الرئيسية » اراء ودراسات » العالم يهرول نحو حتفه : التسلح الاكبر في تاريخ البشرية

العالم يهرول نحو حتفه : التسلح الاكبر في تاريخ البشرية

تتصرف البشرية بجنون مطلق وكانها تسير بوعي كامل نحو حتفها وهي تتسابق على اقتناء السلاح وانفاق مئات مليارات الدولارات سنويا على التصنيع والمتاجرة بارقام قياسية باحدث ادوات القتل والحروب، فيما العالم يشهد التزايد الاكبر بنسبة العوز ويتفاقم التفاوت بين الاثرياء والفقراء.

خليل حرب

++++++++++++++++++++++++++++++++++

في مفارقة لافتة للنظر، تتوالى خلال الشهور الماضية اخبار صفقات التسلح وزيادة الانفاق العسكري والمخصصات المالية للحروب، في الوقت الذي تقول فيه الامم المتحدة باسف ان اكثر من 1.3 مليار يعيشون حاليا في فقر “متعدد الابعاد” حول العالم، وان نصفهم من الاطفال والشباب بالرغم من وجود خطة عالمية للقضاء على الفقر بحلول العام 2030.

تحيل المؤسسات الدولية هذه الكارثة المتفاقمة الى عدة عوامل بينها تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية-الاوكرانية وتزايد شراهة الشركات العملاقة الى الربح حيث ازدادات شريحة اصحاب المليارات وتعززت بالتالي الفوارق بين الاثرياء والفقراء بشكل غير مسبوق، بما في ذلك في المنطقة العربية حيث يقدر البنك الدولي نسبة الفقر في لبنان باكثر من 56%، وفي اليمن بحوالى 80%، وفي تونس 21%.

وبالاجمال، تشير التقديرات الى ان نحو نصف الفقراء في العالم، يعيشون في خمس دول فقط هي الهند ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية واثيوبيا وبنغلادش. وفي الوقت نفسه، فان “افقر دول العالم” بحسب مجلة “غلوبال فاينانس” هي بوروندي، وجنوب السودان وافريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية والصومال.

لكن ذلك لا يعني ان ظاهرة الفقر تقتصر على هؤلاء. تقديرات البنك الدولي تقول ان جائحة كورونا وجهت اكبر صفعة لجهود العالم للحد من الفقر منذ العام 1990، وان الحرب الاوكرانية تنذر بان الاوضاع ستزداد سوءا، حيث دفعت جائحة كورونا باكثر من 70 مليون شخص الى براثن الفقر المدقع خلال العام 2020، وهي اكبر زيادة في عام واحد منذ ان بدات احصاءات اوضاع الفقر في العالم في العام 1990، وان مستويات التفاوت وعدم المساواة في العالم ازدادت للمرة الاولى منذ عقود.

ماذا خلف هذه الارقام ايضا؟ تقول الامم المتحدة ان واحدا من كل خمسة اطفال يعشون في فقر مدقع. ولم يستفد 55% من سكان العالم، اي اكثر من 4 مليارات انسان، من اي شكل من اشكال الحماية الاجتماعية. وهناك ايضا ان 10% من سكان العالم، يعيشون باقل من 1.9 دولار يوميا.

ولهذا، فان السؤال الذي يتبادر الى الذهن الان، هو اي عالم نعيش فيه؟ فيما هذا العالم يتجاهل هذه الفاجعة المتزايدة، ولا يجد حرجا في انفاق اكثر من 2.113 تريليون دولار لاغراض عسكرية. لكن المفارقة ان الافراد يتنافسون مع الحكومات في النفقات ذات الطابع العسكري، حيث تقول منظمة “سمول ارم سيرفي” التي تتخذ من جنيف مقرا لها، وتكافح من اجل الحد من انتشار الاسلحة الفردية، انه استنادا الى مسح عالمي شمل 133 دولة، ان من بين اكثر من مليار قطعة سلاح فردي موجودة في العالم، هناك 857 مليون قطعة (80%) بايدي مدنيين، بينما وقفز استحواذ المدنيين على السلاح الفردي من 650 مليون قطعة في العام 2006، الى 857 مليون قطعة في العام 2017.

في لبنان مثلا، بحسب نفس المنظمة السويسرية، هناك نحو مليوني قطعة سلاح فردي، بنسبة 31 قطعة سلاح لدى كل 100 شخص. وهناك 53 قطعة لدى كل 100 يمني، و39 قطعة سلاح لدى كل 100 مواطن في مونتينيغرو وفي صربيا، و35 في كندا والاوروغواي. وفي اسرائيل، تقول المنظمة، ان هناك 290 الف قطعة سلاح فردية مسجلة رسميا، و267 الف قطعة غير مسجلة.

وتظهر الارقام ان الولايات المتحدة، الاكثر تصديرا للسلاح في العالم، هي ايضا الاكثر تفلتا داخليا في انتشار السلاح الفردي ايضا. فهناك 121 قطعة سلاح لدى كل 100 اميركي. وبينما هناك ما يقدر بما بين 393 مليون قطعة الى 420 مليون قطعة في الولايات المتحدة التي تعتبر الاكثر استحواذا على الاسلحة الفردية في العالم، برغم انها لا تشكل سوى 4% من عدد سكان الكرة الارضية. وبحسب باحثين في جامعتي هارفارد ونورث ايسترن، فان عدد ملاك قطع السلاح زاد 20 مليون شخص منذ العام 2015 عندما كان 55 مليون شخص، ليصبح المجموع 75 مليون شخص. وقال 16 مليون اميركي في العام 2019 انهم يحملون السلاح بشكل علني، وهو فعليا ضعف الرقم المسجل في العام 2015.

تتنافس الدولة والشعب على اقتناء السلاح. في بداية شهر كانون الاول 2022، كان مجلس النواب الامريكي يقر مشروع قانون لانفاق عسكري قياسي، يسمح بوصول ميزانية الدفاع الى 858 مليار دولار، وهي اكبر من الميزانية التي اقترحها الرئيس نفسه جو بايدن ب45 مليار دولار.

معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام “سيبري”، كان قد اعلن في نيسان الماضي، ان المبيعات العالمية للاسلحة لم تتباطا بالرغم من جائحة كورونا لتصل لمستويات غير مسبوقة، اذ باعت مائة شركة رائدة في مجال الصناعات العسكرية اسلحة بما لا يقل عن 531 مليار دولار خلال العام 2020، وانه للمرة الاولى يتجاوز حجم الانفاق العسكري عالميا 2 تريليون دولار في العام 2021.

وهذا طبعا، قبل ان تبحث العديد من الدول حول العالم زيادات كبيرة في انفاقها العسكري، بما فيها المانيا واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وايطاليا والعديد من دول اوروبا، خاصة في ظل اندلاع الحرب الاوكرانية. وقال معهد ستوكهولم “حتى في وسط التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، فقد وصل الانفاق العسكري العالمي إلى مستويات قياسية”، وان اكبر خمس دول انفاقا هي الولايات المتحدة والصين والهند وبريطانيا، بالاضافة الى روسيا التي تزايد انفاقها العسكري بنسبة 2.9% ليصل الى 65.9 مليار دولار. اما الصين فقد نما انفاقها الدفاعي بنسبة 4.7% ليصل إلى 293 مليار دولار، وهو العام الـ27 على التوالي من النمو.

وبحسب الاحصاء نفسه، فان انفاق اليابان زاد بنسبة 7.3% ليصل إلى 54.1 مليار دولار، وهي أكبر زيادة منذ العام 1972، بينما ازداد انفاق استراليا عسكريا بنسبة 4% ليصل الى 31.8 مليار دولار. ومعلوم ان رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، امر قبل ايام بزيادة ميزانية بلاده الدفاعية للسنوات الخمس المقبلة الى 43 تريليون ين، بواقع 318 مليار دولار (من 203 مليارات دولار).

واستنادا الى معهد ستوكهولم ايضا، فان اكبر 100 شركة سلاح في العالم، باعت اسلحة وخدمات للقطاع العسكري باجمالي 592 مليار دولار في العام 2021، بزيادة قدرها 1.9% مقارنة بالعام 2020.

ومن المهم الاشارة الى ان هذه الزيادة المسجلة، تستند على ارقام ما قبل اندلاع الحرب الاوكرانية، واشتعال صفقات السلاح وتدفق مئات الاف الاطنان من العتاد والذخيرة نحو الحدود الاوكرانية، اتية من الولايات المتحدة والدول الغربية والمنضوية في حلف الناتو، دعما للجيش الاوكراني، ما يعني ان فاتورة الانفاق العسكري وصفقات شركات السلاح، اكبر من رقم الى 592 مليار دولار، بكثيرن ولم يتم تحديدها حتى الان، علما بان الدول التي كانت اكثر سخاء في فتح مخازنها للقوات الاوكرانية، ستكون مضطرة الى التحرك سريعا من اجل اعادة تجديد مخزوانتها من السلاح والذخيرة.

نقطة اخرى مرتطبة بالحرب الاوكرانية، تتمثل ايضا في ان الدول المجاورة او المرتبطة بالنزاع، تجد نفسها في ظل تدهور المناخ الامني، مدفوعة بالحاجة الى العمل على شراء او تصنيع المزيد من الاسلحة، ما يعني ايضا مضاعفة في الفواتير العسكرية عالميا.

وتهيمن الشركات الاميركية على سوق انتاج الاسلحة العالمية، وتمثل اكثر من نصف المبيعات العالمية (او 299 مليار دولار). وازدادت مبيعات اكبر ثماني شركات اسلحة صينية بنسبة 6,3% في العام 2021 الى 109 مليارات دولار. واصبحت الشركات الاوروبية تمثل الان 27 من اصل اكبر 100 شركة، ويبلغ حجم مبيعاتها 123 مليار دولار، بزيادة 4.2%.

في ظل هذه الاجواء، ليس غريبا ان تعلن وكالة الدفاع الاوروبية في 7 كانون الاول الماضي، ان الانفاق العسكري الاوروبي تجاوز في العام الماضي، للمرة الاولى، 210 مليارات دولار، تعادل 1.5% من اجمالي الناتج المحلي للدول الاعضاء في الوكالة، البالغ عددها 26 دول، ليصل الى 225 مليار دولار، مشيرة الى ان الدول التي سجلت اعلى زيادة في انفاق الدفاع كانت ايطاليا وفنلندا واليونان وسلوفينيا، وانه بناء على تصريحات الدول الاعضاء فيما بعد اندلاع الحب الاوكرانية، توحي بانه من المرجح استمرار الزيادات في الانفاق خلال السنوات المقبلة.

يذكر ان المانيا، وهي تمثل الاقتصاد الاكبر في اوروبا، عمدت الى ادخال تغييرات جذرية في سياستها الامنية والدفاعية التي اتسمت منذ عقود بالحذر والتوازن، بعد اندلاع الحرب الاوكرانية، حيث اعلنت عن تخصيص 100 مليار يورو اضافية لتحديث الجيش الالماني، بالإضافة إلى التزام الحكومة بزيادة الإنفاق الدفاعي السنوي من حوالي 50 مليار يورو الى  نحو 70 مليار يورو سنويا، بحيث يصل الى 2% من الناتج المحلي الاجمالي بحلول العام 2024.

السلاح والتلوث

ذكر تقرير للمعهد الوطني العابر للحدود “تي ان اي” في امستردام، ان الدول الاكثر ثراء في العالم تنفق على القوة العسكرية اكثر من 30 ضعفا مما تنفقه على معالجة ازمة المناخ، مضيفا ان الدول الاكثر تلويثا انفقت 9.45 تريليون دولار على قواتها المسلحة بين عامي 2013 و2021، بالمقارنة مع ما يقدر بـ 243.9 مليار دولار لتمويل المناخ للبلدان الاكثر ضعفا في العالم، فيما زاد الانفاق العسكري بنسبة 21.3 % منذ العام 2013.

ويعتبر التقرير ان “كل دولار ينفق على الجيش لا يزيد فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ولكن يحول ايضا الموارد المالية والمهارات والاهتمام بعيدا عن معالجة احد اكبر التهديدات الوجودية التي واجهتها البشرية على الاطلاق”.

اسرائيل والسلاح

ذكر موقع “عربي 21″، نقلا عن اوساط عسكرية اسرائيلية، ان شركات تصنيع الاسلحة في اسرائيل ابرمت المزيد من صفقات الاسلحة خلال الفترة الماضية، بمستويات غير مسبوقة، حتى ان ثلاثة منها مسؤولة عن 2 % من اجمالي صفقات السلاح في العالم، مما جعلها تحطم أرقاما قياسية اضافية، وبقيت هذه الشركات على قائمة اكبر 100 مصدّر، وسجلت نموا بنسبة 3٪ في المبيعات، بقيمة اكثر من 11 مليار دولار، حتى قبل دخول صفقات الاسلحة الرئيسية عقب حرب اوكرانيا حيز التنفيذ.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".