لو كان مؤسس “جيش الاسلام” حياً ماذا كان سيقول وهو يشاهد محمد بن سلمان يصرح أن “الاسد باقٍ”؟، وماذا يقول الآن “ورثة زهران علوش” وهم يرحلون نحو الشمال، وخاصة من كان منهم يملك المعطيات بطرق التمويل والدعم المقدم من المملكة السعودية بطريقة غير مباشرة؟
أسئلة معظمها في مدار الرهان الخاسر على بعض دول الخليج العربي، وخاصة لمن كان رأس الحربة بشكل أساسي، قطر والسعودية. فالاولى فرض عليها حصار من “الاخوة” وفتحت ملفات على الملأ، الجميع كان يعرفها ومشاركا بها، ولكنها أصبحت تهمة، أما الثانية فهي تدخل مرحلة ضبابية مع ولي العهد السعودي الذي بات يقول الان ان “الاسد لن يرحل الآن، ولا أعتقد أنه سيترك السلطة دون حرب، ولا أعتقد أنه يوجد من يريد أن تبدأ هذه الحرب، لأنها ستسفر عن مجابهة بين روسيا و الولايات المتحدة ولا يسعى أحد إلى ذلك”.
فهل تصبح المجموعات المسلحة من دون دعم خليجي مطلق من جهة، وتحت رحمة المصالح التركية من جهة ثانية، في وقت تتجه أنقرة لتكون راعٍ “لمحرقة” المسلحين استنادا الى مصالحها الخاصة؟
انقلب المشهد الخليجي في التصريحات الاعلامية اتجاه الحرب على سوريا، وتحديدا بشخص الرئيس السوري بشار الاسد، فمن نبرة اعلامية مرتفعة وحادة، مترافقة مع وصول “الربيع العربي” إلى أبواب دمشق، في انعكاس لموقف سياسي ودعم لوجستي للمعارضة السورية والجماعات المسلحة، إلى بدء انخفاض وتراجع “العاصفة الرملية” والتبدل في المواقف، من التشدد إلى القبول بالامر الواقع.
تشكلت رغبة الوقوف في وجه “المد الايراني” لدى بعض دول الخليج، فكانت الازمة في سوريا هي المدخل الاساسي للحضور بشكل مباشر على الارض، وليس فقط عبر مواقف سياسية وتحالفات اقليمية كما كان هو الامر في العقود السابقة، مثل الحرب العراقية – الايرانية أو اتفاق الطائف اللبناني أو حروب الخليج، والتي ثبتت هذا التوازن في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، ومع تسلم الرئيس بشار الاسد الحكم، كان التحدي الاكبر للمواجهة مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الحليف الاساسي للمملكة وتوجيه الاتهامات للدولة السورية، وتليه حرب تموز 2006 ووصف الاسد المواقف الخليجية بأنهم “أشباه رجال”، ليتبعها تطور في العلاقات مع قطر التي سطع نجمها في الملفات الاقليمية، حتى زيارة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق سنة 2009، ليكون تاريخ 2011 عام التحول “ضد الاسد”.
تم تقديم الدعم للمجموعات المسلحة، وكان تقسيم العمل بين قطر والسعودية، وهو ما أصبح معروفا مع تصريحات وزير الخارجية القطرية السابق حمد بن جاسم، وأصبحت كل مجموعة لها هدف معين، فإسقاط دمشق كان مهمة “جيش الاسلام” المدعوم من السعودية، فيما كانت قطر تدعم “حركة أحرار الشام”. ليبدأ مع الوقت تصاعد الخلاف بين هاتين الدولتين في أهداف الدعم للمجموعات التي اتخذت نهجا دينيا، بين السلفية والاخوانية والوهابية، ليصبح لدى الخليجين حسابات داخلية خوفا من تمدد حركة دينية على حساب أخرى وانعاكسها على الوضع الخليجي والعربي. وشكل سحب سفراء السعودية والامارات والبحرين سنة 2014 من قطر إحدى وجه هذا الصراع الداخلي، للضغط على قطر لوقف دعمها لمجموعات مسلحة معينة. ولتنعكس فيما بعد الانقسام الخليجي على الارض السورية وتبدأ المجموعات بالتشتت والتقاتل.
لا أحد يمكن أن يستغرب الطلب السعودي من الاميركي بعدم الانسحاب من سوريا، فتصريح الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالانسحاب هو “تهديد العصا” لكي تستمر بعض الدول الخليجية في الدعم المالي، وهو ما كان أعلنه في حملته الانتخابية في ضرورة أن تقدم الدول الخليجية ثرواتها للولايات المتحدة لانها تقدم لها بدورها الحماية وتضمن لها الاستمرارية، ولكن الطلب السعودي جاء نتيجة خوف أن تدخل المملكة والخليج في عزلة نتيجة المواقف الاميركية السابقة من الحرب على سوريا، فهي التي كانت ترغب أن يتخذ الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما قرار التدخل العسكري المباشر لاسقاط النظام سنة 2013، وهو ما تعتبره السعودية بمثابة تراخ من قبل الادارة الاميركية في الوقف بوجه الحضور الايراني في سوريا.
انعطافات كبيرة أدت إلى خروج الامور عن السيطرة، مع الحضور الروسي العسكري المباشر على الارض، والتوجه الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، والتحولات التركية بعد محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وانتقال الحرب على الارض السورية إلى مراحل أخرى مع تواجد قوات أميركية في الشرق السوري وقوات روسيا في غربه، ودخول روسيا وتركيا وايران في عملية تنسيق على أعلى المستويات، تمثل في أحدى وجهها إخراج الدول العربية من المعادلة السياسية في التسوية السورية. كل هذه المعطيات كانت انعكاسا متبادلا مع الميدان العسكري، وليبدأ التراجع الخليجي وليس انسحابه بشكل كامل، فهو يغير موقفه وأسلوب عمله، مع التحول الكبير في المشهد السوري.
ويبقى للخارجين في الحافلات الخضراء لحظة تفكير وإن أمكن سؤال من قادهم خلال السنوات السابقة، كيف حدث كل ما سبق، وهل يوم خرجت تظاهرات ترفع العلم السعودي أصبحت لا قيمة لها في حسابات المملكة؟
وسام عبدالله