انعقد في بيروت مؤتمر تحت عنوان “اندحار الارهاب في المنطقة وتاثيره على القارة الافريقية”، برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واشراف المديرية العامة للامن العام، وذلك يومي 26 و27 تشرين الثاني 2018، بمشاركة نخبة من المسؤولين والخبراء الامنيين من افريقيا ولبنان والباحثين اللبنانيين، مقدما في ختامه مجموعة من التوصيات تتمحور روحيتها على خطط العمل الممكنة بين اللبنانيين والافارقة لمواجهة هذا الخطر الذي لم يعد يعرف حدودا.
++++++++++++++++++++++++++++++++
وتحت شعار “معا في مواجهة الارهاب”، خلص المؤتمر الى اربع توصيات رئيسية، بعد نقاشات ومداخلات على مدى يومين، توجهها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بكلمة ختامية للوفود الافريقية التي مثلت 12 دولة، قال فيها لقد استقبلتكم منذ يومين كاصدقاء ولكن اشعر اليوم انني اودعكم كاشقاء جميعا على امل اللقاء في الاتي من الايام. وتابع اللواء ابراهيم لقد لاحظت في اللقاءات الانفرادية مع كل وفد ان لديكم قلق على مستقبل افريقيا ولكم الحق في ذلك فافريقيا هي القارة الاخيرة التي تختزن الكثير من الثروات وهذا مدعاة قلق لكم جميعا، لكني بكل تواضع اضع جميع امكانيات المديرية وخبراتها في تصرف اي دولة افريقية، كل الخبرات بتصرفكم للحفاظ على امنكم واستقراركم. ولفت اللواء ابراهيم الى ان هذا ليس كرما بل واجب وواجبنا ايضا الحفاظ على امن واستقرار الدول التي احتضنت اللبنانيين لاكثر من 150 سنة.
وردا على سؤال احد الحاضرين حول تعريف الارهاب، قال اللواء ابراهيم “هناك ضياع حول تعريف الارهاب وهذا الضياع مقصود في كل الكرة الارضية. هناك نوعان من الإرهاب، ارهاب ترهب فيه عدوك وهذا حق لك وواجب عليك، وارهاب ترهب به الناس الابرياء، وهذا منتهى الانحطاط الاخلاقي والعقائدي”. واكد اللواء ابراهيم، “نحن مع الارهاب الاول، نحن مع مقاومة اي عدو اينما وجد”.
وتابع اللواء عباس ابراهيم “هذه ليست تهمة، هذا شرف ندعيه. كل من يحاول او حاول ان يغزو لبنان او ان يخضع الشعب اللبناني، نحن مع مقاومته وارهابه ولكم ان تستخدموا كل المسميات، وهذا فخر لنا”. واضاف “اما ان نرهب الناس الابرياء ونعتدي على حقوقهم، ونعتدي على اولادهم في المدارس، وعلى العمال في المعامل، ونقتلهم لمجرد القتل او لمجرد الاختلاف الفكري والعقائدي فاعود واكرر، ان هذا هو منتهى الانحطاط الفكري والعقائدي”.
واشار اللواء ابراهيم الى ان “الارهاب له تعريف ضائع لانه يستعمل في اجندات الدول الكبيرة وهذا ما لن نسمح به رغم تواضع امكانياتنا”.
وكان المؤتمر افتتح في فندق “فور سيزونز”، بكلمة رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر العميد الركن رياض طه رئيس مكتب شؤون العديد مجيبا عن السؤال الذي يطرح من قبل الجميع لماذا القارة الافريقية ؟؟ مؤكدا ان الارهاب لا دين له وانه قد تفشى بشكل كبير في دول القارة الافريقية مشكلا حزاما ارهابيا مازال يهدد لبنان ودولنا العربية مما يترتب علينا زيادة التعاون مع دول القارة الافريقية لاستخلاص استراتيجية مشتركة في مكافحة الارهاب، مضيفا ان افريقيا قارة شقيقة يجمعنا بها كلبنانيين علاقات تاريخية وطيدة، وفيها واحدة من اكبر الجاليات اللبنانية في الخارج.
ثم تحدث رئيس المجلس القاري الافريقي عباس فواز حول اهمية المؤتمر وان اللبنانيين في افريقيا يشعرون انهم في وطنهم الام حيث يقومون بتنمية البلدان الافريقية التي احتضنتهم لذلك يجب ان نعي بعمق اهمية التصدي لكل اشكال الارهاب ودحره اينما وجد من لبنان والشرق الاوسط الى افريقيا من اجل حياة امنة ومستقبلا واعدا لاجيالنا.
واشار عباس فواز الى ان اللبنانيين ساهموا بمساندة هذه البلدان لملا الفراغات التي تركتها بعض الشركات العالمية التي توجهت الى بلدان اكثر امنا وربحية وذلك خلال الازمات التي عصفت ببعض البلدان الافريقية.
واعلن فواز ان المجلس القاري الافريقي سيحيي احتفالية 150 عاما على الوجود اللبناني تحت عنوان لبنان –افريقيا في العام 2020. وختم بشكر اللواء عباس ابراهيم على الدعوة وهو الذي يتمتع بحس المسؤولية الصادقة تجاه المواطنين مغتربين كانوا او مقيمين.
ثم القى اللواء ابراهيم المدير العام للامن العام كلمة عن اهمية القاء الضوء على القارة الافريقية التي احتضنت المهاجرين اللبنانيين موجها الشكر الى المسؤولين الافارقة على حسن العلاقة والاحترام المتبادل بين الشعب اللبناني وشعوب تلك الدول.
وبعدما اشار الى ان “الارهاب عدو مشترك بين الادميين”، اكد اللواء ابراهيم ان الموقع الجغرافي لبعض الدول ساعد على تحويل اراضيها فناء خلفيا للعديد من الجماعات الارهابية، لذلك لا بد من التنبه الى استحالة عزل تمدد تلك الجماعات الارهابية عن عوامل التهميش السياسي والاقتصادي والصراعات القبلية في معظم دول افريقيا مما يفرض علينا تلازم الادارة السياسية مع الادارة الامنية .
وبحكم خبرته الطويلة في مكافحة الارهاب بدء من مديرية المخابرات الى المديرية العامة للامن العام طرح اللواء ابراهيم الاشكالية الاساسية وهي “لماذا يزداد الإرهاب انتشارا وتعقيدا”، مؤكدا وعبر سياسة الامن الاستباقي ان المديرية العامة للامن العام استطاعت احباط عشرات الهجمات الدامية ومن ثم الحقتها باستراتيجية الامن الوقائي من خلال تتبع شبكات التطرف وتفكيكها تحت سقف القانون وضمان الحريات العامة والخاصة.
واضاف سعادة اللواء ان الارهاب وان ضعف فهو لم يتلاش، مضيفا ان “ربما العالم الى الان كل حروبه الاخلاقية على الارهاب والديكتاتوريات التي هددت القيمة الوجودية والاخلاقية للانسان، الا انه ينبغي الاعلان صراحة اننا ما زلنا قاصرين حتى عن تحقيق نصر كامل على الارهاب في كل العالم وليس في افريقيا وحدها”، معتبرا انه “من هنا ضرورة التعاون الدولي في مجال تبادل التقنيات والمعلومات الاستباقية وزيادة المهارات التدريبية لمنع انتقال الإرهابيين وقطع خطوط تواصلهم وامداداتهم وملاحقتهم في شتى المجالات”.
وختم بالقول انه ان الاوان لكي ينتقل العالم الى موقع المبادرة في محاربة الارهاب أي اعلان الحرب عليه، وبما ان الإرهاب عابر للحدود لابد من اعتماد استراتيجية دولية تسمى “سياسة الامن العابر للحدود”.
ثم القى ممثل فخامة رئيس الجمهورية، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كلمة اكد فيها على ضرورة التكاتف الوطني في مواجهة الارهاب وانه لا يمكن للبنان ان ينتصر على الارهاب الا بالتوافق اللبناني الداخلي، مشيرا الى رفض المجتمع اللبناني للارهاب والتكاتف مع الدولة واجهزتها كافة.
وفي حين اعتبر ان هذا المؤتمر يعزز التواصل بين الاجهزة اللبنانية والافريقية في مكافحة الارهاب، قال ان الاجهزة الامنية تمثل صورة لبنان الحقيقية وهي المثابرة والمتابعة والابداع فهي استطاعت ان تقضي على الخلايا النائمة مستذكرا حادثة فندق “دوروي” وتمكن بعض ضباط وعناصر الامن العام من القاء القبض على الارهابيين ومنع حدوث جريمة كبيرة.
وتابع الوزير المشنوق انه يجب على كافة الاجهزة الامنية اللبنانية التعاون والتنسيق فيما بينها لرفع مستوى الجهوزية التقنية والامنية في مجال مكافحة الجريمة.
وشهد اليوم الاول للمؤتمر، ثلاث جلسات نقاش، كانت الاولى بعنوان تطور الارهاب في منطقة الشرق الاوسط، وتناولت الاسباب المباشرة وغير المباشرة والبيئة الحاضنة وظروف نشاة الحركات الارهابية، مسمياتها ، تمويلها وتوجهاتها. وتحدث فيها رئيس قسم الحقوق في المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية الدكتورة جنان خوري، ورئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد واستاذ العلوم السياسية والدراسات الاسلامية الدكتور احمد موصلي ومدير مديرية الامتثال في بلوم بنك مالك اسطا.
وانعقدت جلسة النقاش الثانية حول اندحار التنظيمات الإرهابية في المنطقة وعلاقتها بالقارة الافريقية، وسقوط دولة الخلافة والحركات الإرهابية، واعلان تنظيم الدولة الاسلامية وتقسيم افريقيا الى ثلاث ولايات، وقدم فيها مداخلات كل من العميد المتقاعد الباحث العسكري شارل ابي نادر، والباحث في الاسلام السياسي والجماعات المتطرفة الدكتور احمد علوش، والبروفيسور في الجامعة اللبنانية الخبير في ادارة الازمات الدولية والقانون الدولي كمال حماد، بالاضافة الى رئيس قسم القانون الخاص في الجامعة اللبنانية الدكتور خليل الدحداح.
جلسة النقاش الثالثة تمحورت حول تجربة لبنان في دحر الارهاب. وشارك فيها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، وممثل قائد الجيش العميد الركن الياس حنا، والعقيد زاهر عاصي من المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، والعميد الركن محمد مقلد وهو رئيس دائرة الامن القومي في الامن العام، والعميد فادي حداد من المديرية العامة لامن الدولة.
وفي اليوم الثاني، بعد استعراض فعاليات اليوم الاول من جانب الرائد رواد سليقة، تركز عنوان المحور حول انتقال الجماعات الارهابية الى القارة الافريقية، وجرت خلالها نقاشات ومداخلات حول نمو الإرهاب في القارة، واسبابه الداخلية والخارجية، وعلاقات الاقليات والاثنيات الاستقلالية بالثروات الطبيعية ودور الدول الاجنبية في الصراعات. وشارك في الجلسة الاولى، رئيس تحرير مجلة الامن والدفاع العربي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، واستاذ العلاقات الدولية الدكتور فيصل مصلح، ونائب رئيس المخابرات النيجيرية لانواجا بيلي بوساري الذي حل مكان مدير المخابرات السفير احمد ابوبكر الذي اضطر الى المغادرة فجأة بسبب الهجوم الارهابي الذي اوقع عشرات الجنود النيجيريين في بلاده. وشارك في الجلسة ايضا المدير المركزي لمكافحة الارهاب في تونس عبداللطيف العيادي.
اما في الجلسة الثانية والاخيرة، التي تركزت على افاق التسوية ومكافحة الارهاب في القارة الافريقية، وعوامل استقرار القارة ودور الدول المؤثرة في مكافحة الارهاب، فقد انعقدت بمشاركة السفير النيجيري في لبنان غوني مودو زانا بورا، واستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور انطونيوس ابو كسم، واستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة ليلى نقولا.
وجرى اختتام المؤتمر باعلان التوصيات الختامية وكلمة اللواء عباس ابراهيم.
اهم النتائج والتوصيات من المؤتمر
- على الصعيد المحلي والدولي:
- ارساء اسس العدالة الدولية، وتحقيق المساواة في الحقوق السياسية والانسانية بين مختلف الدول والشعوب بغض النظر عن الانتماء العرقي او الاتني او المعتقدات الدينية؛
- احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وتجريم اللجوء الى القوة المسلحة في حل النزعات الدولية؛
- تحديد مفهوم موحّد للارهاب والتنظيمات الارهابية بين الدول ومناقشة مسببات نشاتها وتناميها ودوافعها وخلفياتها والياتها واستقطابها واماكن وجودها وتحليل منهجية اختيار تبني مبدا العنف في المطالبة بالحقوق؛
- دعم المبادرات التي تؤسس إلى تبنّي اساليب حكم تؤمن بالتعددية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون والحكم الرشيد؛
- بناء السياسة المحلية والدولية لمكافحة الارهاب على خطط استراتيجية وتكتيكية وتنفيذية، بعيدا عن اي مساومة في اتخاذ القرارات الناجعة لمكافحة الارهاب.
- على الصعيد القانوني:
- اهمية تفعيل الصكوك الدولية المتعلقة بالارهاب المصادق عليها ووضع اليات لوضعها قيد التطبيق؛
- مكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود لارتباطها الوثيق بالارهاب ولا سيما الاتجار غير المشروع بالاسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والجرائم البيئية…
- تجريم “الارهاب الالكتروني”، وتعزيز الامن والدفاع السيبراني، وحماية البنية التحتية الرقمية للمؤسسات العسكرية والامنية؛
- عدم مرور الزمن (تقادم الزمن) على الجرائم الارهابية وسائر الانشطة غير الشرعية للتنظيمات المتطرّفة؛
- تحقيق العدالة الجزائية وانزال اشد العقوبات بحقهم، وعدم الاحتماء خلف الحصانات… وتحت سقف مبدا شرعية الاجراءات واحترام سيادة الدول؛
- حماية الشهود والمتعاونين وارساء مبادئ العدالة التصالحية والترميمية (لاعادة انخراط المجرمين في المجتمع) وإيلاء اهمية خاصة إلى الضحايا لا سيما النساء والاطفال؛
- مكافحة دعم الارهابيين وتجفيف مصادر الارهاب وتمويله وتبييض الاموال، بما لا يعيق التدفق الحر للاموال الشرعية.
- على الصعيد التنفيذي :
- تفعيل اليات تعاون اجهزة انفاذ القانون في اطار الملاحقات الجزائية المحلية والدولية وعبر المساعدة القضائية المتبادلة، والاسترداد، وتبادل المعلومات والبيانات الاستخباراتية والخبرات والمستندات والتسليم المراقب…،
- اهمية الامن الاستباقي والتدابير الوقائية وتعاون اجهزة انفاذ القانون،
- دعم المجتمع الدولي في تجهيز المؤسسات العسكرية والامنية باحدث وسائل التقنيات الحديثة، واصلاح السجون والتزويد بالبرامج التطويرية والمعلوماتية والتدريبية،
- ادراج مادة مكافحة الارهاب الالكتروني في المناهج التعليمية وفي الكليات العسكرية والمعاهد الامنية،
- تشجيع البحث العلمي في هذه المواضيع،
- بناء القدرات وتعزيز المهارات القانونية والفنية والتقنية والادارية واللغوية والميدانية (لاداراة الازمات ومسارح الجريمة المعقدة…)،
- تنظيم ورش عمل متخصصة على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي،
- على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي
- الحفاظ على مقومات الامن الاقتصادي وحماية الاغتراب اللبناني وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لتامين المصالح الاستراتيجية والقومية؛
- تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة (وفق اجندة 2030) وضمان التوزيع العادل للثروات وتامين فرص العمل ومكافحة الفساد ( بكل انماطه) وتحفيز الاستثمار في العقول الشابة والابتكار؛
- تحقيق مبدا العدلة الاجتماعية (لا سيما مكافحة الجهل والفقر والبطالة…) وتعزيز الاحترام المتبادل والتعايش السلمي؛
- دور المؤسسات الدينية في مكافحة التطرّف والتعصّب والتزمّت والتمييز العنصري وكذلك المساهمة في تطوير الفكر الديني؛
- تعزيز دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والثقافية لتوعية وترشيد الراي العام لزيادة الوعي حول مخاطر الارهاب.
قبل الختام تامل المديرية العامة للامن العام من هذا المؤتمر تشخيص الوضع القائم وتقديم هذه التوصيات والمقترحات الى صانعي القرار حول مخاطر الارهاب بالمنطقة والمساعدة في دعم الاستقرار والتعايش السلمي بين مكونات شعوبها وارساء استراتيجية عامة لمكافحة الارهاب وتعميم ثقافة السلام.
اما ختاما، نختم بما افتتح به سعادة اللواء كلمته “حان الوقت لكي ينتقل العالم الى موقع المبادرة في مواجهة الارهاب”.
http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/63-1/4.pdf