الرئيسية » افتتاحية » لولا سليماني …

لولا سليماني …

يدهش هذا الرجل الكثيرين، ويغيظ بالقدر ذاته دولا وممالك وحكومات وتنظيمات تكفيرية. تكرهه اسرائيل، ويتمنى الاميركيون لو انه يختفي من الوجود.

تارة تجده في آمرلي ويحررها من قبضة الارهاب. ثم تجده عند ابواب تكريت واربيل وكركوك وبغداد. مسعود البرزاني قالها صراحة لولا ما فعلته طهران سريعا، لسقطت اربيل. وفي العراق، يقولون انه لولاه، لضاعت بغداد وكربلاء والنجف وسامراء كما ضاعت الموصل وغيرها. ويقولون ايضا انه لولاه، لكانت “داعش” على حدود الكويت وايران.

ثم تراه في اليوم التالي عند ابواب دمشق وحلب واللاذقية وبيروت. اليوم تتوارد تقارير عن مجالسته رؤساء ورجالات دولة، من هنا الى طهران وموسكو، ثم تراه في اليوم التالي يجلس القرفصاء الى جانب الجنود والمقاومين يعانقونه ويلتقطون الصور معه.

ثم يختفي. كأنه طائر، تارة على جبهة في العراق، وتارة اخرى في ريف حلب. “مهندس محور المقاومة” يصفه احدهم. ليس عجبا ان حير الاميركيين عندما تحداهم في العراق، وعرقل جموحهم السوري، وثبت صلابة المقاومة في لبنان وفلسطين، وهو يعانق الشهيد ثم ابن الشهيد.

كثيرون هم رجالات الحروب الدائرة في مشارق هذه الارض ومغاربها. كثيرون رحلوا، وسجلوا اسماءهم، وكثيرون ما زالوا، هنا وهناك، يعملون بصمت ولا تعرفهم سوى قلة من الناس. لم تكن مشيئة هذا الرجل، الصامت غالبا، ان يصعد الى واجهة الاعلام. كانت الناس تهمس باسمه واخباره بخفر. سنواته الطويلة في قيادة “قوة القدس” فتحت شهية الاعلام العالمي لتتبع خيوط وشذرات من حياته ومهماته .. وبأسه.

تارة هو في حضرة السيد علي خامنئي، او السيد حسن نصرالله، وتارة اخرى عند ضريحي عماد وجهاد مغنية، ثم تتوارد انباء انه قرب القنيطرة، وفجأة يتبين انه في موسكو او طهران ويتابع منسقا لحظة بلحظة لمسار التناغم الايراني –الروسي- السوري المتصاعد.

قاسم سليماني لا يهدأ، من جبهة الى أخرى. يشيع على من حوله الطمأنينة والثقة. في لحظات اشرس المعارك، يحتفظ بابتسامة لا تفارقه. يثبت بذلك اقدام الرجال وبنادقهم. ويروى عنه انه اثناء تواجده في غرفة العمليات العسكرية لحلب، يلتزم بهدوئه، والاهم الطمأنينة فيما يتابع سير المواجهات مع اشرس عصابات التكفير والارهاب، بما في ذلك المسلحين من الشيشان والعرب المدعومين بكل اشكال السلاح والمال، من تركيا الى السعودية وقطر، في مقابل محور سوريا، ايران، “حزب الله” وروسيا.

وبرغم اتساع الجبهات وتعددها، يتابع ادق التفاصيل، يخطط، يحدد الارشادات للهجوم، ويكتفي بساعات نوم قليلة. ويروى عنه انه يطلب فجأة الخروج الى الميدان، او تراه يسير منفردا في مناطق حلب كأنه يحفظ تضاريسها وطرقاتها ومحاورها. واحيانا لا يأبه لاشتعال جبهة، وتراه على خط النار الامامي.

وهناك، في هذه الجبهة او تلك، يفترش الارض ويخرج خريطة صغيرة ترافقه دائما ويستمع الى تقديرات الموقف من القادة الميدانيين مباشرة ثم يعطي التوجيهات اللازمة. وبرغم خصوصية وضعه الامني، يستجيب لمن يرغب من الجنود والمقاومين والقادة، بالتقاط صورة معه. قائد “قوة القدس” لم يتعود ان يكون اسير المكاتب. الالتصاق بالمقاومين، صارت حرفته الكاملة.

كما مرة فاجأ المقاومين بظهوره عند مواقعهم وهو يقود دراجة نارية. هكذا بكل بساطة. هذا الذي يشعر من حوله كأنه يقود حربا عالمية دفاعا عن اهل المنطقة وشعوبها، يخالط المقاتلين في جبهاتهم، واذا سقطت بالقرب منه قذيفة، كما جرى معه فعلا، يبدي خشيته على من هم حوله وهم في انشغالهم الاكبر عليه.

اكثر من 700 كيلومتر مربع جرى تحريرها في حلب وريفها خلال الاونة الاخيرة، بينها 450 كيلومتر مربع في الريف الجنوبي وحده، بما يشمل عشرات القرى والبلدات. هؤلاء، من هم هناك، الجنود المجهولون في الجيش والمقاومة، يدركون ان صاحب الاعصاب الحديدية هذا، لعب دورا كبيرا في هذه النجاحات العسكرية.

على لائحة “الارهاب” الاميركية هو. وفي الاعلام الغربي له الكثير من الالقاب، من بينها “اله الانتقام” “قائد الظل” و”فارس الظلام”. قليلون يجيبون على السؤال التالي:ماذا لو كانت سقطت بغداد ودمشق؟ قلة على ما يبدو تدرك المخاطر الحقيقة لذلك. وبهذا المعنى، فان وجوده على مختلف الجبهات له ما له من معان وتأثيرات. ولم يعد غريبا ان تطلق ابواق المحور الاقليمي الدولي المعادي العديد من الاخبار حوله، واخرها ما راج عن اصابته بجروح.

واثناء تواجده في احد الخطوط الامامية سقطت عدة قذائف هاون خلال قصف المسلحين للميدان بشكل روتيني، وكان يتواجد هناك بالصدفة لكنه لم يصب بأذى وتابع جولته كالمعتاد. ولما نصحه البعض بالغاء جولته رد مبتسما كعادته “نحن لسنا أفضل من الاخوان في الخطوط الامامية”، قائلا “قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا”.

(مقال قبل استشهاد سليماني)

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".