دمشق – وسام عبدالله
عادت الحركة مجددا أمام مبنى سفارة الامارات في دمشق، بعد إعلان إعادة افتتاحها، في شارع تبدلت فيه الاحوال، من شاهد على وقفات احتجاجية ضد المواقف الرسمية لحكومة أبو ظبي، إلى شاهد على تجمع وسائل الاعلام لتوثيق رفع علم الامارات بشكل رسمي. وبين الزمنين، سبع سنوات من العبور المؤلم في العلاقات بين البلدين.
شكلت السفارات العربية والغربية وجهة أساسية للتحركات الشعبية في دمشق بين عامي 2011 – 2012، فكانت المرحلة الثانية التي يتجه إليها المشاركون فيها، بعد أن يلتقوا في التجمعات الرئيسية في الساحات العامة. كانت المباني خالية من كل شيء، تشبه العلاقات الرسمية مع الدولة السورية، انقطاع تام للتواصل مع المؤسسات الحكومية والمواطنين.
أعلنت سفارات الدول سحب ممثليها الدبلوماسيين من دمشق، فكانت بداية المواجهة المفتوحة بين الدولة السورية ودول عديدة في شرق الارض وغربها، وترافق هذا الاغلاق مع تصريحات صادرة عن تلك الدول بضرورة تغيير النظام السوري وتنحي الرئيس بشار الاسد، ليتبع ذلك استبعاد الحكومة السورية من جامعة الدول العربية. شكلت حينها هذه المواقف، لدى الكثير من فئات المجتمع حالة رفض للحالة الرسمية العربية، وكان يعبر عن هذا الرفض بالاحتجاجات المتنقلة أمام أبواب السفارات والتوجه بعبارات مناهضة لحكومتها، مع محاولات اقتحام وكتابة على الجدران ورمي النوافذ بالحجارة، وكان لكل سفارة مصطلحاتها الخاصة، فأمام السفارة التركية كانت شعارات تؤكد على سورية لواء الاسكندرون، وأمام السفارة القطرية التوجه باتهام أمير قطر بالخيانة. يومها لم يكن المحتجون على علم بالمستقبل، إلى أين يمكن أن تتجه العلاقات ومدى تدهورها، وما هو الزمن الذي سوف يعودون فيه إلى هذا الشارع والسفارة الامارتية وغيرها تستعيد نشاطها.
مع دخول العاصمة دمشق في دوامة العنف والمواجهة العسكرية، توقفت التحركات على أبواب السفارات، ولكن ظل الموقف يعبر عنه على وسائل الاعلام الرسمية والعربية المؤيدة للدولة السورية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة مع ظهور تقارير تشير إلى دعم بعض الدول الخليجية بالمال والسلاح للمجموعات المسلحة، لتصبح هذه الدول بالنسبة للكثير من السوريين، جزء أساسيا من دمار بلادهم والامها.
اليوم أعلنت وزارتا الخارجية السورية والاماراتية إعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وهو ما لم يشكل مفاجئة مع الحديث منذ أشهر عن إمكانية فتح السفارات في العاصمة دمشق. الحدث على المستوى السياسي له فعله، وعلى المستوى الشعبي له فعله أيضا.
خلال السنوات السابقة، تكوّنت حالة رفض متطرفة في بعض الاحيان اتجاه مواقف الدول العربية، إلى حد اعتبارها قطيعة نهائية مع الحكومات العربية لا يجب العودة عنها. في هذه السنوات كان هناك حرص من الدولة السورية وبشكل خاص، من وزارتي الخارجية والاعلام، على التوجه بالانتقاد بشكل أساسي وحصري للحكومات العربية دون الشعوب، حتى أنها كانت تقابل هذه البيانات، بالاعتراض من سوريين رافضين لمواقف تلك الدول. مع إعلان العودة التدريجية للعلاقات مع مختلف الدول التي كانت على عداء مباشر مع القيادة السورية، تعود بشكل تدريجي إعادة قراءة للآراء والمواقف، التي كانت مناهضة لمواقف الدول، فأن تشكل حالة رفض، ” هي حريتك يا حمد ” و ” يسقط آل سعود “، فهي عبارات ومواقف طبيعية من الناس، الذي من غير المطلوب منهم أن يتخذوا مواقف ومصطلحات تشبه البيانات الرسمية التي لها حساباتها وتقديراتها الخاصة. ومن الطبيعي أن تبقى الجراح والالام موجودة لسنين عديدة، ولكن هناك آراء ظهرت خلال الساعات التي تلت فتح السفارة الاماراتية لدى العديد من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي في القبول بعودة العلاقات مع كافة الدول، فلا يمكن أن يستمر العداء إلى ما لا نهاية بحسب رأيهم، وهو ما اعتبره البعض انتصارا للدولة السورية، بعد أن كان هدف إغلاق السفارات هو إعادة فتحها لنظام سياسي مختلف عن الموجود حاليا. ربما الحدث هو اكثر قسوة على من كانت مواقفه مؤيدة لهذه الدول، معتقدا أنها ستأخذه وتحميه في حلف استراتيجي، ليظهر أنها تخلت عنه عندما تغيرت حسابات الميدان العسكري والعلاقات الاقليمية والدولية.
يبقى الرهان على كيفية إعادة بناء هذه العلاقات، فالاكيد أن شهية شركات إعادة الاعمار الخليجية مفتوحة للدخول في السوق السورية، لكن الامر ليس سوء تفاهم في العلاقات بين بلدين، فالحدث له أبعاده الشعبية أيضا. هل ستكون عودة العلاقات مع كافة الدول بشكل يحافظ بقدر الإمكان على مشاعر الكثير من الشعب السوري؟. الامر مرتبط بالأيام المقبلة، مع ظهور آراء تعبر عن عدم اهتمامها بشكل كبير بهذه العلاقات، فالهم الاساسي هو مشاكلهم الداخلية وحلها لإعادة ترميم الثقة في المجتمع السوري.