الرئيسية » العالم والخليج » الرياضة والسياسة: متى يكون الشيطان ثالثهما؟

الرياضة والسياسة: متى يكون الشيطان ثالثهما؟

 

افتتاح فعاليات كاس العالم لكرة القدم في روسيا في 14 حزيران الحالي، مناسبة جديدة، لرصد الجدل المتجدد منذ قرون حول العلاقة بين الرياضة والسياسة، وايهما تخدم الاخرى، ومدى جواز ذلك، اخلاقيا. لكنها ايضا مناسبة للتاكيد على ان السياسة كثيرا ما شوهت الرياضة، بما يفترض ان يكون فيها من نبل، محبة واخلاق.

 

++++++++++++++++++++++++++++

 

لا يوجد تاريخ محدد لبداية الرياضة المنظمة، ذلك انها تطورت تدريجيا مع تطور الانسان وحياته وانتظام مجتمعاته، لكن المؤرخين يكادون يجمعون على ان الرياضة بالشكل الاولمبي، بدات تتخذ شكلا تنظيميا متعارفا عليه خلال عصور الاغريق، على الرغم من انهم يقرون بان النشاطات الرياضية بدات في تجمعات بشرية مختلفة قبل ذلك بمئات السنين.

فمن اجل ارضاء الاله زيوس، وباسمه، وبالتالي باسم ملوك الاغريق الحاكمين، نظمت مجموعة من الرياضات التي كانت تتضمن الملاكمة وسباق العربات وسباق الخيل ورمي الرمح ورمي القرص والقفز وسباق الجري والمصارعة.

وجرى ذلك التنظيم في منطقة جبل اولمبيا، في اليونان القديمة، خلال عهد الحاكم بيستراتيس، حوالى 600 سنة قبل الميلاد. وبطبيعة الحال، كانت هذه الرياضات تنفذ بأوامر من الملك، لاسعاد الالهة وارضائها.

لكنها ايضا كانت تنظم لصالح الملك نفسه. وهنا مكمن الجدل التاريخي حول الرياضة والسياسة. كثيرون يقولون ان الرياضة اذا سخرت لصالح الملك، تخرج من مبادئها واخلاقياتها، اذا انه بالاضافة الى اعدادها لمجتمعات سليمة ومؤهلة جسديا وصحيا، يفترض بها ان تساهم في تقارب الناس والمجتمعات والدول. لكن التجارب اظهرت ايضا ان ملوك الاغريق ومن بعدهم الرومان، وصولا الى عصرنا الحديث، استغلوا الرياضات المتنوعة بطرق ميكيافيلية، من بينها الهاء شعوبهم، واضفاء العظمة على حكمهم، وابراز قوة الملك والحاكم، واحيانا كثيرة لكسر هيبة خصومهم او اعدائهم.

في اليونان القديمة على سبيل المثال، كان الفائز في احدى الرياضات المنظمة، يتم تمجيده في كل المدن التي يحكمها الملك اليوناني الذي كان يحرص على ان تترافق البطولات الرياضية مع مجموعة نشاطات متزامنة معها، من بينها الى جانب الطقوس الدينية المتنوعة كتقديم القرابين وغيرها، وابرام معاهدات وتحالفات سياسية وتوقيع اتفاقيات تجارية.

بمعنى اكثر وضوحا، لم تكن الرياضة في تلك العهود تنشد القيم الاخلاقية المفترض ان تتميز بها، او كما يجري تصويرها في عصرنا الحالي. في تلك الحقبات التاريخية، كان الدم، والكثير منه، هو ما يشبع غرائز الجمهور.. والملك. ولهذا، فان رياضات كالمصارعة والمبارزة وقتال الحيوانات المفترسة التي كانت تنتهي بالموت، كانت تترك صداها العميق في حماسة الجماهير، بل ولدى الملك وضيوفه.

وكان بعض الملوك والامراء في روما يتباهون بما “يمتلكون” من مصارعين من “العبيد”، من الاقوام الاخرى، الذين كانوا يزجون بهم في حلبات المصارعة والموت، ويتنافسون في ما بينهم احيانا، فاذا ما انتصر مصارعهم، احتفل الملك او الامير، بعظمته وقوته.

ولكي تكتمل صورة الاستغلال السياسي للرياضة، وقعت هذه الحادثة التاريخية في العام 393 ميلادي، عندما امر الامبراطور الروماني ثيودوسيوس الاول، بالغاء الالعاب الاولمبية، لتعزيز قاعدته الدينية المسيحية، اذ اعتبر انها رياضات من عهد “الوثنية” لا تليق بالامبراطورية، تماما كما فعل بمكتبة الاسكندرية، اعظم مكتبة في التاريخ، حيث امر بحرقها لاحتوائها على تعاليم وكتب ومخطوطات وثنية.

ولم تسلم كرة القدم، والمونديال تحديدا، وهي اللعبة التي اعتمدت رسميا على مستوى العالم في بداية القرن العشرين، من السياسة والسياسيين الذي شاهدوا كيف اصبحت اللعبة الاكثر شعبية على مستوى العالم.

في مونديال العام 1938 الذي اقيم في فرنسا، امر الزعيم الايطالي الفاشي بنيتو موسوليني منتخب بلاده بارتداء الزي الاسود، للتباهي بفرق القمصان السود الموالية له، واداء التحية الفاشية قبل بداية المباريات. وعاد الطليان بكأس البطولة.

 

قبله، في العام 1936، كان الزعيم الالماني هتلر سخر كل الجهود “الرايخ” لاستضافة الاولمبياد، الحدث الرياضي الابرز على مستوى العالم في ذلك الوقت. لم يكن الزعيم النازي سيجد فرصة اكثر ملاءمة للترويج لعظمة المانيا وقوتها امام مندوبي ولاعبي خمسين دولة مشاركة. رفعت اعلام النازية في شوارع المدن وفي الملاعب الرياضية، وصدحت الحناجر باناشيد “الرايخ الثالث”، وتفوق الرياضيون الالمان على نظرائهم الاميركيين والاوروبيين في عدد الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية. وكانت تلك المرة الاولى التي تنقل فيها وقائع المباريات على الهواء مباشرة تلفزيونيا. رسالة هتلر وصلت، وكان الاتحاد السوفياتي المقاطع الوحيد بين القوى الكبرى للضيافة الالمانية المسيسة.

وبالاضافة الى انها  كانت أول حدث رياضي يبث تلفزيونيا، فان اولمبياد المانيا، كانت اول دورة العاب اولمبية يقترح سياسيون مقاطعتها، خصوصا في داخل الولايات المتحدة واوروبا، بسبب الاتهامات لبرلين بانتهاك حقوق الانسان. لكن الدعاية النازية كانت من القوة بحيث انها تغلبت على تلك الاصوات، خصوصا بعد فشل مدينة برشلونة الاسبانية في استضافة الالعاب بسبب اندلاع الحرب الاهلية الاسبانية في العام 1936.

وبكل الاحوال، لن تمضي سوى سنوات قليلة، حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية، بعدما شاهد العالم الجبروتين الالماني والايطالي من بوابة الرياضة المحببة الى قلوب ملايين الناس حول العالم. خمسون مليون انسان ماتوا في الحرب. وكان على العالم ان ينتظر 12 سنة، من مونديال العام 1938، الى العام 1950، لاستئناف تنظيم بطولة العالم في كرة القدم.

ولم يتوقف تداخل السياسة والرياضة. في العام 1982، تآمرت المانيا مع “شقيقتها” النمسا، بلعب مباراة شكلية، سميت “مباراة العار”، ليخرجا منتخب الجزائر من المنافسة في المونديال.

في العام 2008، حدثان مهمان ترافقا مع الاولمبياد التي استضافتها الصين. الاول ان واشنطن كادت تقاطع بسبب احباط الصينيين عملية تجسس جوية كان الاميركييون يقومون بها في سماء البلاد. والثاني، ان رئيس الوزراء الروسي وقتها فلاديمير بوتين، كان يحضر الالعاب الاولمبية، عندما اندلعت الحرب مع جورجيا.

الاميركيون كانوا هددوا الروس ايضا بمقاطعة اولمبياد موسكو في العام 1980، احتجاجا من الرئيس الاميركي جيمي كارتر، على الغزو السوفياتي لافغانستان قبل ذلك بعام. وبينما قاطع الاميركييون الاولمبياد، الا ان اجماعا في اوروبا، للحذو حذو الاميركيين، لم يتحقق. كما ان دولا عدة حول العالم، رفضت الاستجابة للضغوط الاميركية. وكان من اللافت ان قرارات من حكومات بالمقاطعة، لم تلزم الاتحادات الرياضية، بصفتها المستقلة والمنتخبة، في تلك الدول، بالغياب عن مباريات موسكو. واستخدم كارتر الملاكم العالمي محمد علي كلاي في مهمة سياسية، لم يكتب لها النجاح، لاقناع دول افريقية بالانضمام الى المقاطعين لموسكو.

ومؤخرا، اندلعت ازمة سياسية بين روسيا، منظمة مونديال 2018، وبين بريطانيا التي اتهمتها بمحاولة التسميم الغامضة للعميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال. ولن يسافر ممثلو الحكومة البريطانية واعضاء من الاسرة الملكية البريطانية لحضور المونديال الروسي، التزاما بقرار من الحكومة البريطانية. واثيرت دعوات في انحاء اوروبا، لمقاطعة المونديال، تضامنا مع لندن في وجه موسكو، مقابل اصوات المانية نادت مثلا بتغليب جسور الحوار بين الشعوب، على حروب الكبار. ومع ذلك، هناك توقعات بان يكون حضور السياسيين على مقاعد كبار الزوار والضيوف محدودا.

ولا يبدو ان هذه الحلقة من التداخل بين الرياضي والسياسي لها نهاية، وهناك من يقول انها كما كانت في الماضي البعيد، ستكون في المستقبل ايضا. الا ان انصار الرياضة يقولون انها ليست ديانة ولا مذهبا سياسيا، وانما قيمة انسانية، تجمع الناس من كل المشارب الاجتماعية والثقافات، باسم المحبة والخير، وبلغة واحدة وممتعة ايضا.

واذا كانت الرياضة اكتسبت قدرة على التقريب بين الشعوب، ومع ذلك، يتساءل كثيرون عما اذا كانت الرياضة تستخدم لالهاء الناس عن قضاياهم الحقيقية، وكانها “افيون الشعوب”. ويلاحظ كثيرون ان انكفاء الشباب عن النشاط الحزبي، من بين اسبابه في العالم العربي على سبيل المثال، تعاظم مثير للانتباه لرعاية الزعماء والحكومات للنشاطات الرياضية والاندية، فيما تتردى المستويات المعيشية والاوضاع الاقتصادية والسياسية في عموم البلاد، وتتزايد شرائح الشباب نسبة الى السكان، وتتفاقم بينهم في الوقت ذاته نسب البطالة.

المشكلة بهذا المعنى، ليست في الرياضة ذاتها، بما تمثله من قيمة انسانية. ولا المشكلة في السياسة بما تمثله من انتهازية ومصالح، وابتعاد عن الاخلاق في احيان كثيرة. المشكلة ان كل ما يتصل بشوون الناس والعامة، هو شان سياسي حتما. المسالة هي ان تداخلهما كان يمكن ان يكون مقبولا وبديهيا، لكن التوظيف السياسي الضيق الافق، هو المشكلة، وهو ما يجرد الرياضة والرياضيين، من ميداليات الاخلاق والجدارة.

 

رياضيون ثم سياسيون

 

دخل العديد من الرياضيين عالم السياسة بعد اعتزالهم، ولعل اكثرهم شهرة ​بالنسبة الى كثيرين، ارنولد شوازنيغر​، بطل ​كمال الاجسام​، والممثل السينمائي لاحقا، الذي فاز بحاكمية ولاية ​كاليفورنيا​ ما بين أعوام 2003 و 2011.

لكن الحقيقة ان اكبر انجاز سياسي يحققه رياضي سابق، كان للاعب كرة القدم الليبيري جورج ويا الذي فاز في العام 2017 بالانتخابات الرئاسية في بلاده، ليكون اول رئيس بخلفية رياضية في تاريخ البلاد.

جورج ويا كان افضل لاعب في العالم في العام 1995، وافضل لاعب في افريقيا ثلاث مرات، وهداف ابطال اوروبا 1995، وفائز بالكرة الذهبية

والى جانب هاتين الشخصيتين، هذه بعض اسماء رياضيين انتقلوا الى السياسة:

روماريو​: لاعب كرة قدم برازيلي سابق. اصبح نائبا في العام 2010 وسيناتورا في العام 2014.

عمران خان: لاعب الكريكيت الباكستاني، أحد المع اللاعبين التي عرفتهم ملاعب الكريكيت في العالم، وكابتن منتخب باكستان الفائز ببطولة العالم 1992. أسس حزب “حركة الانصاف”.

طاهر ابو زيد : لاعب كرة القدم مصري، وفي تموز العام 2013 عين ممثلاَ عن حزب الوفد الجديد وزيراً للرياضة في حكومة حازم الببلاوي.

نوال المتوكل: العداءة المغربية العالمية وبطلة اولمبياد لوس انجلس في العام 1984 في سباق الـ400. وكانت اول امراة عربية واول امراة افريقية تحرز ميدالية اوليمبية. وتولت منصب وزيرة الشباب والرياضة في المغرب العام 2007 ممثلة حزب التجمع الوطني للاحرار.

وهناك ايضا المصارع الاميركي جيسي “ذي بدي” فنتورا الذي خاض غمار السياسة وانتخب رئيساً لبلدية بروكلين بارك في ولاية مينيسوتا بين 1991 – 1995. كما انتخب حاكما لمينيسوتا. والملاكم الاوكراني فيتالي كليتشكو​ الذي اصبح نائبا وعمدة مدينة كييف. والاوكراني ​سيرغي بوبكا​، قافز بالزانة الذي اصبح نائبا ما بين أعوام 2002 و 2006. وهناك الملاكم الفلبيني ​ماني باكياو​ الذي اصبح نائبا. ولاعب كرة السلة الاميركي دايفيد بينغ، الذي اصبح عمدة مدينة ديترويت ما بين اعوام 2009 و 2013، ولاعب كرة القدم الجورجي ​كاخا كالادزه​، الذي اصبح نائبا في العام 2012 ووزيرا للطاقة والموارد الطبيعية. ولاعب كرة القدم الايطالي جياني (جيوفاني) ريفيرا، وهو احد أعظم نجوم الكرة الإيطالية، واحد المع وأشهر من ارتدى قميص نادي “آ سي ميلان” الاحمر والاسود وقمصان منتخب إيطاليا. في العام 1986 دخل عالم السياسة وانتخب نائبا واعيد انتخابه مرات عدة، ثم عُيّن نائباً لوزير الدفاع.

بالاضافة الى ذلك، هناك ​العداء البريطاني سيباستيان كو​، صار نائبا ما بين اعوام 1992 و 1997، واري فاتانن​، وهو سائق رالي فنلندي، صار نائبا ​في العام 2004، ولاعب كرة المضرب الروسي مارات سافين​، الذي صار نائبا في العام 2011، ولاعب الكريكيت السيريلانكي ساناث جاياسوريا الذي انتخب نائبا العام 2010، ثم عين وزيراً في الحكومة.

 

http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/57/19.pdf

 

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".