القمة العربية التي ستنعقد في مدينة جدة السعودية، ستكون ال50 في تاريخ القمم العربية، والتي يامل من خلالها المضيفيون السعوديون بطي صفحات ازمات دموية ومعقدة عصفت بالعالم العربي، في لحظة تحولات عالمية واقليمية، قد تشكل اختبارا لقدرة المملكة السعودية، على قيادة المنظومة العربية وانجاح العمل المشترك.
++++++++++++++++++++++++++++
ومنذ اول قمة انعقدت في مصر العام 1946 وحتى قمة الجزائر 2022، جاءت القمم العربية على نحو 31 قمة عادية، و14 قمة طارئة، و4 قمم اقتصادية اجتماعية تنموية، وظلت القضية الفلسطينية، محورا في القمم العربية، لكن كانت ايضا، تحلتها احيانا قضايا مثل العدوان الثلاثي على مصر، والاقتتال الاردني-الفلسطيني، والحرب اللبنانية وغزو الكويت.
وكثيرا ما اثيرت في القمم العربية مواقف وتطورات مثيرة واحيانا نقاشات حادة وكانت احيانا تظهر على الهواء مباشرة، الا في حال كانت الجلسة مغلقة، لكن قمة الدوحة في العام 2013، شهدت حدثا لا سابق له، تمثل في اعتراف الجامعة العربية بالائتلاف السوري المعارض، وجرى منحه مقعد سوريا، وهو قرار عارضه لبنان والعراق والجزائر، بل ان قمة الدوحة اذهبت ابعد من ذلك حيث اعتبرت في بيانها الختامي ان من حق كل دولة عربية تسليح المعارضة السورية، وهي مواقف اثارت تساؤلات وشكوك حول طبيعة دور الجامعة العربية، ومدى تاثرها بمراكز القرار في بعض العواصم العربية في فرض اجنداتها السياسية الخاصة، لدرجة تعليق عضوية سوريا، بالرغم من ان دمشق هي من الدول العربية المؤسسة للجامعة.
والان، فان القمة العربية في الرياض في 19 ايار 2023، تراهن، بعد اكثر من عقد من الازمات والدماء، على تولي زمام القيادة والمبادرة. او هذا على الاقل، ما تشير اليه الحركة السعودية في الشهور الاخيرة، حيث تحاول الرياض اعادة التموضع اقليميا وعالميا، في محاولتها رسم سياسة نفطية متلائمة مع مصلحتها، ومصالح مستهلكيها المباشرين- حتى وان ارتات واشنطن خلاف ذلك- وفي تكثيف التشاور مع روسيا فلاديمير بوتين، وفي تعزيز انفتاح المملكة على العملاق الصيني، واستضافة القمة الصينية-العربية، وابرام اتفاقيات بمليارات الدولارات مع بكين، وفي فرض “شروط” سعودية امام ضغوط الولايات المتحدة من اجل الالتحاق بمسيرة “التطبيع” مع اسرائيل، وفي الاستجابة السلسة للوساطة الخفية التي قامت بها الصين، من اجل جمع “الجارين الغريمين”، السعودية وايران، وانهاء القطيعة بينهما، واستعادة العلاقات الدبلوماسية.
وتمضي الرياض في طريق اعادة التموضع هذا، فتكسر جليد الصمت المحيط بسوريا، في ظل انتقادات اميركية علنية للانفتاح على دمشق. ففي 19 شباط الماضي، بعد ايام على الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان امام منتدى ميونيخ الامني، ان اجماعا يتشكل في العالم العربي على انه لا جدوى من عزل النظام السوري، وان الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما”، حتى تتسنى على الاقل معالجة المسائل الانسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين.
ثم اتبع الوزير السعودي هذا التصريح بموقف اكثر وضوحا عندما قال في 8 اذار، ان زيادة التواصل مع النظام السوري قد تمهد الطريق لعودته الى الجامعة العربية، قبل ان يحط بن فرحان في 18 نيسان الماضي في دمشق لاجراء محادثات مع الرئيس السوري بشار الاسد، وذلك في اول زيارة رسمية سعودية الى سوريا منذ القطيعة بين الدولتين مع بدء النزاع في سوريا قبل 12 عاما، في حين كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لبى دعوة سعودية لزيارة جدة في 12 نيسان.
وخلال زيارة بن فرحان الى دمشق، قال الرئيس السوري ان العلاقات السليمة بين دمشق والرياض هي الحالة الطبيعية التي يجب للامور ان تكون عليها، وان هذه العلاقات لا تشكل مصلحة للبلدين فقط، وانما تعكس مصلحة عربية واقليمية ايضا، وان “السياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية تصب لصالح الدول العربية والمنطقة”، معتبرا ان التغيرات التي يشهدها العالم تجعل من التعاون العربي اكثر ضرورة في هذه المرحلة لاستثمار هذه التغيرات لمصلحة الشعب العربي في اقطاره المختلفة.
ولم يعلن خلال الزيارة السورية للوزير السعودي، عن موعد او تفاصيل تتعلق بعودة سوريا الى الجامعة العربية او حضورها القمة العربية في الرياض، لكن بن فرحان اكد على وقوف المملكة الى جانب سوريا ودعمها لكل ما من شانه الحفاظ على وحدة الاراضي السورية وامنها واستقرارها وتهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين والمهجرين، وان المرحلة المقبلة تقتضي ان تعود العلاقة بين سوريا واخوتها من الدول العربية الى حالتها السليمة، وان يعود دور سوريا عربيا واقليميا افضل مما كان عليه من قبل.
وجاء تبادل الزيارات بين بن فرحان والمقداد، بعد ايام على اجتماع وزاري عربي في جدة، بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى مصر والعراق والاردن، للبحث حصرا بالازمة السورية. ولم يصدر موقف رسمي حول احتمال دعوة سوريا الى تولي مقعدها في القمة العربية، لكن برزت تقارير تحدثت عن تباين في المواقف من الخطوة المقترحة، ظهر ان اكثرها حدة الموقف القطري الذي يعتبر ان الاولوية هي للحل السياسي وعودة النازحين وتطبيق قرارات الامم المتحدة بهذا الخصوص. وبرغم ذلك، اشارت تقارير عدة، بينها من وكالة “رويترز” الى ان السعودية تعتزم توجيه دعوة رسمية لسوريا للمشاركة في قمة الرياض.
كما ان هناك تقارير غير رسمية تشير الى ان وفدا سوريا، قد يشارك في قمة الرياض، ما قد يمهد لاحقا لاستعادة دمشق مقعدها في الجامعة العربية، خلال القمة العربية في العام 2024. وبكل الاحوال، فان الرئيس الاسد كان استبق كل هذه التطورات عندما اعلن خلال زيارته الى موسكو بالاشارة الى ان الاولوية بالنسبة الى دمشق الان هي عودة العلاقات الثنائية مع كل دولة عربية، قبل المضي قدما في خيار العودة الى الجامعة العربية.
وتدور في المنطقة تطورات اخرى، بينها تصاعد الدور الروسي والايراني في استمالة تركيا وسوريا لتحقيق التقارب بينهما حيث عقدت عدة لقاءات عسكرية وامنية لهذا الغرض. وبالاضافة الى ذلك، اعلنت البحرين وقطر مصالحتهما بعد قطيعة استمرت عدة سنوات. كما جرى اختراق دبلوماسي بين القاهرة وانقرة بعد سنوات من التوتر بفعل تداعيات “الربيع العربي”، وهو تطور قد تكون له انعكاساته على ملف الازمة الليبية ايضا.
الى ذلك، فان الملف السوري، سيكون مدار نقاشات اساسية خلال قمة الرياض، والمرجح ان يصدر حولها بنود في البيان الختامي. الا ان الملف الطارىء الذي يشق طريقه نحو اولويات القمة العربية، قد يكون الحرب السودانية التي نشبت في منتصف نيسان الماضي، بين قائد الجيش الفريق اول عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”، والتي يخشى ان تطال شراراتها المحيط الاقليمي الملتهب اصلا، سواء في اريتيريا او اثيوبيا او تشاد او الكونغو الديمقراطية، والمساس بالحدود الجنوبية لمصر.
وللدلالة على المفارقات في الوضع العربي الراهن، انه بينما كانت السعودية تبذل محاولات من اجل التوصل الى تسوية سودانية بين البرهان وحميدتي، اقله ابرام اتفاق لوقف اطلاق النار حتى لا يذهب الملف السوداني الى قمة الرياض مشتعلا، فان اسرائيل كانت تتحدث عن قيامها بتواصل مع الخصمين السودانيين، البرهان وحميدتي، من اجل محاولة رعاية اتفاق بينهما، علما بان القيادة العسكرية الحاكمة في الخرطوم حاليا، فتحت قنوات تطبيع مع الكيان الاسرائيلي، لكنها اجلت ابرام اتفاق “السلام”، الى حين تسلم الحكومة المدنية السلطة في الخرطوم.
وكانت القمة العربية الاخيرة التي عقدت في الجزائر، بحث ملفات النزاعات الاقليمية، وخصوصا في سوريا وليبيا، وسعت الرئاسة الجزائرية للقمة، الى فتح الطريق امام عودة دمشق الى الجامعة لكنها لم توفق. كما بحثت قمة الجزائر، خطوات التطبيع التي قامت بها دول عربية في السنوات الاخيرة مع اسرائيل، ولكنها لم تتخذ موقفا منها.
وغالب الظن، ان قمة الرياض، ستتناول القضية الفلسطينية في ظل تشكل احدى اكثر الحكومات الاسرائيلية تشددا، برئاسة بنيامين نتنياهو الذي تحالف مع احزاب يمينية متطرفة، ومعادية للفلسطينيين والعرب، من اجل ان يشكل ائتلافه الحاكم الذي قتل منذ بداية العام 2023، 88 فلسطينيا (حتى تاريخ 17 اذار الماضي).
اول قمة عربية
عقد اول مؤتمر للقمة العربية في العام 1946، بدعوة من الملك المصري فاروق حيث عقد قادة دول الجامعة العربية اول قمة لهم في قصر أنشاص في الاسكندرية، وشاركت فيها الدول السبع التي اسست الجامعة، وهي: السعودية وسوريا ولبنان والاردن ومصر واليمن والعراق. واكدت القمة على عروبة فلسطين وضرورة الدفاع عنها.
لبنان والقمم
شهدت بيروت قمتين عربيتين: قمة طارئة في تشرين الثاني العام 1956، بعد العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة وشارك فيها تسعة زعماء عرب. واعربت القمة عن التضامن مع مصر وسيادتها على قناة السويس.
كما شهدت بيروت قمة عربية في اذار العام 2002، التي تبنت مبادرة ولي العهد السعودي انذاك الامير عبد الله حول الصراع العربي- الإسرائيلي، وحضرها 9 رؤساء عرب، وسميت “مبادرة السلام العربية”.