الرئيسية » العالم والخليج » البشرية تنتحر جماعيا : 80 عاما على الحرب العالمية

البشرية تنتحر جماعيا : 80 عاما على الحرب العالمية

تحل الذكرى ال80 للحرب العالمية الثانية، في ايلول 2019، وهي مناسبة لا لاستذكار اكثر حروب البشر دموية وبشاعة فحسب، بالنظر الى حصيلتها التي طالت ارواح اكثر من 60 مليون انسان، وانما الاهم محاولة فهم الاسباب التي قادت الى اشتعالها، وانخراط اكثر من 60  دولة فيها، واستمرارها لستة اعوام الى حين استسلام المانيا واليابان في العام 1945.

خليل حرب

++++++++++++++++++++++++++++++++

بداية لا بد من الاشارة الى ان المؤرخين يختلفون حول التاريخ الذي يجب اعتماده لاشتعال الحرب العالمية الثانية. فمنهم من يقول انها بدات فعليا مع حرب احتلال ايطاليا لاثيوبيا في تشرين الاول العام 1935، بينما يعتبر اخرون ان البداية كانت مع اندلاع معارك الامبراطورية اليابانية والاتحاد السوفياتي في ايار العام 1939، او ربما مع الغزو الياباني للصين في تموز العام 1937. لكن الغالبية تعتبر ان الشرارة الحقيقية كانت مع غزو المانيا النازية لجارتها بولندا في الاول من ايلول العام 1939، وانضمام بريطانيا وفرنسا عندها الى الحرب.  

هذا في لعبة التواريخ، لكن الجذور الحقيقية لاكثر المعارك تجسيدا لهمجية الانسان، هي الاكثر اهمية. التمعن في الاسباب التي قادت زعماء دول الى جر عشرات ملايين الجنود، ومئات ملايين البشر، الى خوض ستة اعوام من الدم والكراهية والمعاناة والموت، هي التي يجب ان نقف عندها مطولا لفهم ما جرى، وربما الاتعاظ منه، ذلك ان من نجا منها، خصوصا ربما اولئك الذين عاصروا اهوال القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي، يدركون اكثر من غيرهم قيمة الحياة من بعد سنوات الموت الستة. 

وبخلاف ما هو شائع، او ما يروج له عادة، بان صعود النازيين الى الحكم في المانيا يكاد يكون السبب الجوهري لاندلاع الحرب العالمية الثانية، فان التدقيق في حقائق الاحداث، وخصوصا تداعيات الحرب العالمية الاولى، والاذلال الاقتصادي والعسكري والوطني الذي فرض على الالمان نتيجة هزيمتهم في تلك الحرب، تؤكد ان ال60 مليون انسان – او اكثر – الذين قضوا في الحرب الثانية، ربما كان يمكن ان تكتب لهم الحياة، لو لم يبالغ المنتصرون، اي قوى الحلفاء، الذين وضعوا “معاهدة فرساي” في العام 1919، اي قبل مئة عام بالتمام، في شروطهم وعقوباتهم التي فرضوها على المهزومين، وتم تشديدها بتحريض من فرنسا.  

فما الذي جرى وقتها؟ حرمت الامبراطورية الالمانية من 13 في المئة من اراضيها، وتوزعت اراضيها هذه بين فرنسا، والدنمارك وبلجيكا وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا. وفرض على المانيا دفع تعويضات حرب قدرت قيمتها بنحو مئة الف طن من الذهب بعدما حملت مسؤولية الحرب. كان الهدف كما يبدو، اعاقة الالمان من اعادة بناء اقتصادهم ودولتهم التي دمرتها الحرب الاولى. منعت المانيا والنمسا من محاولات توحيد بلديهما. فرض على القوات المسلحة الالمانية ان لا يتعدى عديدها ال100 الف جندي، وبتقليص خدمة الضباط لسنوات اقل، وتهميش قواتها البحرية، ومنع استخدام الغواصات، والغاء التجنيد الاجباري.

ان العقوبات الاقتصادية على الالمان كانت من القساوة لدرجة انها فاقمت من تدهور احوالهم المعيشية وتعزيز السخط الشعبي لا من الهزيمة العسكرية وحدها، وانما ايضا من خنقهم في مصادر رزقهم والتسبب بمجاعة في ظلال تضخم كبير وبطالة هائلة، فيما الاقتصاد الالماني تحت الركام، بلغت حدتها في عامي 1923 و1924. حتى العالم الاقتصادي البريطاني البارز جون مينارد كينز، وضع كتابا بعد نهاية الحرب العالمية الاولى، تحت عنوان “التوابع الاقتصادية للسلام”، حذر فيه من مخاطر العقوبات الضخمة التي فرضتها “معاهدة فرساي” وتاجيجها المتوقع للاضطرابات والنزاع.

عامل اخر ساهم في بدء الحرب العالمية الثانية هو السياسة التوسعية اليابانية. الامبراطورية كانت في حالة نهوض شاملة وكانت بحاجة الى الكثير من الموارد التي لا تتوفر لديها، وبطبيعة الحال تطلعت الى خارج حدودها فغزت منشوريا في العام 1931 والصين في العام 1937.

ولم تكن اليابان حالة استثنئاية، كل الامبراطوريات والقوى الكبرى في تلك الحقبة، كانت تتصارع وتتنافس على الاسواق والمستعمرات، تماما كفرنسا وبريطانيا والمانيا وايطاليا، والولايات المتحدة في الجهة الاخرى من العالم. وكسيرة التاريخ دوما، فان الموارد، ومحاولة الاستحواذ عليها، كانت دوما احد اهم اسباب الحروب بين البشر.

وهناك عامل اخر لا يقل اهمية لاسباب اشتعال الحرب الكبرى الا وهي الفاشية التي كانت تصعد على انقاض الحرب العالمية الاولى وخرابها، اذ صعدت الى السلطة انظمة فاشية على هتافات الساخطين والمتعصبين. في ايطاليا كما في المانيا واسبانيا. ايطاليا موسوليني سارعت الى غزو اثيوبيا واحتلالها في العام 1935.

وفي المانيا، منح ادولف هتلر والحزب النازي الالمان الامل باستعادة عزتهم الوطنية ومناعتهم الاقتصادية التي سلبت منهم منذ الحرب العالمية الاولى، بخطاب شعبوي جذاب صعد على اخطاء واطماع المنتصرين في الحرب الاولى. الوعود ب “الرايخ الثالث” كان الرد الدموي على عنجهية المنتصرين. وفي العام 1934 اصبح هتلر “الفوهرر”، بشعارات حمل المانيا الى النجوم، وتمزيق مقررات “معاهدة فرساي” لكنه ظل يتحدث عن “السلام” بينما كان يعيد بناء الجبروت العسكري لالمانيا، ثم راح يتوسع، بضم النمسا اولا العام 1938، وعندما وقفت “عصبة الامم” عاجزة عن مواجهته، دخل تشيكوسلوفاكيا العام 1939.  

لقد كان وضع الالمان بموجب “معاهدة فرساي” من السوء بحيث ان حتى الولايات المتحدة حاولت الدفاع باتجاه الغاء دول الحلفاء العقوبات المالية المفروضة على المانيا خلال مؤتمر لوزان العام 1932، لكن الكونغرس الاميركي اسقط المحاولة.  

 وذهب اخرون الى طرح نظرية “الاسترضاء” التي اتبعتها بعض الدول الغربية، واهمها بريطانيا وفرنسا، مع هتلر لتشجيعه على تجنب الاصطدام معها، كاحد اهم اسباب اندلاع الحرب. بعض اصحاب هذه النظرية، هم من دعاة الحرب والمواجهة بطبيعة الحال، لم يعيروا اهتماما كبيرا للقساوة التي مورست على الالمان في ما بعد الحرب العالمية الاولى، وساهمت في تراكم الغضب والنقمة الالمانية ثم في انفجار المارد الالماني الصاعد. يقول هؤلاء ان سياسة “الاسترضاء” جعلت هتلر يعتقد ان بامكانه المضي قدما في بناء جيوشه الجرارة وقضم الدول المجاورة.

ويتفق المؤرخون على ان “الكساد العظيم” الذي اصاب الاقتصاد العالمي في العام 1929 وانهيار “وول ستريت” في الولايات المتحدة، ترك ملايين الناس حول العالم بلا وظائف وادى الى اضطرابات اجتماعية واقتصادية وفوضى حكم كلها ساهمت في تهيئة التربة الخصبة لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

في الذكرى الثمانين للحرب العالمية الثانية هناك ما يجب ان يحثنا على التمعن والتفكير: هل يمكن القول ان الحرب العالمية الثانية كانت حتمية حتى لو ان هتلر لم يكن موجودا، او العكس؟ اي ان الحرب ما كانت لتندلع لولا ظهور هتلر؟

والاجابة على السؤالين ليست سهلة بالتاكيد، ذلك اننا اتفقنا ان هناك مجموعة من العوامل والمؤشرات التي قادت الى الحرب ولم يكن هتلر “المتهم الوحيد” هنا. المتهمون كثر، والجرائم اكبر من ان تحصى، من اقصى الشرق الاسيوي الى اقصى الغرب الاوروبي. وهتلر الصاعد على غضب “العرق الاري” من الالمان المنكسرين والملوعين بمجاعة ما بعد الحرب الاولى، كان لاعبا  في مشهد الحرب الكبرى، فيها من اللاعبين مثله، من تساووا معه فتكا، لكنه، ربما، فاقهم جنونا ودموية.

فهل اتعظت البشرية من هذا الدرس الاعلى كلفة من حياة ابنائها؟ كثيرون سيقولون “لا”.

خليل حرب

http://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/1271.pdf

++++++++++++++++++++++++++

قبل الحرب

قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، حاولت الولايات المتحدة عزل نفسها عن الاحداث العالمية، ولم تكن عضوا في “عصبة الامم”.

في اطار سياسة “الاسترضاء”، وافقت بريطانيا وفرنسا على السماح لهتلر بالسيطرة على جزء من تشيكوسلوفاكيا وفق ما عرف ب”معاهدة ميونيخ”. التشيك اطلقوا على ذلك تسمية “خيانة ميونيخ”.

سيطرت اليابان على كوريا ومنشوريا وعلى جزء كبير من اراضي الصين قبل بداية الحرب العالمية الثانية.

L-R: Winston Churchill, Franklin D. Roosevelt and Josef Stalin with their advisers at Yalta, in the Crimea, where the Allies decided the future of post-Second World War Europe. The agreement was instrumental to the partitioning of Germany and the inception of the United Nations.

وصل الحزب النازي برئاسة ادولف هتلر في المانيا الى الحكم في كانون الثاني العام 1933، والفاشية في ايطاليا في تشرين الاول العام 1922.

عن الحرب

مع اندلاع الحرب انقسم العالم إلى محورين ضم الاول دول الحلفاء، اي بريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي وفرنسا والصين والولايات المتحدة (انتظرت حتى العام 1941 لدخول الحرب)، وعلى الجبهة الاخرى دول المحور وضم المانيا وايطاليا ولاحقا اليابان.

بلغ عدد الجنود المشاركين في الحرب العالمية الثانية اكثر من 70 مليون جندي، وهي الاكبر في تاريخ البشرية واكثرها دموية حيث قتل نحو 60 مليون انسان، وهناك مؤرخون يضعون الحصيلة عند 80 مليون انسان، اذ مات كثيرون لاساب اخرى مرتبطة بالحرب وربما في اماكن بعيدة عن ساحاتها بسبب الامراض والجوع والعنف. اي اننا نتحدث عن نحو 3 في المئة من تعداد سكان الارض في اربعينيات القرن الماضي الذي كان يبلغ 2.3 مليار نسمة.

نهاية الحرب

انتهت الحرب باستسلام اليابان في الثاني من ايلول العام 1945، بعد ضربها بقنبلتين نوويتين من جانب الولايات المتحدة.

سبقتها في الاستسلام المانيا في 8 ايار 1945، لتنتهي الحرب في جانبها الدائر على اراضي القارة الاوروبية.

 لكن اللغط حول التاريخ الرسمي لنهاية الحرب مرده ان اليابان قبلت بهدنة في 14 اب 1945 بعد ضربها بالقنبلتين النوويتين. لكنها، استسلمت رسميا في 2 ايلول من العام نفسه.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".