الرئيسية » اراء ودراسات » فليتفضل المسؤولون اللبنانيون

فليتفضل المسؤولون اللبنانيون

المسافة من الموصل الى طرابلس حوالى 850 كلم. لماذا يجب ان يكون لبنان مهتما بهذه الكيلومترات؟

في الاسبوع الماضي، استدرجت الولايات المتحدة الهند- او انها تحاول استدراجها- لتبني مشروعها للمر التجاري الجديد الذي يربط الساحل الغربي للهند، وتحديدا من مومباي، باتجاه الخليج وتحديدا الى دبي، ومنها الى السعودية والاردن وصولا الى الكيان الاسرائيلي، وتحديدا الى ميناء حيفا (وليس الى بيروت التي جرى تفجير مينائها).

في المشهد الاوسع، تمثل خطة الطريق التجاري من الهند الى اسرائيل ومنها الى اوروبا، محاولة لاجهاض خطط سير ومشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، واحتوائها. وهي ايضا محاولة لضرب خطط التشابك الاقليمي الجارية مثلا بين تركيا وايران والعراق وسوريا (وربما وصولا الى لبنان). وهي ايضا محاولة اميركية واضحة المرامي لدمج اسرائيل في اي تصور او مشروع اقليمي، وترسيخ دورها لتكون منفذا تجاريا ما بين الشرق والغرب عبر سواحل شرق المتوسط، الى جانب محاولة فتح المزيد من الابواب المغرية لدفع “التطبيع” مع المملكة العربية السعودية.

يواجه هذا التصور تحديا اساسيا. الخط الهندي-الخليجي- الاسرائيلي المقترح، يتجاهل، ويلتف بعيدا عن تركيا الساعية منذ عقدين من الزمن على الاقل الى لعب دور المحور الاقليمي لحركة التجارة والطاقة ما بين الشرق والغرب.

هذا اولا، اما ثانيا، فان الخط الهندي، أيضا يمثل محاولة انقلاب واضحة على مشروع لا يقل طموحا، يحمل اسم “طريق التنمية” الذي يطلق عليه العراقيون والاتراك احيانا اسم “طريق الحرير الجديد”، والمفترض ان يربط ميناء الفاو الكبير على الخليج، في اقصى الجنوب الشرقي العراقي، باتجاه تركيا شمالا عبر مدينة الموصل، ومن هناك نحو اوروبا والعالم.

المشروع العراقي-التركي وضعت خططه بالفعل، والعمل جار على تطوير ميناء الفاو الكبير، وذلك بهدف ربط حركة التجارة والبضائع ما بين الشرق والغرب، من خلال المنفذ البحري ثم عبر خطوط سكك الحديد والطرقات السريعة، وحددت ميزانيته بالفعل بحوالى 17 مليار دولار، وهو على مرحلتين، تكتمل الاولى في العام 2028، والثانية في العام 2050.

المشروع ستقام له منشآت بما فيها خطوط السكك الحديدية والطرقات السريعة والمدن الصناعية والسكنية وغيرها، عبر 10 محافظات عراقية، بما في ذلك الموصل التي سيلتف الطريق منها شمالا باتجاه الحدود التركية.

يقول الرئيس التركي رجي طيب اردوغان بعد اختتام قمة ال20 التي شهدت طرح فكرة مشروع الخط الهندي-الخليجي-الاسرائيلي، انه “من غير الممكن ان يكون هناك ممر بدون تركيا، والطريق الانسب للتجارة من الشرق الى الغرب، يجب ان يمر عبر تركيا”.

يعني ذلك، ان تركيا -اقله حتى الان- تميل بوضوح الى خيار “طريق التنمية” بينها وبين العراق، بدلا من الخط المقترح امريكيا، وهناك معلومات بان الاتراك بدأوا بالفعل باجراء محادثات مكثفة مع العراقيين والقطريين والاماراتيين، بهدف تأمين الدعم التمويلي والاستمثاري في المشروع.

ولهذا، فان السؤال هنا، هل يستمر لبنان في تجاهل “الخلاص” المتاح من خلال مثل هذا المشروع؟ هل هناك في بيروت، من فكر، بدأ، او بحث، في امكانية انخراط لبنان في هذه التشابك الاقليمي للتبادل التجاري (سواء بخط لسكك الحديد بين الموصل وطرابلس، او طريق نقل سريع بين المدينتين) بالتنسيق مع بغداد وانقرة بداية، ثم مع دمشق أيضا؟ أم سيستسلم مسبقا امام “الفيتو” الاميركي والاسرائيلي؟

خليل حرب

منشور ايضا في موقع :

https://alafdalnews.com//details.php?id=ODE1Mjg=

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".