حرب مع ايران لا يريدها جيمس ماتيس ويريدها بولتون

 

فيما يبتعد وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس عن الدائرة الداخلية المحيطة بالرئيس دونالد ترامب، فان مهمته تصبح اكثر وضوحا : منع الحرب مع ايران، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الاميركية : 

 

صحيح أن ماتيس طمأن مجلس الشيوخ في أيار/ايار الماضي أن الجيش مستعد للحرب مع إيران،، غداة اعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي الايراني، لكن هذا لا يعني أن كبار القادة العسكريين الاميركيين، بمن فيهم ماتيس نفسه، يريدون ذلك، فالمسألة ان الاستعداد لحرب، لا يشبه الرغبة في الحرب فعليا.

 

المسؤولون المدنيون في إدارة ترامب، الذين يستمع اليهم الرئيس، مسألة أخرى.  الدليل الاوضح على ذلك مستشار الامن القومي الجديد جون بولتون الذي جادل منذ فترة طويلة بأن الطريقة الوحيدة لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي هي فرض تغيير النظام في ايران من خلال قصفها.  وهو ليس وحيدا في ايمانه بذلك. فقد قام بولتون بالتخلص من من المستشارين الاكثر اعتدالا داخل مجلس الامن القومي لصالح متشددين من دعاة التدخل الذين من بينهم فريد فليتز، محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية وموظف سابق لدى “مركز فرانك جافني للسياسة الامنية” المتشدد المعادي للمسلمين.  يعتبر فليتز أن أي شيء آخر غير اعتماد “خطة بولتون”، بإلغاء الاتفاق الايراني والعمل من أجل تغيير النظام، يفتقر إلى “الوضوح الاخلاقي”.

بولتون يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، كما فعل في مقالة في “نيويورك تايمز” في العام 2015 بعنوان “لوقف قنبلة إيران.. اقصف إيران”، حيث حث الولايات المتحدة على مواجهة عسكرية مع طهران، معتبرا “الحقيقة المزعجة هي أن العمل العسكري فقط يمكنه أن يحقق ما هو مطلوب، مثل هجوم اسرائيل في العام 1981 على مفاعل صدام حسين في العراق أو تدميرها لمفاعل سوريا في 2007 الذي شيدته كوريا الشمالية، الوقت قصير للغاية، لكن الضربة ما يزال بإمكانها أن تنجح”.

لكن ماتيس على النقيض من ذلك، يرى الاشياء بمنظور الشخص المسؤول عن تنفيذ الضربة. هذا لا يعني أن ماتيس يتوافق مع قيادة إيران، فهو مثل العديد من المارينز الاخرين الذين يحملون ضغينة معادية لايران تعود إلى تفجير ثكنات المارينز في بيروت في تشرين الاول/اكتوبر من العام 1983، والذي خططت له طهران ودعمته وراح ضحيته 241 اميركيا.

وعندما طلب من ماتيس خلال سنوات باراك أوباما، تسمية التهديدات الثلاثة الاكبر للامن االاميركي، قدم إجابة قصيرة ولكن واضحة: “إيران وإيران وإيران”، كما لم يتوقف عن دعوة إيران بأنها “قوة خبيثة”.

 

لكن إدانة إيران والدفع إلى حرب معها هما شيئان مختلفان.

في العام 2011، عندما كان ماتيس يتولى رئاسة القيادة المركزية الاميركية، جلس بصمت أثناء مشاهدة عرض “باور بوينت” لاحاطة مفصلة عن الكيفية التي خططت بها البحرية الاميركية لضرب إيران. وبعد انتهاء العرض عبر لاحد مساعديه عن عدم اقتناعه بالخطة، وأمر باجراء تقييم جديد. وقد ازداد قلق ماتيس في السنوات الاخيرة ، بحسب مسؤولين عسكريين بارزين، خاصة منذ أن أصبح وزيرا للدفاع ومنذ تعيين بولتون، الذي تزامن وصوله إلى البيت الابيض مع تهميش ماتيس في عملية صنع القرار للامن القومي لدى إدارة ترامب.

وعلى الرغم من أن ماتيس سيحب مواجهة “التأثير الخبيث” لايران، لكن مخاوفه بشأن الحرب ترتكز على تقييم وزارة الدفاع الاخير حول وضع ايران العسكري وكذلك تقييمه الشخصي. ووفقا لتقرير معهد “راند” لابحاث القوات المسلحة لشهر كانون الاول/ديسمبر 2017 ، فإن مواجهة كبيرة مع إيران تتطلب من واشنطن نشر 21 من اسراب القوات الجوية، و5 أسراب قاذفة ثقيلة، و6 أسراب مقاتلة من سلاح مشاة البحرية، و18 غواصة هجومية، و4 حاملات للطائرات، ومجموعة من المركبات الذكية والمراقبة والاستطلاع، و6 كتائب مشاة بحرية، و3 فرق قتالية من فرق لواء الجيش، وحشد من قوات العمليات الخاصة، بالاضافة الى مجموعة من الطائرات بدون طيار والاقمار الصناعية والطرادات والسفن المضادة للالغام، وسفن الامداد وطائرات التزود بالوقود، وبطاريات صواريخ أرض – جو.

وبمعنى آخر، تتطلب الحرب مع إيران من سلاح الجو الاميركي (على سبيل المثال) أن ينشر اجمالا ما يقرب من نصف أسرابه المقاتلة (التي يبلغ عددها 55 ) من أجل نزاع واحد. وبامكانها القيام بذلك، ولكن بصعوبة.

وقال أحد ضباط القوات الجوية المتقاعدين “لقد كنا في الجو وفي القتال منذ العام 1993 .. الترهل والانهاك الذي أصابنا، كان هائلا”.  ما يقرب من 30 في المئة من طائرات سلاح الجو ليست قادرة على أداء المهمات، كما تعاني من نقص في الطيارين المتمرسين بنحو الفي  شخص، وقد تدهورت قدرات اطقم الصيانة. وما ينطبق على القوة الجوية ينطبق على القوات الاخرى. وفي العام 2016 ، اعترف نائب رئيس أركان الجيش دانييل آلين بأن ثلث قوته فقط تحظى “بمستويات مقبولة من الاستعداد”.  وفي كانون الثاني/ديسمبر من هذا العام، أعربت مجموعة بارزة من ضباط البحرية عن مخاوفهم أثناء رسم سيناريوهات استراتيجية تابعة لصالح مؤسسة “أميركان إنتربرايز”، قائلين إن “الجمع بين الالتزامات المستمرة وتناقص الموارد ربما يكون قد ترك الاسطول البحري صغيرا جدا وقديما للغاية، ومنهكا جدا لتنفيذ متطلبات مهمته”.

وفي العام 2016 ، اشار الجنرال جون باكستون أن نصف وحدات مشاة البحرية الاميركية كانت “تعاني من درجة معينة من العجز في الافراد أو المعدات أو التدريب”.

على الرغم من هذا، فليس هناك شك في أنه في حالة حدوث أزمة؛ مثل استئناف إيران لبرنامجها النووي على سبيل المثال فإن الولايات المتحدة لن تواجه مشكلة تذكر في تدمير القدرات العسكرية للجمهورية الاسلامية. ووفق خبير الامن القومي في كلية باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية في جامعة كنتاكي روبرت فارلي فإنه “لا شك في أن الولايات المتحدة يمكنها تدمير البنية التحتية العسكرية والنووية لايران، حيث ستتعرض قوتها البحرية والقوات الجوية لاضرار بالغة، على الرغم من دفاعاتهم الجوية، وبينما قد لا تكون واشنطن قادرة على تدمير قدرات الصواريخ الباليستية بشكل كامل، فإنه يمكن تحجميها بشكل كبير”.

لكن القلق بالنسبة لمخططي الحرب العسكريين الكبار هو أن نهاية الحملة الاميركية لن تمثل نهاية الحرب، بل بدايتها.

وجادل الجنرال المتقاعد في الجيش جيمس دوبيك، وهو زميل بارز في معهد دراسات الحرب وأستاذ سابق في برنامج الدراسات الامنية في جامعة جورجتاون قائلا بأن الصراع مع إيران لن يقتصر على الهجوم الاميركي، أو رد إيران الفوري، وإن طهران لن تستسلم، مضيفا “القاعدة لم تستسلم، طالبان لم تستسلم، الاعداء لا يستسلمون، ولن يؤدي هذا النوع من الحملة الجوية التي يتصورها المخططون العسكريون الاميركيون بالضرورة إلى انهيار حكومة طهران”.

وهي الفكرة التي أيدها فارلي، قائلا “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن حرباً على النمط العراقي ستؤدي إلى تغيير النظام في إيران”، وهكذا ففي حين أن الجيش الايراني سوف يدمر بالهجوم الاميركي، لكن حملة كهذه لن تؤدي الا إلى تعزيز الصراع وتوسيعه. ومن المحتمل أن يكون تشكيل وتنفيذ “استراتيجية خروج” بعد الهجوم أصعب مهمة ستواجهها واشنطن. وفي حين أن غارة جوية كاسحة قد تنهي الحرب بالنسبة لاميركا، فإنها لن تنهيها بالنسبة لايران، حيث تمنحها قدراتها غير التقليدية أفضلية، ومن المرجح أن تستخدم الاغتيالات والهجمات ( من قبل حزب الله ضد إسرائيل) وغيرها من الخيارات على مدى فترة طويلة من الزمن.

بعد انفجار شاحنة إرهابية في أبراج الخبر في السعودية في حزيران/يونيو العام 1996 ، والتي قتل فيها 19  من أفراد سلاح الجو الاميركي وسعودي واحد، اجتمع فريق من المخططين الحربيين الاميركيين للتخطيط لحملة جوية واسعة النطاق تستهدف البنية التحتية العسكرية لايران. وبعد أسابيع قليلة من ذلك، أشار سلاح الجو إلى أنه ربما لا يستطيع ببساطة القيام بهذه المهمة، وهو تشكيك لا يزال مطروحا إلى اليوم.

في وقت سابق من هذا العام، انتشرت شائعات بين مراسلي الدفاع عن أن ترامب قد وضع أمر تقييد معلوماتي على البنتاغون، ووجه الجيش لابقاء وجهات نظرهم حول قضايا الاستعداد ونقص الجاهزية لانفسهم.

في الحقيقة، فإن القلق من أي صراع مستقبلي يذهب إلى أعمق من ذلك بكثير، ويقول ضابط عسكري رفيع المستوى: “القلق الكامن في أنه بعد 17 عاما من اغراق الشرق الاوسط بالجثث، فإن الولايات المتحدة ليست أقرب إلى النصر على الارهاب الان أكثر مما كان عليه في 12 سبتمبر/ايلول”.

هذا يعزز الشكوك العسكرية بشأن الذهاب إلى الحرب مع إيران، والاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستضيف المزيد إلى أكوام الجثث ليس الا. وبالنسبة إلى ماتيس وأقرب مستشاريه، فإن رؤية بولتون المستعرضة للعضلات بأن الملالي في طهران سيمشون كالمجرمين أمام وسائل الاعلام لكي تلتقط لهم الصور، كما وعد مرة، لهي ضرب من الخيال.

يعتقد ماتيس أن التدهور المستمر في جاهزية القوة يمكن أن يعني أن الجيش الاميركي يمكنه أن يخسر الحرب القادمة التي يُدعى إليها.  ويقول ضابط عسكري بارز تحدثت معه “فورين بوليسي” مستنكراً: “نخسر؟! نحن لن نخسر بأي شكل”. لكنه تردد لاحقا وقال “ولكنك تعلم أننا قد لا نفوز أيضاً.. واذا فكرنا بذلك، فربما هذا نفس الشيء”.