الرئيسية » اراء ودراسات » اسرائيل تكرر ما فعلته بعد قمة بيروت 2002: “لا” بوجه قمة الرياض

اسرائيل تكرر ما فعلته بعد قمة بيروت 2002: “لا” بوجه قمة الرياض

لم تنجح القمة العربية-الاسلامية التي عقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني 2023، في فرض وقف العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين حيث ردت اسرائيل على مقررات القمة ب”لاء” كبيرة، تماما مثلما فعلت قبل 21 سنة عندما ردت على القمة العربية في بيروت والتي تبنت “المبادرة العربية للسلام”، بمجازر واسعة بعدها بيومين.

(خليل حرب)

+++++++++++++

اجتمع زعماء وممثلو 57 دولة عربية واسلامية في العاصمة السعودية الرياض، لبحث العدوان على غزة بعد 36 يوما على بدء حمام الدم، وهو موعد بدا بالنسبة لكثيرين متاخرا، بالنظر الى ان اسرائيل بدات باستباحة دماء الفلسطينيين منذ 7 تشرين الاول، وكانت قد قتلت حتى موعد انعقاد القمة التي يفترض انها كانت “طارئة”، نحو 11 الف شخص في غزة، ناهيك عن تصاعد حملة التنكيل بفلسطينيي الضفة الغربية، سواء بالقتل او الاعتقال، من جانب قوات الجيش او من المستوطنين المسلحين الذين ينفذون اعتداءاتهم، تحت حماية ومراقبة جنود الجيش، واحيانا كثيرة برفقتهم.

وبالنسبة الى كثيرين، فان قمة الرياض بدت برغم بعض اللهجة المتشددة من بعض الزعماء المشاركين، والبيان الختامي الصادر عنها، كانها جنوح عام للسلم في لحظة احتدام الابادة، برغم ان اسرائيل لم تجنح للسلم من طرفها، وانما هي التي اعدت لخصومها ما استطاعت من قوة ومن رباط الخيل، لا بل ان وزير التراث الاسرائيلي عميحاي الياهو، استبق القمة، بتلويح باستخدام القنبلة النووية طالما ان الكيان الاسرائيلي مهدد.

وحتى من خارج الدول المشاركة في القمة، كانت هناك توقعات وتكهنات بان الزعماء ال57، بما يمكنهم ان يمثلوه من ثقل سياسي واقتصادي واعلامي على مستوى العالم، فيما لو وحدوا كلمتهم حول فلسطين، سيساهمون في فرض وقف لاطلاق النار، ودفع الولايات المتحدة على الاقل، والتي تولت منذ اليوم الاول، محاولة تامين غطاء سياسي ومعنوي وعسكري لاسرائيل اقله من اجل “اقتلاع حماس”، لممارسة ضغوط اكبر على حكومة بنيامين نتنياهو، من اجل وقف هجومها على غزة، لكن ذلك لم يحدث.

وامام انظار مئات ملايين الناس حول العالم، ارتفع عدد الشهداء في غزة الان الى اكثر من 15 الف شخص، واصيب اكثر من 30 الفا، ونزح نحو 1.5 انسان، داخل القطاع، المحاصر بالنار والموت منذ 17 سنة. ولم تتمكن القمة من فرض فتح جدي ودائم للحدود مع رفح لادخال المساعدات الانسانية والغذاء والدواء والوقود بشكل كاف على الاقل.

وفي البيان الختامي للقمة، كان هناك تاكيد على ضروة وقف الحرب على غزة فورا ورفض لتوصيف الحرب الانتقامية الاسرائيلية على انها دفاع عن النفس. كما دعا البيان الى كسر الحصار عن القطاع، وادانة جماعية لما وصفوه بجرائم الحرب والمجازر من جانب “سلطات الاحتلال الاستعماري”. كما طالب الزعماء العرب والمسلمون مجلس الامن الدولي باتخاذ قرار حاسم وملزم بفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاستعمار. كما طالبت القمة جميع الدول بوقف تصدير الاسلحة والذخائر الى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الارهابيون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه وكل مقدراته.

والى جانب ذلك، جرى تكليف وزراء خارجية -المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة الاسلامية والعربية، وكل من الاردن ومصر وقطر وتركيا واندونيسيا ونيجيريا وفلسطين وأي دول اخرى مهتمة، والامينين العامين للمنظمتين- ببدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الاعضاء في المنظمة والجامعة لوقف الحرب على غزة، والضغط من اجل اطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.

ولم تتوقف محاولات اسرائيل عن اجبار الفلسطينيين على النزوح، وهو ما ادانه البيان الختامي عندما قال انه يدين “تهجير حوالي 1.5 مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة الى جنوبه باعتبار ذلك جريمة حرب وفق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949وملحقها للعام 1977”. كما ادان استعمال اسرائيل للفوسفور الابيض المحرم دوليا على قطاع غزة ولبنان، والتصريحات والتهديدات الاسرائيلية المتكررة باعادة لبنان الى “العصر الحجري”.

ودعا البيان الختامي الى “التصدي لمحاولة تكريس سلطات الاحتلال الاستعماري هذا الواقعَ اللاانساني البائس مع التاكيد على ضرورة العودة الفورية للنازحين الى بيوتهم ومناطقهم، وضرورة الحؤول دون توسيع الصراع”.

الا ان القمة العربية-الاسلامية، اعادت التاكيد على “التمسك بالسلام كخيار استراتيجي، لانهاء الاحتلال الاسرائيلي وحل الصراع العربي الاسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الامن، والتاكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها واولوياتها، وعقد مؤتمر دولي للسلام في اقرب وقت ممكن”.

لكن المفارقة ان التاريخ يبدو انه يعيد نفسه. في تلك القمة العربية التي عقدت في بيروت في 27 اذار 2002، حيث تبنت الدول العربية مجتمعة “مبادرة السلام العربية” التي كانت طرحتها المملكة العربية السعودية حول استعداد الحكومات العربية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل مقابل انسحابها الى حدود 4 حزيران 1967، الا ان حكومة ارييل شارون، قامت بعد القمة بيومين فقط، وتحديدا في 29 اذار، باطلاق احدى اكثر حملاتها العسكرية دموية بحق الفلسطينيين من خلال ما سمي بعملية “السور الواقي” بمشاركة اكثر من 30 الف جندي، بهدف القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وارتكب سلسلة من المجازر في انحاء الضفة الغربية، وحاصر الرئيس الفلسطيني وقتها ياسر عرفات داخل مقره في رام الله، وبقي عرفات مطوقا بشكل شبه كامل حتى وفاته (او مقتله مسموما كما اظهرت بعض التحقيقات) في العام 2004.

وبعد اختتام القمة العربية-الاسلامية في الرياض، قال رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الأمن يوآف غالانت ووزير الدفاع بيني غانتس، ان “اسرائيل لن تتوقف حتى انجاز مهمتها في غزة، والانتصار، ولا بديل عن ذلك”.

وفي رسالة مباشرة الى الزعماء العرب، قال نتنياهو انه “على الزعماء العرب الوقوف ضد حماس، وعلى زعماء العالم مواصلة اظهار دعمهم لاسرائيل وعدم الخضوع لاي ضغوط”. واضاف نتنياهو ان “اي ضغط دولي لن يغير من ايماننا بحقنا وواجبنا للدفاع عن انفسنا، واذا اردتم السلام والامن وضمان مستقبل دولة اسرائيل فيجب ان نقضي على حماس”. 

كما وجه نتنياهو تهديداته باتجاه لبنان قائلا “مستعدون للجبهة الشمالية وحذرت حزب الله من الانخراط في هذه الحرب”، في حين قال وزيره غالانت “قد ينتهي الامر بسكان بيروت الى نفس وضع غزة”.

وجاءت ال”لا” الاسرائيلية الواضحة بعد انتهاء اعمال القمة العربية-الاسلامية، وفي الاتي بعض ابرز مواقف الزعماء والمسؤولين الذين شاركوا فيها:

محمد بن سلمان

وصف ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الهجمات الاسرائيلية بانها “حرب شعواء يتعرض لها اشقاؤنا في فلسطين”، مطالبا بالوقف الفوري للعمليات العسكرية وفتح ممرات اغاثة انسانية، وتحميل اسرائيل مسؤولية الجرائم المرتكبة وانهاء الحصار.

محمود عباس

قال الرئيس الفلسطيني محمد عباس سنلاحق مجرمي الحرب امام المحاكم الدولية، والولايات المتحدة تتحمل الفشل في التوصل الى حل، مطالبا بعضوية كاملة لدولة فلسطين في الامم المتحدة وحماية دولية للشعب الفسلطيني.

بشار الاسد

قال الرئيس السوري بشار انه “بما فرضته المقاومة الفلسطينية الباسلة من واقع جديد في منطقتنا، امتلكنا الادوات السياسية التي تمكننا من تغيير المعادلات”. واضاف ان “المزيد من الوداعة العربية تساوي المزيد من الشراسة الصهيونية والمجازر بحقنا”، وان “الطارئ في قمتنا ليس القتل، وانما تفوق الصهيونية على نفسها في الهمجية”.

عبدالفتاح السيسي

دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الى “التوصل لصيغة لحل الصراع بناء على حل الدولتين، وسياسات العقاب الجماعي لاهل غزة من قتل وحصار وتهجير غير مقبولة ويجب وقفها فورا”.

رجب طيب اردوغان

قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان “لا يمكننا تفهّم حالة الجنون الاسرائيلية تحت أي ذريعة”، وعلى المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الانسان، النظر في هذه الجرائم، واصفا غزة التي حرمت من المساعدات بانها كجهنم. وانتقد الغرب قائلا ان الدول الغربية لم تدع حتى لوقف لاطلاق النار، واكد ان “من يسكت على الظلم هو شريك فيه”.

ابراهيم رئيسي

قال الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي “لدينا مسؤولية امام الله تجاه ما يحدث في غزة، وعلى الجميع اليوم ان يحددوا في اي صف يقفون”. وقال “اذا لم يسفر اجتماعنا عن اتخاذ خطوات سيؤدي ذلك الى خيبة امل لدى الشعوب الاسلامية”. وتابع ان الولايات المتحدة “شريكة لاسرائيل في جرائمها، وقد دخلت الحرب عمليا لصالح اسرائيل، وهي ترسل شحنات كبيرة من السلاح لاسرائيل يوميا، وتفسح لها المجال لممارسة مزيد من القتل وسفك الدماء”. ودعا الى التنبه للبرنامج النووي لاسرائيل، مؤكدا على ان الحل المستدام هو من خلال اقامة دولة فسلطينية من البحر الى النهر.

تميم بن حمد ال ثاني

قال امير فقطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني “لاحظنا ارتفاع مناعة بعض الدول تجاه قتل المدنيين وقصف المستشفيات والملاجئ، ومن كان يتخيل ان المستشفيات ستقصف علنا في القرن الـ21؟ والى متى يظل المجتمع الدولي يعامل اسرائيل وكانها فوق القانون الدولي؟”. وتابع “من كان يتخيل ان عائلات باكملها ستمسح من السجلات بالقصف العشوائي لاحياء سكنية ومخيمات لاجئين، وان شعبا باكمله سيجبر على النزوح قسريا بوجود مخططات مستنكرة ومرفوضة لتهجيره، وكل ذلك على مراى ومسمع العالم. وحذر الشيخ تميم من ان “مواصلة اسرائيل عدوانها وارتكاب جرائم الابادة بهذا الاستهتار، لا يلحق الضرر بالامن القومي العربي والاسلامي فحسب، بل ايضا بالامن الوطني لدولنا”.

من البيان الختامي

-دعا الى انشاء وحدتي رصد اعلامي لتوثقا كل جرائم سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ومنصات اعلامية رقمية تنشرها وتعري ممارساتها اللاشرعية واللاانسانية.

-دعا الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج بلدة الماري اللبنانية، وتنفيذ حل الدولتين

من كلمة الرئيس ميقاتي

كلنا استعرضنا الوضع الكارثي ولكن علينا ان ننتقل الى مربع القرار. فغزة تستغيثكم فلا تردوها خائبة.

يبقى “حل الدولتيْن” بمثابة افضل المسارات للمضي قدما والسعي الى بناء مستقبل افضل لنا جميعا على اساس “مبادرة السلام العربية” التي اطلقت في قمة بيروت.

ما يشهده جنوب لبنان حاليا من احداث، وان اعتبرت في العمق صدى للماسي في قطاع غزة، ليست في حقيقتِها سوى نتيجة لتفاقم اعتداءات اسرائيل على السيادة الوطنية وخرقها المستمر والمتمادي للقرار الدولي رقم 1701. ولقد بادرت شخصيا منذ اندلاع احداث غزة الى اطلاق النداءات العلنية للحفاظ على الهدوء ولضبط النفس على الحدود الجنوبية، ووجهت التحذيرات، من تمدد الحرب التدميرية في غزة الى جنوب لبنان، ومنه الى المنطقة.

ان خيارنا في لبنان كان ولا يزال هو السلام، وثقافتنا هي ثقافة سلام مبنيةٌ على الحق والعدالة وعلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. لكننا شعب ما رضي، ولن يرضى بالاعتداءات على سيادته وعلى كرامته الوطنية وسلامة اراضيه، وعلى المدنيين من ابنائه، وبخاصة الاطفال والنساء.

https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/105.pdf

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".