الرئيسية » اراء ودراسات » الخليج نحو التَّطبيع لا محالة

الخليج نحو التَّطبيع لا محالة

“التّطبيع مع إسرائيل خليجياً سيُفرض كأمر واقع. إنها مسألة وقت لا محالة”. هذا ما يقوله مصدرٌ سعوديٌّ تحفَّظ عن ذكر اسمه لحساسية الموضوع.

في واقع الأمر، يشير السلوك الخليجي إلى وجود قرارٍ حقيقيٍّ بالتطبيع؛ قرارٌ نابعٌ من قناعةٍ تقودها السعودية الجديدة بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الَّذي أحدث قطيعةً مع الدبلوماسية والدور السعوديين تقليدياً.

لم يعد سرّاً خافياً ما يُقال في أروقة صناعة القرار مباشرةً أو مواربةً. لقد قالها بن سلمان: “إسرائيل شريكٌ للمملكة في مجالي التجارة والتكنولوجيا”. ويعدّ حضور الإمارات والبحرين عند إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب “صفقة القرن” بلورةً لهذه الرؤية والنهج السعوديين.

لقد قامت الرياض خلال السنوات الماضية بالعديد من الخطوات، بدأت بها على المستوى الإستخباري ومستوياتٍ أخرى يكشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بين الحين والآخر.

ولا يبدو التنسيق الإعلاميّ مستبعداً أيضاً، وخصوصاً بعد أن بثَّت القناة “12” الإسرائيليَّة تقريراً مصوّراً من جدّة بعنوان “إسرائيلي في السعودية”.

وثمّة تنسيقٌ أبعد من ذلك، بعد إعلان “إسرائيل” السماح للإسرائيليين بالسفر إلى السعودية، بهدف الحجّ أو التجارة، إذ لا يمكن أن يتَّخذ نتنياهو هذه الخطوة إلّا بالتنسيق مع الرياض.

إذاً، إنه التَّطبيع بلا شكّ، ولكن ما الدوافع؟

يقول المصدر السعودي: “بالنسبة إلى الخليجيين، هي مسألة أمن بالدرجة الأولى. هكذا هم يفكّرون. المعركة الأساسيَّة بالنسبة إليهم مع إيران القريبة، لا مع إسرائيل البعيدة. كانت طهران دائماً ما تحمل خطاباً معادياً للخليج منذ الثورة، وهو ما دفع الخليجيين أكثر نحو الحضن الأميركي. ومع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، لا يجد الخليجيون حرجاً في مد جسور التعاون مع إسرائيل المعادية لإيران”.

هل يريد الخليج مواجهة إيران ببيع فلسطين؟ سؤالٌ محيّرٌ فعلاً يواجه صانع القرار الخليجي ومقارباته للتحديات!

يقول المصدر السعودي: “دفع تشرذم الوضع الفلسطيني الخليجيين إلى التململ من الوضع الفلسطيني الراهن والبحث عن بدائل لحلّ هذه القضية. وأخيراً، إذا كانت هناك اتفاقية سلام بين إسرائيل والأردن، وإسرائيل ومصر، فما الذي يمنع الخليجيين من مدِّ جسور العلاقة مع إسرائيل”.

لا يُدرج كلام المصدر وحده في خانة الدوافع، أو بشكل أدقّ تبرير التطبيع والتخلّي عن القضية الفلسطينية، ذلك أنّ تشرذم الموقف العربي من الاحتلال الإسرائيلي وتخاذله كان عاملاً مشجّعاً على تجرؤ الخليجيين على اتخاذ خطوة التطبيع.

ما حجم التطبيع؟ وما حدوده؟

يقول المصدر: “لن تتّخذ المملكة قرار التطبيع رسمياً، فمكانتها وموقعها العربيان لا يسمحان لها بذلك. تبقى السعودية الحامي للمقدسات الإسلامية. ثانياً، أعتقد أنّها لن تتّخذ هذه الخطوة إلّا بعد موافقة الفلسطينيين على الجلوس للتفاوض مع الإسرائيلي. وسيبقى التنسيق في شكله الحالي، ولكن بالنسبة إلى البحرين والإمارات، فالأمر ليس مستبعداً”.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الخطوة تجرح وجدان العرب، بمن فيهم الخليجيون، فإنَّ هذه الدول لا تعير اهتماماً فعلياً لمواقف شعوبها التي تتفاوت أيضاً في مستويات التعبير عن الرفض والغضب، إذ لا يمكن القفز عن هذه المواقف للإنصاف.

في البحرين، ثمّة موجة غضبٍ ورفضٍ شعبيّةٍ عارمةٍ بحكم نشاط مؤسَّسات المجتمع المدنيّ وفعاليتها، فالتطبيع هو جرحٌ لنضالهم وتضامنهم التاريخي مع القضية الفلسطينية، وكلّ حديثٍ عن خطر إيران لا يمكن قبوله كمبرّر للتطبيع مع “إسرائيل”.

في الإمارات وعمان، تبدو الأمور أكثر سهولةً، إذ تغيب المعارضة ويغيب النشاط السياسي المدني، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود أصواتٍ رافضةٍ للتطبيع في هذين البلدين.

أما قطر الّتي اتخذت موقفاً مغايراً عنوانه “لا مع ولا ضد صفقة القرن” أو موقف التوازن بين “إسرائيل” وحماس، فللمفارقة، كانت أوّل دولةٍ خليجيةٍ تتعاون مع “إسرائيل” في أواخر التسعينيات. شعبياً، مرَّ الأمر من دون حماسة تُذكر مقارنةً بالبحرين مثلاً.

وأخيراً الكويت، ويبدو أنَّ الأمر فيها هو الأكثر صعوبةً بحكم وجود برلمان كامل الصلاحيات لا يمكن أن يقبل بالتطبيع.

(عن الميادين نت)

وفاء العم

إعلامية بحرينية عملت مذيعة في تلفزيون الميادين، كتبت مقالات عدة في الشؤون الخليجية

عن جورنال