السياسة والاقتصاد صنوان، وذهب البعض إلى أن قرار الانتخابات المبكرة أربك المنافسين للعدالة والتنمية في تركيا، ولكن نحن أمام متنافسين يمتلكون أدوات وخبرات متراكمة، نتاج الممارسة السياسية الحية في ظل نظام ديمقراطي.
وصدر العدالة والتنمية برنامجه الانتخابي بإنجازاته الاقتصادية والتي على رأسها معدل النمو في 2017، والذي تجاوز نسبة 7%، وهو المعدل الأعلى في المنطقة الأوربية. وكذلك حزمة المشروعات العملاقة التي يخطط لتنفيذها خلال المرحلة المقبلة مثل قناة إسطنبول، وأكبر مطار في العالم، وأطول جسر معلق في العالم أيضًا.
إلا أن السوق التركية تشهد ظاهرة شديدة السلبية، وهي تراجع قيمة العملة المحلية بشكل كبير، أوجد حالة من القلق، لما يسببه تراجع قيمة العملة من ارتفاع في معدلات التضخم، ودفع المواطنين والأجانب لظاهرة الدولرة، ووجود حالة من الاضطراب لدى المستثمرين فيما يتعلق بتذبذب سعر الصرف، حيث تتخذ القرارات الاقتصادية بشكل أفضل في ظل استقرار سعر صرف العملة المحلية.
فضلًا عن تمدد نشاط الاقتصاد الاسود المتمثل في المضاربة على العملة، وتعد المضاربة على العملة التركية من أنشطة الاقتصاد الأسود، نظرًا لتمتع الاقتصاد التركي بوجود سوق حرة للصرف.
براءة الاقتصاد
المؤشرات الاقتصادية بشكل عام تعكس تقدمًا ملموسًا، سواء فيما يتعلق بقيمة الصادرات وتزايدها بشكل شهري وسنوي، أو ارتفاع معدلات النمو، أو استمرار تدفق السياحة الدولية، أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما أن معدلات البطالة رغم عدم هبوطها عن نسبة 10%، إلا أنها شبه مستقرة.
حاول البعض أن يرجع الأمر إلى زيادة العجز بالميزان التجاري لتركيا، وهذا غير صحيح بسبب أن تركيا تحقق عجزًا في ميزانها التجاري منذ عقود، وحتى في ظل ازدهار تجربة حزب العدالة والتنمية، ونقلته التنموية لتركيا.
فأرقام معهد الإحصاء التركي تبين أن العجز التجاري في 2011 كان بحدود 105 مليارات دولار، وانخفض في 2013 إلى 99 مليار دولار، وفي 2017 بلغ 76 مليار دولار، ومن هنا نلاحظ مفارقة كبيرة وهي أنه في ظل عجز تجاري كبير جدًا في 2011 مقارنة بما تحقق في 2017، لم تتراجع الليرة التركية بهذا الشكل بل كانت في وضع أقوى، حيث كان الدولار يعادل 1.8 ليرة، وذلك حسب إحصاءات البنك المركزي التركي.
وهذا الواقع يجعلنا نتشكك في حجة أن انخفاض الليرة أتى نتيجة ارتفاع أسعار النفط، لأن النفط في 2011 كان أعلى من سعره الآن، حيث كان بحدود تقترب من 100 دولار للبرميل، فضلًا عن وضع تركيا الآن في إنتاج الطاقة من مصادر محلية أفضل بكثير، حيث أصبحت تركيا تنتج نحو 25% من احتياجاتها من الطاقة محليًا عبر مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الحرارية أو طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية والمصادر المائية، وخلافه.
وإذا ما نظرنا إلى معدل تراجع قيمة الليرة التركية تجاه الدولار نجد أنها غير مبررة وشديدة السرعة، وتتنافي مع المعطيات الاقتصادية، ففي مطلع يناير/كانون الثاني 2018 كان الدولار يعادل 3.76 ليرة، بينما اليوم 23 من مايو/أيار يصل سعر الدولار 4.84 ليرة، حسب أسعار البنك المركزي، وفي بعض الصرافات تجاوز الدولار 4.9 ليرة.
وبذلك تكون نسبة تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار خلال الفترة من يناير 2018 وحتى الآن 28.7%.
فتش عن السياسة
يلاحظ أن ثمة مجموعة من القضايا والتحديات فرضت نفسها على تركيا خلال الفترة الماضية، وآخرها موقف تركيا من الكيان الصهيوني وتصرفاته الدموية في غزة، وما أسفر عنه مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي من توصيات، وكذلك سحب تركيا لسفيرها من دولة الكيان الصهيوني، وطرد سفير الكيان من تركيا. هذا بخلاف العديد من المواقف التي خالفت فيها تركيا توجهات الاتحاد الأوربي.
وعلى الصعيد الداخلي يتوقع أن تكون المعركة الانتخابية قد اتخذت خطوات وممارسات سلبية تجاه الاقتصاد القومي التركي، عبر إذكاء المضاربة على الليرة لإظهار حكومة العدالة والتنمية بمظهر العاجز عن إدارة الوضع الاقتصادي، وكورقة لمواجهة الحكومة في مجال الحديث عن إنجازاتها خلال الفترة الماضية، أو الحديث عن مشروعات عملاقة لما بعد 2023.
وإن كانت الحكومة التركية عبر وزير اقتصادها نهاد زيبكجي في تصريحات لوسائل الإعلام اليوم الاربعاء 23 مايو (أيار) 2018، أوضحت بأنها ستتحرك في الوقت المناسب لحماية الليرة التركية. وفي نفس السياق نقلت رويترز في نفس اليوم عن المتحدث باسم الحكومة التركية “إن هناك لعبة تجري باستخدام الليرة لكنها لن تغير في نتائج الانتخابات المقررة الشهر المقبل، “ونقلت رويترز عن نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداج قوله” شاهد الناس اللعبة واللاعب. شاهد الناس الدمية ومحركي العرائس. لن يسمحوا لهم ولن يمنحوهم فرصة”.
وتتواتر القراءات بشأن مستقبل سعر صرف الليرة التركية، بأن هذا وضع استثنائي، لن يستمر طويلًا، وأنه سينقضي بانتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في 24 من يونيو/حزيران المقبل، وبعد هذا التاريخ يرجح أن تستعيد الليرة عافيتها خلال ثلاثة أشهر من إعلان نتائج الانتخابات، وبخاصة إذا كانت نتائج إيجابية لصالح الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
عبد الحافظ الصاوي (الجزيرة)