الرئيسية » Uncategorized » يارا بوريللو.. مخرجة إيطالية لبنانية تناشد الإنسانية بأفلامها عن اللاجئين

يارا بوريللو.. مخرجة إيطالية لبنانية تناشد الإنسانية بأفلامها عن اللاجئين

شاهد الجميع الحرب على الشاشات في ذلك اليوم كما يشاهدونها كلّ يوم.. انتهت نشرة الأخبار واتجه كل إلى حاله بعدما عربدوا بالكلمات.. إلا الذين ذاقوا طعم الحرب لزموا الصمت وتوقفوا عن العربدة حتى والصراخ.. فهم الوحيدون الذين يعلمون ألم جرحهم وعمق مأساتهم. هم الوحيدون الذين يجيدون قراءة وتحليل لوحة الدّم.. هم الوحيدون الذين اختلطت دموعهم بدمائهم فشربت الأرض من مزيج الكأس حتى ثملت.

أبناء الحرب يعلمون صورة الهلاك والخراب بجميع ألوانها وهم الذين شهدوا على فكرة العدم المبهمة على قطعة من أديم الأرض. هم الذين شهقت أرواحهم حين هُدّمت بيوتهم التي احتوت ذكرياتهم وطفولتهم ولعب أطفالهم وطاولات إفطارهم وسهرات الليل الطويلة التي تعالت فيها ضحكاتهم.

أبناء الحرب الفارّين من الخراب إلى الخراب تاركين أرجوحة الحي ملطّخة بالدماء وبضع أقدام ورؤوس تحت الأنقاض غشاها الموت وغبار رماديّ أخفى ملامحها.

أمّا هي فكانت ترفض أن تصيب إنسانيتها الجمود وكانت ترفض أن ينسى الناس هذه المشاهد اليومية. فهي ترى أنّ تعوّد هذه المشاهد ودخولها حيّز الاعتياد نسيانا في حدّ ذاته وخيانة الإنسان لأخيه الإنسان.. تنقّلت بين المخيمات لتشاهد ارتجاف أبناء الحروب من البرد ووجوهم المغشي عليها في الحرّ.. تنقلت في مخيمات اللاجئين الفارين من الموت وشهدت على قصادير المياه المعكرة التي يشربون منها.. شاهدت الأطفال وقد ودعوا غرفهم وأسِرّتهُم الآمنة وأدراج الألعاب وشاهدتهم وقد ودعوا صفوف المدارس والقلم والكتاب.

يارا بوريللو مخرجة لبنانية إيطالية اختارت أن تُبقي شعور الإنسانية حاضرا وحيا في نفوس الناس وأرادت منهم ألا ينسوا ونقلت مأساة اللاجئين عن طريق أفلامها الوثائقية. لعلها أرادت أن تقول :”هذا إنسان مثلكم كانت له حياة كان له بيت وكانت له أحلام وطموحات وحكايات من الحب ماتت تحت الأنقاض”.. نحن “الجالية نيوز” التقيناها كما هي في حلتها الإنسانية، فكان لنا معها الحوار التالي:

 

 

أفلامك عن اللاجئين هي مرآة يارا بوريللو اللاجئة إنسانيا.. اللاجئة فنيا التي تجوب بين المخيمات عمّا تبحث وماذا تريد أن تجد؟

 

-أحاول من خلال أفلامي أن أذكّر الناس التي تعيش بأمان أن هنالك على الطرف الآخر من الكرة الأرضية أناسا أفقدتهم الحروب كل معنى للحياة .. لعلي أجرّب ألا ينسى الناس مأساة هؤلاء.. أن يشاهدوا من خلال الوثائقي عمق الضرر الذي يلحق بهم.. الذين يخسرون بيوتهم التي أفنوا أعمارهم وأموالهم لبنائها واحتواء عائلاتهم بين جدرانها.. البعض ينسى إنسانيته وهذا في حدّ ذاته كارثي.. لا فرق بيننا وبينهم ولا شيء يفرقنا لا اختلاف الدين ولا المعتقد ولا اختلاف الجنسية ولا اختلاف اللغة أو اللون.. كل ما يجمعنا هو الإنسانية.. كم يحزنني أن أفكر مجرد تفكير أن اللاجئين في المخيمات منسيّون ومحرومون من أبسط حقوق الحياة الإنسانية.

 

يارا فيلمك “بيت بيوت” الذي شارك في مهرجان “كان” السينمائي وحاز على جائزة أفضل فيلم قصير ضمن فعاليات مسابقة جوائز لندن للفيلم المستقل والذي جسد معاناة الفنان العراقي “سلام عمر”.. هل لك أن تحدثينا عن رؤيتك كمخرجة عن تأثير الحرب على الفنان وعلى ملكة الإبداع فيه؟

 

-اخترت الفنان العراقي سلام عمر لأجسد قصته في الوثائقي “بيت بيوت” لأني رأيت من خلال فنّه تأثير الحرب على الفنّان والذي هو إنسان بالنهاية ولكن يختلف التعبير عن المأساة عنده عن بقية اللاجئين.. سلام نموذج للفنّان الذي يعبّر عن ألمه ويخرج ما بداخله من معاناة من خلال الفنّ.. خسر بيته بالعراق فانتقل إلى سوريا وقام ببناء بيت جديد وحياة جديدة هناك فهدمت الحرب مرة أخرى ما بناه ولجأ إلى لبنان  محطّم الآمال ولكنه لازال يطمح أن يحقق نفس الحلم مرة أخرى وهو بناء بيت جديد.. ذكريات أليمة ومشاهد مرعبة قد لا يكفي الكلام ولا يشفي حين الحديث عنها فاختار من خلال موهبته أن يعبر عما عاشه  بتعمير بيوت صغيرة وملئها بال”ليغو” وتكسيرها.. وهو ما يصور حجم المأساة.

 

في آخر المطاف المحور الرئيسي لأعمالك الوثائقية يدور حول شخصية عالمية وجدلية بامتياز وهي شخصية اللاجئ.. أيّ بعد إنساني تفتقده التجاذبات السياسية في علاقة بمسألة اللجوء؟

 

-أنا أرى أنّ هذه التجاذبات السياسية والمعارك التي جعلت اللاجئ ككرة يرمي بها كل طرف إلى الآخر حسب مصالحه تحمل الوجه السّمج للعنصرية والتمييز أمام ما يعانيه المهاجرون واللاجئون.. هذه الأطراف التي تتجاذب وتنقسم لأجل قضية اللجوء تقيم الحروب في بلداننا ثم تطردنا إذا هربنا مّما سببوه لنا باحثين عن الأمان. السؤال المطروح.. أين سيذهب هؤلاء؟ إلى أين سيفرون بعدما عُدمت أسباب الحياة كلها في بلدانهم..يجب أن تتوقف هذه الأطراف عن سياسة العنصرية والتمييز وأن تتخذ قرارات جدية وإنسانية  في احتواء اللاجئين الذي هو واجب على كل بلد يؤمن بالإنسانية قبل كل شيء.

 

بطبيعة الحال أنت لامست القضية عن قرب عن طريق أفلامك ولا نشكّ في حتمية تعاطيك المباشر مع المخيمات.. لو أُتيحت لك الفرصة لتكوني صاحبة القرار ما الذي يمكنك تقديمه ولم يقدمه الآخرون؟

 

العالم بالنسبة لي يجتمع ويتعايش تحت مبدأ الإنسانية  ولو أني صاحبة القرار لتصرفت مع اللاجئين كإنسان يحتاج مثلي تماما ومثل أي إنسان إلى حقوقه في الأرض وفي الأمان وفي التعليم وفي الصحة لأن الذين يتعاملون مع قضية اللجوء الآن لا يتعاملون مع اللاجئين كبشر لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها أبنائهم.. هنا في مخيمات اللاجئين بلبنان مثلا الفلسطينيون ليست لديهم أي حقوق مما يتمتع بها المواطنون اللبنانيون..لا صحة ولا تعليم ولا عمل يستطيعون من خلاله العيش بكرامة.. وهذا يدخل في إطار العنصرية والتمييز الذي أرفضه رفضا تامّا.. الوضع الذي يحاصر اللاجئ الآن كارثي للغاية وهو أشبه بالسجين الذي يوضع في زنزانة مغلقة معدومة فيها الحرية ومنتهكة فيها الحياة.

 

 

حوار نسرين بكّارة

(موقع الجالية نيوز)

 

 

http://www.jalyanews.com/2018/07/15/%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%84%D9%84%D9%88-%D9%85%D8%AE%D8%B1%D8%AC%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84/

 

عن جورنال