في 13 كانون الأول 2019، فرضت وزارة الخزانة الاميركية عقوبات على المغترب اللبناني صالح عاصي بالاضافة الى ناظم سعيد أحمد، واتهمتهما بدعم وتمويل حزب في لبنان متهم اميركيا ب”الارهاب”، ليصل العدد إلى ٨٠ شخصاً وشركة لبنانية منذ العام ٢٠١٧.
الافتراء الاميركي المفاجئ جاء بالتوازي مع اشكالات قضائية مريبة تواجه صالح عاصي في لبنان نفسه، وهو ما يثير السخرية من مضمون الاتهامات الاميركية ويجردها من اي مصداقية وهي تطاله بملايين الدولارات قدمها لحزب تتهمه واشنطن نفسها بانه يسيطر على لبنان !
القضية التي ستبدو لاي متابع للملف كأنها ابتزاز اميركي ولبناني واضح المرامي والاهداف، عندما يطلع على تفاصيلها، ما زالت ربما في بدايتها، تتداخل فيها العناصر اللبنانية، بعضها ربما بدافع الوشاية والمنافسة التجارية، بعوامل خارجية، تقود الى النيل من حضور المغتربين وعائلاتهم فيما اللبنانيون في اقسى مراحل أزمتهم المعيشية الاقتصادية، ليتكامل الخذلان الداخلي مع الدسائس الاميركية.
بعد صدور قرار الخزانة الاميركية اصدر صالح عاصي بيانا عاجلا تداولته وسائل الاعلام اللبنانية والعربية، يرفض الافتراء بالعقوبات عليه التي تتجاهل تعاملات شركاته “وفق المعايير الدولية للشفافية والمراقبة التامة”، كما ينتقد “محاولات الضّغط والابتزاز المحليّة التي يمارسها البعض علينا” في لبنان، برغم ثقته بالقضاء اللبناني.
وأكد عاصي، رجل الاعمال المقيم في كينشاسا، في بيانه الى الاعلام “أستغرب وأستنكر أشدّ الاستنكار أن يُزجّ باسمي في قضايا سياسيّة وتمويليّة، وأن يتم وضعه على قوائم العقوبات ومن ثم يُرفق الأمر بتصريحات لمسؤولين أميركيين يؤكّدون ذلك، وكأنّ الحكم اتُّخذ وصار مبرماً”.
وقال عاصي “إنّني إذ أنفي نفياً قاطعاً كلّ ما ورد عن علاقات تمويليّة لي بجهات سياسية أو بأشخاص وشركات جرى وضعها على قوائم العقوبات، فإنّني أؤكّد أنّ أعمالي واضحة جداً وشركاتي تعمل وفق المعايير الدولية للشفافية والمراقبة التامة، وإنّنا عند استخدام القنوات المصرفية والمالية نحترم هذه الشروط حيث أنّنا لا نعمل إلا من خلال المؤسّسات والتحويلات ولا نتعاطى بالنقد الورقي أو أيّ أشكال أخرى قد تكون عرضة للشكوك”.
واكد عاصي “إنّ التُّهم غير القانونية الموجّهة إلينا على المستوى الشخصي تدحضها كلّ الوقائع والإثباتات والتاريخ من العمل الاقتصادي الشفّاف والنظيف والنزيه والمهنيّ والشخصيّ البحت.، كما تدحضها الافتراءات ومحاولات الضّغط والابتزاز المحليّة التي يمارسها البعض علينا والتي لم نستطع حتى اليوم التخلّص من ذيولها على الرغم من تقيّدنا الكامل بالقانون وثقتنا بالقضاء اللبناني”.
وتساءل عاصي “كيف يمكن توجيه هذه الاتهامات الباطلة من الخارج بحقّ مَن يتعرّض داخل لبنان لدعوى انتقامية غير مستنِدة على أيّ معطى قانوني يمكن لأيّ نافذ افتعالها أو حلحلتها؟”.
وخلص الى القول “إنّ بعض الافتراءات يمكن أن يكون مصدرها محلياً أو في بلدان الاستثمار وذلك بسبب التنافس والنجاح، إلا أنّ سوق مثل هذه الاتهامات يتجاوز كلّ منطق وحدود”، مضيفا “يهمّنا التأكيد أنّنا شرعنا بالطعن قانونياً في القرار عبر اتخاذ الخطوات القانونيّة الضروريّة التي تُثبت بطلان الاتهامات العشوائية بطلاناً كاملاً لا لبس فيه”.
في ختام بيانه اشار عاصي الى ملاحظة قال فيها انه “لا بد من الإشارة الى أنّ السيّد طوني صعب هو موظف محاسب لدينا ولا يملك أيّ سهم في شركاتنا”. وقد ورد اسم طوني صعب على في قرار الخزانة الاميركية على انه يساعد في تمويل حزب متهم ب”الارهاب” في لبنان، وهو ما نفاه صعب بنفسه.
في كينشاسا
وبعد صدور قرار وزارة الخزانة الاميركية، اعلنت جمهورية الكونغو الديموقراطية التحفظ احتياطيًا عللى اصول صالح عاصي الذي يملك مخبزًا صناعيًا ضخمًا في كينشاسا.
واعلن القرار الكونغولي بعد جلسة خاصة لمجلس الوزراء برئاسة فيليكس تشيسيكيدي رئيس البلاد، حيث قال المتحدث باسم الحكومة الكونغولية جولينو ماكيليلي أن “مصرف الكونغو المركزي أصدر تعميما إلى اتحاد المصارف الكونغولية بتجميد كل أصول صالح عاصي وكل شركاته وكل التحويلات انطلاقا من حساباته”، مضيفا أن هذا الإجراء يهدف إلى “تجنب التداعيات السلبية لهذه التدابير (الأميركية) على الاقتصاد والشعوب (الكونغولية)”، وأنه “تقرر تعيين هيئة إدارية مستقلة في انتظار التوصل إلى حل دائم، تطبيقا لتوصيات وزارة الخزانة الأميركية”.
في لبنان.. تضييق قانوني !
اما قبل صدور القرار الاميركي، فقد كتب رضوان مرتضى قي جريدة “الاخبار” اللبنانية تقريرا تحت عنوان “تلاعُب عدليّ يحوّل مواطناً إلى مطلوب للإنتربول!”، وذلك في 12 اذار العام 2019.
وكتب مرتضى “القضية تكشف أن تواطؤ ثلاثة أشخاص كافٍ لتوريط أي شخص بأن يُصبح مطلوباً داخلياً وخارجياً، وسط رفض القضاء استرداد مذكرة توقيف غيابية بحق شخص يطلب استردادها ليمثل أمام المحكمة للدفاع عن نفسه”.
ومما جاء في تقرير مرتضى :”في لبنان، يمكن أن يصبح مغترب لبناني في الخارج مطلوباً دولياً للإنتربول بموجب «مذكرة حمراء»، وأن تصدر مذكرة توقيف غيابية، بحقه بناءً على ادّعاء لبناني آخر بأن المدّعى عليه خطفه وعذّبه في الخارج، مستنداً إلى تقرير طبيب شرعي في… لبنان!
هذا، حرفياً، ما حصل مع رجل الأعمال اللبناني المقيم في جمهورية الكونغو الديموقراطية صالح عاصي الذي ادّعى محمد ح. أنه أقدم على خطفه في كينشاسا وتعذيبه وضربه. إلا أن اللافت أن المدّعي لم يتقدم بشكوى لدى سلطات الكونغو، بل عاد إلى لبنان واستحصل على تقرير من طبيب شرعي وطبيب أنف أُذن وحنجرة يُفيد بأنه «تلقّى ضربة قوية قبل نحو شهر على الأذن سبّبت فقدانه السمع»، قبل أن يتقدم بشكوى أمام النيابة العامة في جبل لبنان. ومن دون أي دليلٍ يُثبت ادعاءاته أو الاستماع إلى المدعى عليه، قرّر القضاء أن الأخير صار مطلوباً.
عاصي قدّم رواية إلى «الأخبار» تطابق ما ظهر في محاضر التحقيق وأوراق التبليغات، وأظهرت أنه حُدِّد مكان إقامة خاطئ له، ليُصار إلى تبليغه وهمياً، ليتخلّف عن حضور المحاكمة، وتصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه وتعمم مذكرة إنتربول تجعله مطلوباً دولياً.
محمد ح. ادّعى أمام النيابة العامة على عاصي بجرم ضرب وإيذاء وابتزاز وخطف وتهديد بالقتل. علماً أن المدعي، هنا، مدعىً عليه في شكوى جزائية من عاصي لا تزال عالقة أمام قاضي التحقيق في بيروت فريد عجيب.
Saleh Assi est un personnage exemplaire par son humanisme et sa gentillesse.Un homme d’affaires brillant avec une…
Posted by Belinda Borrello on Sunday, December 15, 2019
نظرة سريعة على محاضر التحقيقات تُظهر تلاعباً بالتحقيق. إذ وُضِع للمدّعى عليه عنوان وهمي في حارة حريك، علماً أنه لم يسبق أن سكن في هذه المنطقة، بل يقطن في وسط بيروت بعدما عاش لفترة طويلة في فردان. وبالتالي، أجري تبليغ مزوّر للمدعى عليه على غير عنوانه. واللافت أن إبلاغه لصقاً وصدور مذكرة التوقيف حصلا بسرعة قياسية. فقد تأسست الدعوى في قلم قاضي التحقيق في جبل لبنان بتاريخ 2/8/2018. وعُيّن يوم 1/10/2018 موعداً لبدء التحقيقات. لكن وكيل المدعي الذي حضر جلسة أمام قاضي التحقيق، عاد وحضر بتاريخ 3 تشرين الأول إلى قلم قاضي التحقيق في جبل لبنان، أي بعد يومين، طالباً إبلاغ المتهم لصقاً، فقرر قاضي التحقيق ذلك في 4 تشرين الأول، علماً أنه في الثاني من الشهر نفسه كان المباشر القضائي ع. م. قد اعاد التبليغ لعدم العثور، بعد أن ادعى سؤاله سكان المحلة والمختار. وبعد يوم واحد من قرار قاضي التحقيق إبلاغه لصقاً، وقبل موعد الجلسة بخمسة أيام، نُظِّم محضر إبلاغ لصقاً جاء فيه: «ألصقت النسخة الأولى من ورقة الطلب على باب مقام الأخير بمعرفة مختار المحلة بتاريخ 5/10/2018». والأخرى جاء فيها: «ألصقت النسخة الأولى من ورقة الدعوى لدى مختار المحلة بتاريخ 5/10/2018»، علماً أنْ لا وجود لمحل إقامة للمتهم في حارة حريك أصلاً. هذه السرعة في التبليغات تطرح شبهات حول حقيقة حصولها أصلاً، علماً أن محضر التحقيق وإفادة المدعي لا يتجاوزان الصفحتين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن «المباشِر» (الموظف العدلي الذي يتولى تبليغ القرارات القضائية) كان قد أوقف في ملف فضيحة الفساد القضائي في عدلية بعبدا.
إذاً، عبر استخدام مكان تبليغ وهمي وتبليغ مزوّر، ومن دون أن يُستدعى أي شاهد أو يطلب دليل حسّي على حقيقة حصول الجرائم المدعى بحصولها، صدرت مذكرة توقيف غيابية بحق صالح عاصي. فهل يمكن الركون إلى تقارير الأطباء الشرعيين بعد الفضائح المتتالية؟ ليس هذا فحسب، فقد رفضت النائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، اتخاذ قرار باسترداد مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق عاصي، رغم تبيان ما حصل لجهة عدم تبلغه أي موعد لجلسة تحقيق، ولعدم وجود أي عنوان للمتهم ضمن نطاق جبل لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن مذكرة توقيف غيابية كانت قد صدرت بحق محمد ح.، في الدعوى المقامة ضده من عاصي في بيروت، لكنّ المذكرة استُردَّت بعد تقديمه اعتراضاً بأنه لم يبلّغ وفق الأصول لحضور التحقيق.
طبعاً، ما ورد أعلاه لا صلة له بأصل الدعاوى بين المتخاصمَين التي ينبغي للقضاء إثبات البراءة والإدانة فيها، بل بمسار قضائي لم تُحترم فيه الأصول، ليتحوّل ادعاء، بسرعة قياسية، إلى مذكرة توقيف دولية!… ثم الى عقوبات اميركية.
(جورنال)