يهاجمنا الغرب كثيرًا ولأسباب متعددة، وبعض أدواته للأسف عربية. وهذا الهجوم يأتي من منظمات المجتمع المدني والحكومات والأحزاب والشخصيات السياسية السابقة والحالية. ويتداخل في هذا صراع المصالح والحسابات المحلية والدولية.
جزء من هذا الهجوم، وهو يسير، لا يرتبط بمصالح أو منافع، بل ينطوي على عمل ونهج مستمر، ويطال كل الدول؛ فمنظمات المجتمع المدني في أوروبا تنتقد بشراسة دولها الأوروبية والولايات المتحدة والدول كافة. وبالرغم من اختلافي مع بعض ما تطرح هذه المنظمات، إلا أنني لا أتحسس منها كثيرًا، وهذا لا يعني أنها بريئة كليًا أو أنها بمعزل عن مصالح الغرب الإستراتيجية وأطماعه، أو أن الحكومات الغربية لا تؤثر فيها بطرق خفية ومعقدة، وفي غاية المكر والخبث.
على العكس، نحن واعون لهذا المكر وهذا الخبث. لكن من المهم أن نعرف هذا التوازن بين التوجهين، النهج المعتاد والمستمر من جهة، والنهج الموجه من جهة أخرى، في عمل هذه المنظمات. وهذا أمر في غاية الضرورة، لنكون موضوعيين، متوازنين، أولًا، ولكي نحدد الطرق المُثلى للتعامل معها ثانيًا.
أما الجزء الأكبر من هذا الهجوم فهو مقصود وموجه، من قبل أطراف مهمة، وله وظائف مصلحية كبرى ويسير ضمن خطط إستراتيجية، وهو يستهدف الضغط على الدولة، ويستهدف الهزيمة النفسية للقيادات الوسطى في السعودية، التي يقوم عليها عمل كبير. ويستهدف جزء آخر الرأي العام السعودي ليكون مهزومًا، خاذلًا مخذولًا، متشككًا في التغييرات الإصلاحية التي تعيشها بلاده المهمة المحورية على أصعدة عدة. يجب أن نتذكر أن شراسة هذا النوع من الهجوم وضراوته هي انعكاس لتزايد مكانة البلاد ونفوذها، وانخراطها في الدفاع عن مصالحنا ومصالح الأمتين العربية والإسلامية.
فإذا انهزمت القيادات الوسطى اهتز عملها، وهذا الاهتزاز يؤثر في البنية التحتية لعملية اتخاذ القرار في الدولة وفي عملية تنفيذه. وإذا انهزم الرأي العام السعودي، أصبح غير متعاون في عملية الإصلاح القائمة، وأصبح عرضة للتجاذبات والقلاقل والاستقطاب الحاد. وهذا يخلط الأوراق، فيبرز لنا توجهات، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. ويظهر عليها أنها متجذرة في المجتمع وسياقه التاريخي والثقافي والحضاري، إلا أنها في واقع الأمر طارئة ولا جذور لها، وهمية أفرزها الاضطراب. أما اختراق الأعداء لهذه التوجهات الوهمية الطارئة فأسهل بكثير من اختراق التوجهات المتجذرة، وهذه مصلحة أخرى للذين يقفون خلف الهجوم الشرس.
أخطر نتائج التوجهات الوهمية الطارئة هي بث الشك والريبة في زوايا المجتمع الأربع، فيشك الجميع في الجميع، ويتوتر النقاش، ويتطرّف الجدل. ولذلك، فإن أول جهد نقوم به كأفراد هو إحسان الظن وتلمّس العذر، ومعاملة كل قضايا الوطن التي لم تكتمل ملامحها بعد، معاملة العرب للغائب: عُذر هذه القضايا معها حتى تعود وتظهر مكتملة الملامح.
ومع هذا، هناك 3 واجبات مقدسة، يجب أن نراعيها بأعيننا:
أولًا: يجب ألا يختطفنا الهاجس الدفاعي، أو هاجس المؤامرة، فنحيد عن الطريق الصحيح: الهدوء والثقة بالنفس، استغلال طاقاتنا كافة من أجل حماية مصالحنا، والصبر ساعة على مجالدة الصعاب وتحمل الأذى، في سبيل تقدم بلدنا ورفعته. فلا نُختطف فنغير من خططنا وأولوياتنا وتوزيع طاقاتنا وصرف مواردنا.
ثانيًا: يجب ألا ننسى أن التوضيح والشرح ومكابدة المشقة في هذا، هي أمور في غاية الأهمية، دون أن نرمي كل ما في أيدينا لنتفرغ للدفاع، أو نتشنج فيه، وتتطاير الحناجر في معارك كلامية لا طائل منها. ويجب أن يكون دفاعنا موضوعيًا، واقعيًا، متوازنًا، وقبل كل شيء: هادئًا ومكينًا. ونتكئ في دفاعنا على أخلاقنا وقيمنا وتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا.
ثالثًا: يجب ألا نتغافل عن مواضع التقصير لدينا، وعلينا أن نحول تحدي الهجوم علينا إلى فرصة لتتبع مواضع الخلل ومعالجتها. فلنحول خصومنا، خصوصًا جارتنا العزيزة المتورطة في الهجمات الغربية بأقلامها المستأجرة ولوبياتها المُتخَمة، إلى مندوبي بلدية في إحدى مدننا، يخبروننا بتقصير ذلك المطعم، وتلاعب ذلك المسلخ.
توضيح هذه الواجبات الثلاثة ومناقشتها هو أمر على قدر عالٍ من الخطورة. وأنا أزعم أنها عماد التوازن، ومن المهم بمكان أن نسعى للتوازن في فعلنا وفي ردة فعلنا. غياب التوازن أدعى بأن يُغمَّ على رؤيتنا وتُبددَ قدراتنا ونُؤخذ من مكان صعب وموقف صعب، إلى ما هو أصعب. كما أن تكرار إرسال هذه الرسائل هو أمر مهم أيضًا، وبأساليب مختلفة في كل مرة، تتناسب مع الخلفيات المختلفة والآراء المتعددة التي يتمتع ويتميز بها مجتمعنا.
كيو بوست – الدكتور السعودي منصور المرزوقي
https://www.qposts.com/السعودية-والغرب-مقدمة-حول-الهجوم-الغر/