الرئيسية » العالم والخليج » “درونز” ايران وحرب أوكرانيا: التهمة؟

“درونز” ايران وحرب أوكرانيا: التهمة؟

من مفارقات الحرب الروسية-الاوكرانية، التي مضى عليها عام، ان الطائرات الايرانية المسيرة (الدرونز) تحولت الى العنوان الابرز في الخطاب الغربي، واعلامه، والى قضية بمثابة “اتهام” لايران، برغم محدوديتها نسبيا، وبرغم ان خزائن الجيوش الاوروبية تكاد تفرغ في ظل خطوط الامداد المفتوحة على مصراعيها لدعم اوكرانيا في خوض المعارك على الجبهات.

++++++++++++++++++++++++++++++++

وصار من الواضح ان العلاقة بين إيران وروسيا، مهما كان حجمها وطبيعتها، تثير قلق الولايات المتحدة واسرائيل، فواشنطن تتهم طهران بتزويد موسكو بالعتاد العسكري في حربها مع اوكرانيا، بينما ترى اسرائيل فرصة مناسبة لتقويض اي اتفاق محتمل في الملف النووي الايراني، وهو ما يتجلى بالضربة العسكرية على مدينة اصفهان في 29 كانون الثاني 2023، اذ تندرج كما يبدو في اطار السعي لمنع التواصل العسكري بين ايران وروسيا، بالاضافة الى استهداف استقرار ايران من الداخل، واضعاف موقفها التفاوضي.

وبعدها بايام، وتحديدا في 10 شباط، اعلن الجيش لإسرائيلي مقتل ميشيل بارشت التي وصفت بانها مسؤولة التخطيط والإشراف والانتاج في سرب صيانة الطائرات في قاعدة تل نوف الجوية الاسرائيلية، نتيجة “حادث سير”. لم يتسن التأكد من مدى صحة الحادث، لكن مواقع ايرانية كانت نقلت عن مسؤول ايراني لم تحدده قوله ان ايران انتقمت لهجوم اصفهان، واسرائيل تدرك ذلك. وهو ايضا لم يحدد ماذا كانت طبيعة الانتقام. وفي 17 شباط، ذكرت تقارير اسرائيلية ان سفينة لشحن النفط، يمتلكها اسرائيلي، تعرضت لهجوم “انتحاري” من طائرة مسيرة تابعة للحرس الثوري الايراني، فيما يبدو انه جزء من الحرب السرية والانتقامية الدائرة بين الطرفين.

وكان مبعوث طهران لدى الامم المتحدة امير سعيد ايرواني، قال بعد هجوم اصفهان بايام، ان التحقيقات الاولية، تشير الى مسؤولية اسرائيل عن هجوم اصفهان. كما ان موقع “نور نيوز” المقرب من مجلس الامن القومي الايراني، ذكر ان المعلومات تشير الى ان قطع المسيرات والمواد المتفجرة التي استخدمت في الهجوم قد ادخلت من حدود اقليم كردستان في العراق، وذلك بطلب من احدى اجهزة الاستخبارات الاجنبية وبتعاون من الجماعات الكردية المعارضة التي تتخذ من اقليم كردستان العراقي مقرا لها مشيرا أن تركيبها نفذ في ورشة داخل البلاد.

ومن المعلوم ان اجهزة الامن الايرانية اعلنت مرات عدة خلال الشهور الماضية عن اعتقال خلايا تعمل لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي، كانت تخطط لعمليات تخريبية في مناطق حساسة داخل البلاد. كما نفذت القوات الإيرانية ضربات بمسيرات وصواريخ استهدفت مواقع تابعة للمعارضة الايرانية الكردية في اقليم كردستان العراقي.

المهم ان هجوم اصفهان يصب في اطار حرب الرسائل المتبادلة، ويحاول الاسرائيليون، والاميركيون بطبيعة الحال، اضعاف موقف طهران في اي استئناف مستقبلي لمفاوضات الملف النووي الايراني، والتضييق عليها، سواء من خلال العقوبات او من خلال محاولة عزلها سياسيا، وخاصة اوروبيا، حيث بدا ان عواصم اوروبية عديدة منهمكة حاليا بتداعيات الحرب الاوكرانية، اصبحت تتبنى “التهمة” الموجهة لايران بدعم موسكو عسكريا.

كما ان هذا الهجوم يحمل رسائل باتجاه روسيا لتصويرها بانها عاجزة لولا الدعم العسكري الذي تلقته من خلال الطائرات المسيرة. وفي هذا السياق، قالت صحيفة “يديعوت احرونوت” الاسرائيلية ان الغارة على اصفهان قد تكون استهدفت موقعا تطور فيه ايران بمساعدة من روسيا، صواريخ فرط صوتية، في اشارة للتاكيد على التنسيق العسكري بين طهران وموسكو.

المفارقة ان كل ذلك يحدث فيما تدفقت على مخازن الجيش الاوكراني اسلحة وذخائر واعتدة بعشرات مليارات الدولارات منذ بداية الحرب، وهو دعم ينتقل حاليا الى مرحلة تزويد الاوكران بدبابات ثقيلة ومدافع ضخمة وانظمة صاروخية متنوعة، في ظل النقاش الدائر حول ما اذا كان يجب على الغرب الانتقال الى مرحلة تزويد كييف بمقاتلات جوية حديثة.

واخذ هجوم اصفهان بعدا لافتا بعدما جرى التلميح الى تورط اوكراني في هجوم اصفهان، حيث قال المستشار في الرئاسة الاوكرانية ميخائيل بودولياك، ان الحرب تحاسب المتورطين والمتواطئين بشكل صارم، فهناك ذعر وتعبئة لا نهاية لها في روسيا، وليلة متفجرة ضد منشآت تصنيع طائرات مسيرة وصواريخ ومصافي نفط في ايران، حسب قوله.

وتعليقا على ذلك، ذكر موقع “نور نيوز”، ان موقف المسؤول الاوكراني يلمح لشراكة كييف في الهجوم. ولهذا، فان طهران استدعت القائم بالاعمال الاوكراني في ايران، بسبب هذه التصريحات.

وسبق لايران، من خلال وزارة خارجيتها، ان اعلنت منذ صيف العام الماضي، بعد ظهور التقارير التي تحدثت ان تزويد ايران للجيش الروسي بمئات الطائرات المسيرة، ان اكدت انها لا تتعاون مع موسكو في مجريات الحرب الاوكرانية، وان هذه الطائرات اشترتها روسيا قبل بداية الحرب في 24 شباط 2021. وفي هذا السياق، كرر المتحدث باسم الخارجية الايرانية ناصر كنعاني، القول في بداية شهر كانون الثاني الماضي، موقف بلاده من الحرب، قائلا “لسنا طرفا في الحرب الدائرة في اوكرانيا، والاتهامات ضدنا مضللة”، لان التعاون مع روسيا بدا ما قبل الحرب على اوكرانيا.

وكان من اللافت للنظر ان البرلمان الاوروبي صوت باغلبية (598 نائبا مؤيدا، مقابل 9 معارضين وامتناع 31 عن التصويت) على نص يدعو الى دراج الحرس الثوري الايراني على قائمة المنظمات الارهابية “نظراً لنشاطه الارهابي وقمع المحتجين وتزويد روسيا بطائرات مسيرة”.

وما يزال هناك تباينات في مواقف الحكومات الاوروبية من هذا النص، بينما وجهت ايران تحذيرا للاوروبيين بأنهم لو مضوا قدما بمثل هذا القرار، فسيكونون كمن يطلق النارعلى قدميه، حيث تؤكد طهران الى الحرس الثوري “منظمة سيادية ورسمية وتلعب دورا محوريا في ضمان امن ايران”.

يدرج بعض المراقبين قرار البرلمان الاوروبي في سياق محاولة لمواكبة الحركة الاحتجاجية التي شهدتها مدن ايران فيما يتعلق بقضية الحجاب، لكنه يعكس ايضا استياء اوروبيا من المسيرات الايرانية التي ساعدت بشكل او باخر في محافظة الجيش الروسي على تفوق جوي، بكلفة محدودة، في مواجهة جحافل الوحدات العسكرية الاوكرانية والاسلحة المدرعة التي تدفقت عليها من الغرب بكثافة.

لكن هناك من يقول ايضا ان حملة الاتهامات هذه حول المسيرات، وتهمة “الارهاب” ضد الحرس الثوري، هي ايضا تندرج في سياق الضغوط على الايرانيين في ملف المفاوضات النووية. ولقد كان من اللافت ان توقيت هجوم اصفهان تزامن مع زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن ال ثاني الى طهران، حيث قال وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان ان الضيف القطري سلمه رسائل من “اطراف الاتفاق النووي” تتعلّق بالمفاوضات بين طهران والقوى الدولية الكبرى بشأن اعادة احياء الاتفاق.

وكان الوزير القطري ابلغ عبداللهيان في تشرين الاول 2021، بان الجانب الاميركي مهتم بتبادل الرسائل وبجهود الاتحاد الاوروبي كمنسق للوصول الى اتفاق والعودة الى خطة العمل المشتركة لتطبيق الاتفاق.

لكن الاميركيين انفسهم اعلنوا عن مناورات ضخمة مع الاسرائيليين في 23 كانون الثاني الماضي، وصفت بانها محاكاة لهجوم على ايران، حيث قال قائد اركان الجيش الاسرائيلي افيف كوخافي، ان قواته حسنت جاهزيتها لضرب اهداف نووية ايرانية، بينما طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية، رفع ميزانيتها تحضيرا لمثل هذا الخيار، وذلك بزيادة استثنائية بلغت قيمتها 2.8 مليار دولار.

غارات على الحدود

بخلاف محاولة ضرب مجمع اصفهان، فان هجمات جوية تستهدف بين الحين والاخر، منطقة الحدود العراقية-السورية، كان اخرها سلسلة ضربات في 29 كانون الثاني والاول من شباط، واستهدفت قوافل، تقول وسائل اعلام اسرائيلة انها تحمل اسلحة. في اوائل تشرين الثاني الماضي، قال رئيس اركان الجيش الاسرائيلي افيف كوخافي، أن سلاح الجو الإسرائيلي شن غارة جوية استهدف قافلة زعم انها كانت تحمل اسلحة ايرانية متجه الى لبنان.

وفي موازة ذلك، تنفذ هجمات صاروخية بين الحين والاخر، على القاعدة الاميركية في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي في سوريا.

“شاهد-136”

تركز التقارير والاتهامات الغربية والاسرائيلية على الطائرة الايرانية المسيرة من طراز “شاهد-136” والتي يطلق عليها الروس اسم “جيرانيوم-2”. وهي مزودة براس حربي في مقدمتها (وزنه بين 30 الى 50 كلغ)، ويقول الغرب انها تستهدف محطات الطاقة الاوكرانية، وتحركات القوات الاوكرانية على الجبهات. ويبلغ عرض الطائرة 2.5 مترا، ومن الصعب اكتشافها بالرادار. وهي تعتبر خيارا كبديل لصواريخ الكروز الاغلى كلفة، حيث يعتقد ان الطائرة الواحدة كلفتها 20 الف دولار فقط. والطائرة قادرة على التحليف لمسافة 2500 كلم، وتبلغ سرعتها القصوى 185 كلم بالساعة. ومن المعتقد ان الروس استخدموها للمرة الاولى في 13 ايلول الماضي بهجوم على اهداف عسكرية في منطقة خاركيف، في الشرق الاوكراني.

دعم بالسلاح

من الاسلحة التي قدمتها المانيا لاوكرانيا، نظام الدفاع الجوي “ايريس-تي” ودبابات “ليوبارد 2” و30 دبابة دفاع جوي طراز “جيبارد”، ومدفعية طراز “هاوتزر 2000″، وقاذفات صواريخ متعددة من طراز “مارس 2”.

ونسق الالمان والاميركيون تزويد الاوكران بنظام بطاريات “باتريوت”. وارسل الالمان ايضا مركبات مشاة قتالية من طراز “ماردر”. وتعهد الاميريكون تقديم عربات جند من طراز “برادلي” ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع وقد الفرنسيون مركبات استطلاع كدبابات خفيفة من طراز “ايه ام اكس-10 ار سي”. ويعتزم الالمان تقديم الف قاذفة صواريخ و500 صاروخ ارض جو “ستينغر”. وكان الامريكيون قدموا ايضا كميات كبيرة من صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات، وزوارق دوريات وبنادق قنص ومحطات رادار مضادة لبطاريات المدفعية والصواريخ. ومنذ العام 2014 على الاقل، تقدم الدول الغربية دعما عسكريا سخيا لكييف.

الاستعداد للحرب ؟

قالت رئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال مؤتمر ميونيخ للامن في 18 شباط الماضي، ان دول الاتحاد الاوروبي والبيت الابيض والخزانة الاميركية جهزت عقوبات ضد روسيا قبل بدء الهجوم الروسي في اوكرانيا، وتحديدا منذ كانون الاول 2020. لكنها اضافت “كنا نامل الا نضطر الى استخدام هذه العقوبات”.

ومن جهته، قال الامين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ ان الحلف كان يستعد للصراع في اوكرانيا منذ العام 2014.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".