرحمن” من الجهة الغربية لجسرين، ليأتي الردُّ فورياً ومباشراً من مدفع “رشّاش 12” بعددٍ من الطلقات المتتالية. يعلّق أحدهم ممازحاً، “عمّا يتحركشوا فينا”، قبل أن يضيف:”ربما يقصدون إعاقة حركة خط الإمداد هنا”. حسب “الإخوان” فإن أقرب نقطة بين مقاتلي “الحرس” ومقاتلي “الفيلق” لا تتجاوز المائة متر، فيما قد تصل إلى أقل من ذلك بكثير في”الكمائن المتقدمة”. لم ينضمّ “فيلق الرحمن” كما يقول هؤلاء إلى نظام التهدئة السابق (قبل الإتفاق الأخير في أستانا). “فيلق الرحمن والنصرة خارج أي اتفاق أصلاً”. مقاتلو الحرس الذين أقرّوا بأن تنسيقاً قائماً مع جيش الإسلام (عبر الجيش السوري) لـ”أغراض التهدئة”، يرَوْن أنّ أيّ وقف لإطلاق النار لايعني عدم الرد على الخروقات. يوضحون: “بالمفهوم الحربي فإن خرق وقف إطلاق النار لا يكون فقط باستعمال السلاح بل من خلال أي حركة توحي بالاستعداد لأي عمل عسكري”.

على “الجبهة الأمامية” في منطقة واقعة بين خط الدفاع الأول وخط الدفاع الثاني يواصل “شباب الحرس” مهامهم اليومية. قبل الحرب كانت المنطقة تعدُّ منطقة مزارع و”بساتين غنّاء” وقصور يقطنها أُثرياء ومَيْسورون. جاء “قانون الحرب” وغيَّر الصورة. أفرزت الحرب طبقة جديدة من “حديثي النعمة” لم تصب لوثتها مقاتلي “الحرس”. “جينا لقينا البيت خربة ولا نعرف مَن هم أصحابه. قمنا بعملية إصلاح وتأهيل من دهان وتمديدات صحية وكهربائية، حتى اننا نقوم بسقاية الزرع من حولنا”. تدور المروحة المثبّتة في السّقف بإيقاع غير سريع. يقوم أحدهم بـ”واجب الضيافة” مقّدماً لزواره شراب توت شامي “شغل ديّات أخونا أبو جمال”. يشير شاب آخر إلى أن “طعام الحرس في العادة هو عبارة عن وجبات الجيش السوري ذاتها التي تقدّم يومياً، لكننا أحياناً نطبخ وفي أوقات يأتينا بعض التبرّعات والمواد الغذائية إلى مطبخنا الخاص”.

 

 

 

مع “أبو حرْبة” و”نضال” ورفاقهم

 

 

المكان: “قومي واحد” في المنطقة المتداخلة بين مزارع جسرين وأطراف بلدة بالا. “تحيا عروبتنا”. يلقي أحد الشباب سلامه على عجَل ويتابع طريقه. يقول الرجال إن مجموعات “الحرس” تتكوّن من نسيج عربيّ متعدّد لا يشبه إلا نفسه. العدد الأكبر هو من “القُطْر السوري” ويليه الفلسطينيون وبعده تأتي باقي الجنسيات من لبنانيين وتونسيّين ومصريين وجزائريين وغيرهم. لم يكن المكان آمناً تماماً. لم يسمح الظرف الميداني بلقاء البعض من حمَلَة الجنسيّات “المغاربية”. في الغرفة كان اللون الغالب للمقاتلين من “بلاد الشام”. يُعرِّف الرِّجال عن أنفسهم  كـ”قوة مقاتلة مرِنة” حليفة لـ”الجيش العربي السوري” الذي تحوَّل هو  الآخر إلى “جيش غير كلاسيكي” بعد أن استنزفت سنوات الحرب جزءاً كبيراً من بنيته التقليدية. “أبو حربة”  قيادي ميداني يتواجد في القطاع منذ سنتين ونصف السّنة تقريباً.” “أنا لبناني عربي من مدينة صيدا بوابة الجنوب وعاصمة المقاومة”. يبدو الشاب العشريني واثقاً وفخوراً بـ”إنجازات رفاقه على الأرض”. بالقرب منه، “أبو خليل” الفلسطيني السوري ابن مدينة طبريا ومن سكان “اليرموك” سابقاً لا زال يتلقى العلاج بفعل اصابة بالغة في يده منذ أكثر من سنة خلال معارك داريا في الغوطة الغربية. “أبو عامر” فلسطيني أيضاً. “جئتُ لأُكملَ مسيرة أخي وهو أحد القادة المؤسسين للحرس الذي عمل طويلاً على جبهة القنيطرة ودرعا واستشهد في برزة”.

على الأرض “يتربّع” نضال الشاب اللبناني الآتي من إحدى قرى جنوب لبنان. يروي حكايات كثيرة عن تضحيات زملائه ويدافع عن مسيرة “الحرس القومي” التي هاجمها كثيرون في البداية بمن فيهم الأصدقاء على حد قوله. يقول نضال إنه وأخويه الآخرَيْن جاؤوا للقتال في “سوريا العربية” كنوع من تكريم لوالدهم “حيدر العاملي” الذي  كان أحد رموز العمل القومي المقاوم في الجنوب، لافتاً إلى أنّ تشكيلات الحرس القومي الحالية تضم كتيبة مهام خاصة باسم “كتيبة الشهيد حيدر العاملي”. بدوره، “حربي” المواطن السوري الكردي الآتي من “راجو” قرب “عفرين الحلبية يقاتل في صفوف “الحرس القومي العربي” منذ العام 2014 . “أنا كردي إيه. كردي وقومي عربي. تعرّفتُ على الشباب في الحرس بعد شهادة أخي في يبرود وانضميت إلى صفوفهم”. لا يرى حربي نفسه مقاتلاً في صفوف قوات “قسد” مثلاً. “هؤلاء مشروع آخر. أنا مع الحق الكردي طبعاً ولكن في إطار وحدة الأرض السورية”.

“خلطة” الحرس هي، بشكل أبو بآخر، انعكاس للتنوّع السوري نفسه حسب ما يقول الشباب الحاضرون. ينخرط في مجموعات “الحرس” والأطر التابعة له شباب سوريون مسلمون ومسيحيون يتبادلون زيارات وطقوساً دينية بعيداً من إطار المجاملات الموسمية والإعلامية. “نحنُ نواجه مشروع الجماعات التكفيرية بمشروع قومي عربي جامع يحافظ على التنوع ويترك الحرية لكل فرد في ممارسة إيمانه على طريقته”.

 

“أبناء الأمة” يصنعون الحرية

                                                         

لا تغادرُ رأس “حربي” صورة  اللحظات المؤثّرة في مواجهات داريا عندما طلب منهم الضابط  إرسال أحد العناصر لإستلام طعام الغداء. “يومها تبرّع شادي ناعسة بالمهمّة فأصيب برصاص قناص واستُشهِد فوراً”. يروي “حربي” أنه حاول إسعاف زميله فعاجله القناص أيضاً برصاصة أصابت كتفه وخرجت من خاصرته. “اكتشفتُ لاحقاً أن زميلاً لنا كان قد سبقني لمحاولة مساعدة شادي وأُصيب هو الآخر، لكنّ شادي مات”. في السياق ذاته يشير “أبو أسد” إلى أن مقاتلي “الحرس” لديهم مآثر مشهودة في مدّ يد العون لمقاتلين من القوات الحليفة في عملية إجلاء جرحاهم ومعالجتهم. يستأذن “نضال” رفاقه الكلام ليؤكّد: “الحرب هي حرب أخلاقية بالنسبة لنا”. يتذكّر ضابطاً سورياً في “الفرقة الرابعة” أصيب في جوبر وشارك في معارك تحرير المليحة. يقول “إن الضابط أَوقَف عملية الإقتحام في المليحة لمدة ست وثلاثين ساعة لأن المسلحين وضعوا عائلاتهم أمامهم كسواتر بشرية”.

يستحضر الشاب اللبناني مشهداً آخر يعود إلى ليلة التهديد الأميركي لدمشق في آب 2013. “كنا وقتها قرب العبّاسيين وكان لنا الشرف أن نكون من بين خمسة آلاف مقاتل دافعوا عن دمشق في صمود أسطوري لـ 6 ساعات” لافتاً إلى أن اللواء ماهر الأسد وكبار الضباط  في الجيش السوري كانوا حينها متواجدين في الصفوف الأمامية!

ماذا تفعلون غداً عندما تنتهي الحرب؟ يتبرَّع “أبو حربة” للإجابة: “نحن أبناء هذه الأمة. عندما تنتهي الحاجة للعمل العسكري سننخرط بكل ما أوتينا من قوة في جبهة إعمار وإعادة بناء سوريا على مختلف الصعد”. والسلاح؟ “لكل حادث حديث. لكن لا تنسى أن الحرب على سوريا هي بسبب الموقف من فلسطين أيضاً والدليل ما نراه من دخول إسرائيلي مباشر وغير مباشر في الحرب”. وبعد؟ “عيننا على فلسطين دائماً. نحن مقاومة أيضاً”! أبو حربة العروبيّ إبن مدينة صيدا الذي يحفظ جيداً شعار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الشهير “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”، يرى أن شعارات “القائد الرمز” تصلح لكلّ زمان ومكان مؤكداً على جملة معروفة لعبد الناصر أيضاً “الخائفون لا يصنعون الحرية والمتردّدون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء”.

 

 

 قَل لـ”المليحة” ماذا فعلوا بها؟ 

 

المليحة أيلول 2017. العلَمُ الرّوسي يعلو قاعدة عسكرية “للتنسيق العمليّاتي مع الجيش”. “وأنتم هل تنسّقون بدوركم مع الروس في أمور محدّدة”؟ تأتي الإجابة بـ”لا” قاطعة: “تنسيقنا مع الجيش فقط”. في الطريق يظهر مقرّ “إدارة الدفاع الجوي” السّابق الذي دارت حوله فصول من المواجهات الكبيرة. يقولون إنّ المليحة سقطت بالكامل بيد فصائل المعارضة قبل سنوات لكن “الدفاع الجوي” لم تسقط. يُحدِّث رجُل الأمن رفيقه بكلام مشفّر:”الملف صار جاهز ونحنا معنا حديدة وحدة قلّو يجيب وحدة تانية”. على جانبَيْ الطريق، وفي كل اتّجاه، عدد هائل من الأبنية المدمّرة بشكل كلّي أو جزئي فيما لحقت أضرار متفرّقة بمساحات كبرى من المدينة التي كانت تعدُّ إحدى أكبر مدن الغوطة الشّرقية. “إنّها الحرب”. يقول الرجل المرافق بكثير من الأسى. يضيف:”كلفة إعمار الحجر تبقى أهون من كلفة الخراب المجتمَعي. نحتاج إلى مخطّط توجيهي شامل لا يقتصرعلى العمران فقط”.

في المكان لافتة مكتوب عليها “علوش لتأجير السيارات” وأُخرى لمكتب عقاري وثالثة لمركز تسوّق وغيرها، في إشارة إلى أن الحياة كانت مزدهرة هنا قبل أن يغطّي الدمار مساحات واسعة من “المليحة”. على أحد الجدران كُتبت عبارات موقّعة بإسم “جيش الإسلام” وأُخرى تحكي عن “بطولات” لقادة مجموعات مسلّحة لم يبقَ منها سوى أحرف كُتبت بيَدٍ مُرتجِفة وخراب عميم!

 

“الحاج ذو الفقار” والتسعون شهيداً و “إنتصار الدولة”

 

 

المقرّ الرئيسي للقيادة العسكرية لـ”الحرس القومي العربي” في الغوطة الشرقية. على ذمّة “أهل الدار” فإنّ المبنى الذي خضع لعميلة تأهيل وترميم على مراحل عدّة، “كان لأحد الشباب المؤيّدين للدولة وقد عرضنا عليه استئجاره لكنه سامحنا وقال إنْ لنا الحرية في استخدامه”. في القاعة الرئيسية تُرفع صورٌ كبيرة لرموز “قومية عربية” بينها “القائد” جمال عبد الناصر و”العميد ماهر” في إشارة إلى اللواء في الجيش السوري ماهر الأسد “الذي يحوطنا برعاية خاصة”، وصورة للشهيد عماد مغنيّة “الذي أخرج المقاومة الإسلامية من بوابة الحسينيّة الى العمل المقاوم على المستوى العربي والفلسطيني تحديداً، ونراه رمزاً من رموز المقاومة العربية والعالمية”. في القاعة مكتبة تضمُّ بين رفوفها كتباً من “مشارب فكرية متنوعة”. يقول أحد الحاضرين ممازحاً:”عم تنقص الكتب، الظاهر في عنّا حراميّة كُتب هون”!

لم يكُن بعدُ قد حان وقت الغداء عندما دخل “الحاج ذو الفقار العاملي” لإستقبال ضيوفه الذين جاؤوا لتهنأته بالسّلامة بعد إصابته قبل فترة بطلق ناري في الخاصرة قرب مدينة درعا. يدخل شابٌ بكامل عتاده العسكري ويخبر”الحاج” بأمر ما ويعود أدراجه. تُلقي فتاتان صغيرتان السّلام على الرجل الثلاثيني وتغادران الغرفة بحركة منتظمة. لا تهدأ الحركة في الغرف المجاورة وقد خُصِّصَت إحداها لـ”صف الدروس في الفكر القومي العربي”. لا يحبّذ “الحاج” أن يُنادى بصفته القيادية (القائد العام للحرس القومي العربي). “أنا الخادم العام”. وهو، على الأغلب، يعني ذلك حرفياً، ذلك أنه يقوم بمتابعة أدقّ التفاصيل في “قرية السّنافر” التي يقع فيها “المقر العام وعدد كبير من بيوت قيادات في “الحرس”. ولكن هل قلت “قرية سنافر”؟ يضحك: “هكذا قال لنا مرة قياديون من الأخوة في حزب الله على سبيل النكتة”.

لم تكن إصابة “الحاج ذو الفقار” الأولى منذ أن قدم إلى سوريا على رأس مهمته العسكرية، بل كانت المرة الثالثة التي ينجو فيها من إصابة مباشرة. يأخذ عليه كثيرون ظهورَه العلني في “المواقع الأمامية” وفي عدد كبير من المناسبات لكنه يقول “هيدا أنا”. يضيف: “ظهوري العلني في الحرب هو أكثر أماناً من التواري عن الأنظار. ليس لدينا شيء نخسره”. يقول الرجل إن “شباب الأمن” حاولوا إبعاده قدر الإمكان عن الصفوف الأمامية والتخفيف من ظهوره العلني، “لكنهم لم ينجحوا تماماً”.

ماذا عن رمزيّة “المليحة” بالنسبة لـ”الحرس”؟ يقول “القائد العام”: “المليحة هي العصب العسكري الأساسي لنا الآن. هنا يقطن عدد كبير من قياداتنا وعوائلهم. هنا نستقبل شهيد ونودّع آخر. نحنا هنا منذ بدايات تحرير المدينة في العام 2014 ودفعنا شهداء كثر هنا بينهم قائدان”. يشير الرجل إلى أن للحرس أيضاً معسكر تدريبي رئيسي في المليحة. يرى أن رمزية المليحة في السياق العام للحرب هي في كونها “شكّلت سابقاً العصب الذي يقوم عليه المسلّحون، ونحن قطعنا هذا العصب إلى جانب الجيش السوري وحزب الله وقوى أخرى”. باختصار: “المليحة هي بوابة استعادة الغوطة الشرقية وانكسار مشروعهم”.

ألا تبالغون في الحديث عن دوركم الميداني والعسكري؟ “نحن شركاء رئيسيين بتحرير الغوطتين. كل معارك درع دمشق اللي حمت العاصمة كنا شركاء رئيسيين فيها. يعدّد الرجل محطات بارزة في “المسيرة الجهادية” للحرس تتجاوز الغوطة الشرقية. “معارك الجنوب السوري مثلاً تعني لنا كثيراً باعتبار أن العدو الإسرائيلي كان شريكاً مباشراً في بعضها وهذا شرف لنا”. يضيف:” في حلب خضنا معارك مصيرية، اما الملحمة الحقيقة اللي خضناها كانت في داريا. هناك سقط لنا شهداء قادة فيها كمحمد بشير حربلّي وحسام رشواني وحسين عيسى”. الفصيل المسلّح الذي بلغ عدد شهدائه حتى الآن قرابة 90 شهيداً معظمهم سوريون وفلسطينيون وبينهم شهداء من تونس ومصر، كرّس تاريخ 12_12 من كل عام للإحتفال بيوم شهيده،” اليوم الذي استُشهِد فيه القائد عامر عيد عبد الله في برزة بداية الاحداث وهو مِن مؤسسي الحرس القومي العربي”.

بالنسبة لـ”العاملي” فإن “مسلسل” انتصار الدولة السورية بدأ منذ العام2015. “لم يكن الوضع الميداني حينها في صالحنا، وتعرفون باقي الحكاية. لكن منذ ذلك الحين ونحن في حالة هجوم وتقدّم متواصلة”. يضيف: “نحن الآن في مرحلة تعزيل. دير الزور تحرّرت تقريباً. الرقة  وإدلب تحصيل حاصل. أنتَ الان في دمشق وكل شي شغّال.. نعم انتصرنا. نقطة أوّل السّطر”!

 

 “الحَرَسْ”.. المشروع النهضوي والمؤسَّسة والحاضنة

لا يُفصِح “الحاج ذو الفقار” عن العدد الذي وصل إليه أفراد “الجناح العسكري” للحرس القومي العربي معتبراً الأمر من الأسرار التي يجب الحفاظ عليها. (يرجّح مقرّبون أن الرقم قارب الألفَيْ مقاتل). يلفت الرجل إلى “أننا مجموعات من الشباب القومي العربي بدأنا بشكل محدود جداً بعد نقاشات معمّقة جرت في تونس خلال أحد المؤتمرات. كنا عشرة أشخاص ووصلنا إلى…؟”. تتوزّع تشكيلات الحرس العسكرية، كما يشير قائدها العام، في “الغوطتين” وفي دمشق، في حمص وحلب وريفها وعلى حدود الرقة وفي درعا وقرب الجولان ومناطق أخرى.. يؤكد الرجل “أننا نريد كسر الصورة النمطية التي وضع كثير من القوميين العرب أنفسهم في إطارها. نحن لسنا قوميين عرب تقليديين”.  يعمل كوادر الحرس على “مأْسَسَة” التنظيم في المرحلة المقبلة في “إطار مؤسساتي شعبي فكري نهضوي حقيقي”. يقول الرجل: “قطعنا شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه، لدينا الآن لجنة دعم عوائل الشهداء وهي قائمة منذ أكثر من سنة وتجري الان عملية هيكلتها، كما نعمل على تأسيس مؤسسة الجرحى”. يضيف: “لازلنا نعمل على مستوى مخيمات الشباب القومي العربي باعتباره مؤسسة شبابية تابعة للحرس ولدينا مجموعات شبابية كبيرة في جرمانا ونهر عيشة وصحنايا وغيرها يتجاوزعددها ثلاثة آلاف كادر من غير العسكر”. يؤكد الرجل كما عناصر “الحرس” في كل مناسبة انهم موجودون إلى جانب الجيش السوري في معظم أماكن إنتشارهم الميداني. لذا برأي هؤلاء فإن “البيئة الحاضنة لنا هي بيئة الجيش والدولة السورية نفسها”.

لكن “القائد العام” يلفت إلى “أننا في بعض الأماكن استطعنا اجتراح هذه البيئة التي لم تكن متعاطفة مع الدولة في أول الأزمة كداريا وسْبَيْنِة مثلاً”. يقول:” السبَيْنِة اليوم هي بمثابة ضاحيتنا الشعبية”. مع ذلك يشير ذو الفقار إلى “أن هذه الحاضنة لم توجد في صحراء بل خلقناها بأرض هي أصلا قومية عربية. الناس هنا تنتمي بالفطرة للهوية العربية. خلاف الناس لم تكن على الشعارات العامة للدولة أو على فلسطين وغير ذلك”. يضيف الرجل: “حاولوا أن يهزّوا هذا الايمان عند الناس من خلال المذهبية والطائفية ما استطاعوا. ربما نجحوا جزئياً. نحن جئنا نظّمنا وأطّرنا واستفدنا من أخطاء الآخرين”!

على مسافة أمتار قليلة من “المقر العام” كانت والدة “الحاج ذو الفقار” تتابع الحديث مع “رفاق سلاح” إبنها. المرأة “الصلبة” التي قطعت مئات الكيلومترات لتطمئنّ على سلامة “الحاج” بعد إصابته الأخيرة لها حكاية طويلة مع “النضال والكفاح” قد تُروَى يوماً. يخرج “الحاج ذو الفقار العاملي” و”صحبه” إلى الباحة الخارجية بخطى ثابتة وواثقة. لكنّ نهاية الطريق الطويل دونه آلام كثيرة. إنّها الحرب.

 

 

 

 

عن جورنال