الرئيسية » العالم والخليج » ترامب : لا نصر..ولا هزيمة

ترامب : لا نصر..ولا هزيمة

 

شكلت انتخابات السادس من تشرين الثاني 2018، منعطفا في المسار السياسي للرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي كان شبه مطلق اليدين في العامين الماضيين من خلال السيطرة على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ. ما استجد بعد الانتخابات النصفية، خلق واقعا مقيدا امام ترامب مع بداية العام 2019، سيدفعه اذا احسن اللعب سياسيا، للمراهنة على “التوافق بين الحزبين”، الديمقراطي والجمهوري، لمنع سقوط الحكم في الشلل.

 

++++++++++++++++++++++++++

 

 

لم يكن سهلا على ترامب في اليوم التالي لعملية الاقتراع، الاقرار باي هزيمة في الانتخابات التي طالت 435 عضوا في مجلس النواب و35 عضوا من اصل مئة في مجلس الشيوخ، و36 من حكام الولايات من اصل 50، على الرغم من ان الديمقراطيين اعادوا سيطرتهم على مجلس النواب للمرة الاولى منذ ثمانية اعوام.

هذه “الصفعة” الديمقراطية في مجلس النواب، قابلها انجاز للجمهوريين الذين “تحدوا التاريخ” بحسب تعبير ترامب نفسه، بتمكنهم من الاحتفاظ بالغالبية في مجلس الشيوخ، اذ جرت العادة في تاريخ العمل السياسي الاميركي، ان تتراجع حصة الحزب الحاكم في البيت الابيض خلال الانتخابات النصفية.

بهذا المعنى، يكون الجمهوريون وترامب قد حققوا انتصارا معنويا، لكنهم في الوقت ذاته لم يقعوا في شر الهزيمة الكاملة. وكتب ايد روجرز في صحيفة “واشنطن بوست” ان الديمقراطيين فازوا في مجلس النواب، لكن ترامب فاز في الانتخابات.

اذن، ترامب بين نصفي “هزيمة” و”نصر”، وهي حالة لم تعد تتيح له الحركة بحرية نسبية مثلما فعل خلال العامين الماضيين.

الرئيس الاميركي الملياردير كان خاض الانتخابات على مبدا انها استفتاء على شخصه وسياساته، ولم ينل ما كان يامله. الديمقراطيون في المقابل، خاضوها على امل ان تكون بمثابة تفويض لهم للجم ترامب، ولا يبدو ان امنيتهم ستتحقق كاملة.

صحيح ان ترامب مضطر الان الى الاستماع لخصومه الديمقراطيين ليتمكن من الاستمرار في ادارة البلاد، الا ان الديمقراطيين، مضطرون من جهتهم الى البحث عن خيوط للتلاقي، اخذين بالاعتبار انهم مقبلون على انتخابات العام 2020 (التي تتضمن انتخاب رئيس) ما يعني انهم بحاجة الى تسجيل انجازات واضحة، والى عدم الظهور امام الناخبين الاميركيين بمظهر المعرقلين لكل ما طرح امامهم من مشاريع قوانين وخطط اصلاح وتطوير.

ولهذا، فان سيف الهزيمة والنصر والملتبس هذا بين ايدي الجمهوريين والديمقراطيين في الانتخابات النصفية، يعني ان ادوات الحكم المطلق غير متوفرة، وان النزعة الانفرادية التي اظهرها ترامب خلال العامين 2016 و2017، لم تعد صالحة الان.

“العمل معا”، شعار اطلقه ترامب ما ان ظهرت نتائج يوم الاقتراع، وكانه يلوح بغصن الزيتون، ويضيف على ذلك اشادة استثنائية، ليست من طباعه عادة، بزعيمة خصومه الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي قائلا “نامل أن نتمكن من ان نعمل معا العام المقبل، للاستمرار في تحقيق نتائج جيدة للشعب الاميركي، على أن تشمل النمو الاقتصادي والبنية التحتية والتجارة وخفض كلفة الادوية”.

سبق هذه الإشادة بيوم غزل سياسي عبر “تويتر” اذ غرد ترامب قائلا “بكل انصاف، تستحق نانسي بيلوسي ان يختارها الديمقراطيون رئيسة للمجلس. إذا جعلوها تواجه وقتا عصيبا فربما نضيف لها بعض أصوات الجمهوريين. لقد نالت هذا الشرف العظيم”.

دماثة الرئيس الاميركي غير المعتادة تشير الى ان ترامب يحاول التواضع قليلا ملتزما حدود سلطته او الاعتراف بحقائق الواقع السياسي الجديد. ربما. لكن اللافت ان يلاقيه الديمقراطيون من جهتهم وانما بحذر شديد، ذلك ان لائحة ذنوب الرئيس الاميركي التي بحوزتهم طويلة.

وليست قضية الجدار الحدودي مع المكسيك وحدها التي وترت العلاقات بين ترامب والديمقراطيين في العامين الاولين من رئاسته. ولان ما قبل الانتخابات النصفية، ليس كما بعدها، حرص ترامب على التشديد على “القواسم المشتركة” التي تجمع بين الجمهوريين والديمقراطيين لمعالجة قضايا مثل الرعاية الصحية والهجرة وحق السلاح والتخفيضات الضريبية للاغنياء والحروب التجارية التي يخوضها مع عدد من الدول من الخصوم والحلفاء.

ويرجح محللون اميركيون ان يسعى الديمقراطيون والجمهوريون الى البحث عن نقاط التلاقي حول هذه الملفات، برغم صعوبة تصور امكانية استعداد الحزب الديمقراطي للتخلي عن مشروع “اوباماكير” الصحي الذي كان نتاج عمل دؤوب لادارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما.

لكن الحقيقة الثابتة امام الديمقراطيين ان انتخابات الرئاسة قادمة بعد عامين، وهم يعدون العدة لمنع فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية من اريع سنوات، ما يطرح تساؤلات عن المدى الذي سيذهبون اليه في التعاون مع الادارة الجمهورية الحالية، ما قد يصب في رصيدها الانتخابي، او في الصدام معها، ما قد ينذر بوقوع الشلل العام.

ولعل الاختبار الاكثر اهمية سيكون الحد الذي سيصلون اليه في التحقيقات التي تلاحق ترامب حول تهربه من الضرائب والعلاقة مع روسيا. ولانه لا يريد ان يخرج على الاميركيين بمظهر المنكسر سياسيا، هدد غداة الانتخابات انه سيواجه التحقيقات التي يحركها الديمقراطيون ضده، بتحقيقات من جانبه في قضية التسريبات لمعلومات سرية يتهمهم بها، قائلا “شخصان بامكانهما لعب تلك اللعبة!”.

ولانه يدرك خطورة الموقف واحتمال ان يذهب الديمقراطيون بعيدا في ملاحقته، فقد اجبر وزير العدل الاميركي جيف سيشنز على الاستقالة بعدما انتقده الرئيس الاميركي مرارا قبل الانتخابات بسبب مواقفه من تحقيقات روبرت مولر حول التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الاميركية قبل عامين.

ويتخوف الديمقراطيون الان ان تكون اقالة سيشنز وهو كان من اوائل الداعمين لترشيح ترامب للرئاسة، مقدمة لاجهاض تحقيقات التدخل الروسي خصوصا ان خليفة سيشنز المؤقت، ماثيو وايتيكر، جاهر مرارا باعتراضاته على عمل المحقق مولر، ورغبته بان تعرقل وزارة العدل هذه التحقيقات.

لكن اقدام ترامب على تحريك ملف تحقيقات التدخل الروسي باقالة سيشنز، بهذه السرعة بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، يشير بلا شك الى مخاوفه الحقيقية والاكثر قلقا، من ان يمضي الحزب الديمقراطي نحو معركة محتملة لاقالته، او تشويهه لتدميره سياسيا قبل انتخابات 2020، على الرغم من ادراكه ان تحركات كهذه ستصطدم حتما بجدار مجلس الشيوخ المسيطر عليه جمهوريا.

وفي موازاة ذلك، فان انكشاف أي تدخل من البيت الابيض لعرقلة تحقيقات مولر، سيكون بمثابة انتحار سياسي صريح.

ان هذه المفارقة التي وجد ترامب نفسه فيها بعد الانتخابات النصفية، هي التي قد تدفعه الى رفع لواء المصالحات لتجنب عرقلة الديمقراطيين اجندته التشريعية، ذلك ان ما هو خلاف ذلك، اي الصدام الشامل، سيفاقم الشروخ  في الجسد السياسي الأميركي، والتي عبث بها ترامب نفسه منذ ان اصبح دخيلا على السياسة.. والحكم.

 

 

خليل حرب

http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/63-1/14.pdf

 

 

 

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".