من الحقائق المُلاحظة أن التطرف ظاهرة إنسانية طبيعية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات صغر أو كبر. بل إن التطرف هو أحد أقسام التوزيع الطبيعي للفكر الاجتماعي، normal distripution في كل شي. فالتطرف موجود في جميع الأديان والثقافات والشعوب، ولكنه قد يختفي أحيانا عن التأثير العام.
ويظهر التطرف بقوة كعامل مؤثر، غالبا في حالتين: الأولى، عندما تكون بنية مجتمعه الفكرية مساعدة ومحفزة لظهور التطرف، كالمجتمع الإسلامي. والحال الثانية، أن يظهر كرد فعل مماثل ومعاكس لتطرف ديني عدائي، كظهور تطرف في مجتمعات الأديان الأخرى كرد مواجهة للتطرف الإسلامي.
فاعتقاد كثير من المسلمين بأن الإسلام بديل للحضارة الحديثة، مع حلمهم بالخلافة الإسلامية، مع مفاخر الجهاد التي يتزود منها المسلمون في تغذية أمجادهم ومفاخر تاريخهم، جعلت من دعوى الإسلام مطية سهلة اليوم لكل انتهازي ومتطرف. ولذا فإنه عادة ما يتلقى المسلمون غالبا، كل حركة إسلامية او حزب سياسي إسلامي جديد، بالترحيب والتشجيع.
ومن أجل هذا فخطر خروج التطرف اليوم أقوى في المسلمين من غيرهم، لكون كثير من المسلمين يعيشون هذا الحلم الثلاثي في حياتهم اليوم دون غيرهم من الشعوب.
والمسلمون في هذا ليس ببدع من الأمم. فكون الدين أن يصبح هو مبعث كراهية بعض المسلمين لغيرهم -في هذا العصر-، أو أن يُجعل هو المطية التي يركبونها لتحقيق أهدافهم ومصالحهم السياسية العامة أو الخاصة، لا يعني عدم وجود الشيء مثله في الأديان الأخرى، كما حدث في بلاد البلقان.
ولكن الغالب اليوم، هو أننا نجد أن هذه الكراهية الظالمة أو الدموية تنبعث عندما تُستخرج كردة فعل مضادة لكراهية دينية مقابلة. وهذا شواهده كثيرة في النزاعات العرقية في البلاد والتي تُلبس بلباس الدين، وكذلك في بعض ردات الفعل في اميركا وأوروبا بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر. لذا، فإذا توقف هؤلاء البعض من المسلمين المتطرفين عن بعث الكراهية الدينية، فلن يكون هناك سببا لبعثها من الأطراف الأخرى.
وقد نتساءل: لماذا انفرد بعض المسلمين عن النصارى والأديان الأخرى، في الاستمرار بتبني طريقة العهد القديم في تبني فكر أخلاق الحرب المقدسة ؟
السبب كما أعتقده، أن المسلمين، وقد كانوا من أعظم الأمم، مازالوا في حالة إنكار وعدم تقبل لواقعهم المتخلف اليوم علميا واقتصاديا. فلما لم يجدوا ما يفاخرون به الأمم، قاموا ففاخروا الأمم الأخرى بالإسلام، لكونه هو ما بقي عند المسلمين من عز وشرف أمام مواجهتهم لغيرهم من الأمم. ومن أجل هذا فلن يقبل المسلمون بأي مفهوم من شأنه أن ينصف غير المسلمين فيخسروا بذلك ما يريحهم نفسيا، ويسليهم بأنه يميزهم عن الدول المتأخرة، ويرفعهم إلى مستوى العالم المتقدم.
حمزة السالم
في صحيفة “الجزيرة” السعودية
http://www.al-jazirah.com/2018/20180913/lp8.htm