ينقذنا الفن من البحث عن عنوان لقاء بين الناس، حين تزداد زواريب “العنصرية”، فيروز والرحابنة ونصري ووديع وغيرهم، امتلكوا قدرة تطويع “جغرافية الصوت” ليتجاوزوا المكان ويزرعوا الموسيقى والكلمات في وجدان الانسان.
الحاجة لهذه المساحة، هرباَ من طوفان الحقد، ضرورة في المرحلة الراهنة، كون الاعلام يلعب دورا سلبيًا في كلا الجبهتين، العنصرية والتآخي. يكفي رفع لافتة واحدة وحدث معين مرتبط بعنوان “السوري” لتظهر عدسات معظم وسائل الاعلام لتلقي الضوء بالنقل المباشر لجذب الكره الاكبر، في حين تأتي عدسة كاميرة واحدة بشكل خجول لتحكي قصة نجاح وبناء علاقة سليمة بين الشعبين وتكتفي بخبر في نهاية النشرة.
المؤكد أن المشكلة لا تحلها أغنية ولا قصائد، لكن نحن بحاجة لصوت يملك طبقات استثنائية فوق العادة مثل حنجرة فيروز، الخوف من خسارة القاعدة الشعبية للتيارات السياسية إن رفعت صوتها هو أمر مضحك ومحزن، فالذي يهدد بهذا الامر يدرك تماما أنه يلعب على الوتر الطائفي حتى يبقى ممسكا الارض، الخوف على الهوية هاجس مستمر ودليل على عدم اكتمال الهوية وفهمها. تنقية الذاكرة الجماعية من تراكمات الاحداث التاريخية، هي ليست تجاوزا وعدم اعتراف، وإنما هي عملية تفهم الآخر والأسباب التي أوصلته لهذه المرحلة، هي عملية تساعد كل جماعة لتفهم ذاتها بالدرجة الاولى من خلال توسعها في معرفة الآخر، حينها قد ندرك جميعا الاسباب والنتائج، وربما نتعلم منها.
جميع شعوب العالم تقع في فخ العنصرية، حين يصل إليها “غريب”، وتربط مشاكلها بهم كازدياد الجرائم وغلاء الاسعار والتغيير الديمغرافي، مثل تعامل فرنسا مع الافريقيين نتيجة بشرتهم السوداء، ليصبحوا فيما بعد جزء من المنتخب الوطني الفرنسي، وكما حصل في سوريا حين اتهم العراقيون بانهم احد اسباب زيادة اسعار العقارات في منطقة جرمانا في ريف دمشق. فالامر يحدث بشكل طبيعي، القدرة على التعامل مع الواقع هو الذي يحدد الفرق بين الدول، فإدارة الدولة للتنوع الاجتماعي، الاساسي (المواطنين) أو الطارئ (النازحين)، يعبر عن قدرة السلطة على منع وصول تصادم بين الفئات السكانية، وحتى في بعض الحالات مثل لبنان في منع التوطين الفلسطيني أو الحديث عن توطين اللاجئين السوريين.
لدى كل دول العالم قانون للعمال الاجانب، ومن ضمنه عقوبات على المخالفين، هل يستطيع أن يعمل شخص في الامارات العربية المتحدة من دون نظام الكفالة؟، ومثله في كافة الدول، فالعبرة ليست في التنفيذ، وإنما في الخلفية والمبرر، والاهم هو الاسلوب الاعلامي في طرح الموضوع، فان كانت الحالة على وجه حق، يتم استغلالها لتصويرها بطريقة عنصرية، حينها تفرغ المسألة من وجهها القانوني إن كان فيه حق، وتصبح مجرد جدل اعلامي لا فائدة منه.
ما الحل؟ هو الوقت وادارة الزمن. نحن شعوب تتقن إضاعة الوقت في حياتها اليومية، فكيف على مستوى الوجود، الحل أن لا نخسر الوقت للقدرة على التواصل. في حرب تموز 2006 كان الزمن 33 يوما، ايام من النزوح الجنوبي اللبناني نحو الشمال، ما حدث هو كسر الحواجز الوهمية بين المناطق والفئات الاجتماعية، الاستفادة من عامل الوقت لخلق مساحة لقاء. نحن نخسر نوعية الزمن المبني على الحياة السليمة، بسبب تحكم تجار السياسة بالزمن لمصالحهم فقط.
للوصول إلى الحل، علينا أن نفكر بسؤال المستقبل، عن الحياة معا، في “جوار بلادي”. علينا مواجهة الوقت، فالنازح الفلسطيني لا وقت لديه معروف كيف سيعود، السوري لا زمن واضح “لمباركة” الدول لعودته لدياره، اللبناني منذ الاستقلال يرتبط الحل في وقت لاحق من الانتخابات المقبلة والحكومة المقبلة والرئيس المقبل، المشترك في الوقت بين شعوبنا هو شعار “الصبر مفتاح الفرج”، شعوب اصبحت لا تملك من بيوتها إلى مفاتيحها.
الماضي ليس ملكنا، المستقبل قد يكون لنسبة معينة ملكنا، هو ملك الناس جميعا، لا وصفة جاهزة ونهائية وإنما القدرة الابداعية على ابتكار الحلول موجودة ودائمة، الوقت المناسب هو ليس غدا، وإنما اليوم. البداية من رفع الصوت في مواجهة كل اشكال التفرقة والتشويه والتهميش، المطالبة بتطبيق القانون على كافة انسان، مواطن ومقيم، لبناني وعربي واجنبي، في التوازي نقف في مواجهة المؤسسات الاعلامية والتيارات المتطرفة في عنصريتها. نحن بحاجة لعلماء نفس واجتماع، لباحثين اقتصاديين واعلاميين، ليمسكوا توقيت الزمن نحو مستقبل لنا القدرة على تخيله بالقدرة على الحياة معا.
وسام عبدالله