وفاء العم
تتصدَّر باكستان مؤخّراً واجهة الصِراع السعودي القَطري، إذ يتنافس المُتخاصِمان في البيت الخليجي على استمالة إسلام آباد على كافة المستويات.
باكستان، ثاني أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة، لطالما كانت وما زالت تعاني من عجزٍ مالي رغم ثرواتها الضخمة، ومن هذه البوابة يدخل الخليجيون لاستمالتها، كل لاعتباراته السياسية والأمنية. فما الذي تعنيه باكستان لهذه الدول ولماذا تتنافس الرياض والدوحة عليها؟
في الحقيقة تريد قطر أن تكون إسلام آباد الرافِد البديل لها في مواجهة الحصار الخليجي لما تمتلكه من موارد زراعية وصناعية ضخمة تعتمد عليها الدوحة في توفير أمنها الغذائي في مقابل استثمارت قطرية وصلت قيمتها إلى 3 مليارات دولار.
أما من الناحية العسكرية فتُدرِك قطر أهميّة القُدرات العسكرية لباكستان ما يدفعها إلى تعزيز التعاون العسكري وإبرام الاتفاقيات العسكرية كما حصل في عام 2010 وإن لم يكن لحماية أمن الدوحة فعلى الأقل لإبقاء باكستان على الحياد في ظلّ استمرار الأزمة الخليجية، وهذا ما حصل فعلاً عندما تفجَّر الخلاف الخليجي، فالدوحة تُدرِك حجم الاتفاقيات العسكرية الموقَّعة بين الرياض وإسلام آباد.
والأهم هو ما يجري على الصعيد السياسي، إذ لا يمكن قراءة السياسة القَطرية بمُعزَل عن تحالفها الاستراتيجي مع أنقرة والرامي إلى مدّ النفوذ في المنطقة ومُنافَسة السعودية على قيادة العالم العربي والإسلامي.
في هذا السياق، يمكن وضع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أخيراً إلى الدوحة التي استقبلته بحفاوة المُنْتَصِر، وأقول المُنْتَصِر لأن الأخير كان قد رفض المُشاركة في القمَّة الإسلامية المُصغَّرة في كوالالمبور، ثم عاد واستدار مُستَقبِلاً رئيس الوزراء التركي ومن ثم توجَّه إلى ماليزيا ليحطّ بعدها في الدوحة مُرْجِعاً سبب عدم مُشاركته في القمَّة إلى ضغوطٍ مارستها الرياض للحيلولة دون ذلك.
في هذه الاستدارة رسالة استياء إلى حليفه التقليدي السعودية التي رفضت عقد إجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير. كما أن تطوّر العلاقات الإماراتية السعودية مع الهند بات محل غضب وتحفّظ باكستانيين.
فهل تستدير باكستان، وهل تسحب قطر البساط من السعودية؟
يمكن الإجابة على ذلك، بالنظر إلى سلوك السعودية إبان الإعلان عن القمَّة في ماليزيا، حين سارع وليّ العهد السعودي محمَّد بن سلمان إلى زيارة باكستان واعِداً إياها باستثماراتٍ تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار، بالإضافة إلى إنشاء مصفاةٍ نفطيةٍ في ميناء جوادر. ويُقال إن الرياض لوَّحت بورقة ترحيل العَمالة الباكستانية التي يصل عددها إلى مليوني عامل. وأياً كانت الطريقة، المهم سعودياً هو “عدم مُشارَكة باكستان”!.
كانت قمَّة كوالالمبور بالنسبة إلى السعودية محاولة لاستهداف منظّمة التعاون الإسلامي وإيجاد منظومةٍ بديلةٍ تقوِّض دورها في المنطقة بقيادة كل من قطر وتركيا. هو كابوس انجلى بعدم مُشارَكة إسلام آباد.
في الحقيقة، تتمتّع السعودية بنفوذٍ ديني كبيرٍ بفضل المعاهد الدينية الكبيرة والمُنتشرة في باكستان، كما تتمتَّع بنفوذٍ تقليدي في داخل مؤسَّسة الجيش. نفوذ يصعب تغييره في هذه المرحلة على الأقل.
فالرياض تولي أهمية خاصة لباكستان وتعتبرها رُكناً أساساً في مجال أمنها القومي وتحديداً في مواجهة إيران، نتيجة لما تمتلكه إسلام آباد من قُدراتٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ ضخمةٍ وكبيرةٍ إذ يكفي أنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً.
من جانبٍ آخر، لا يمكن أن تفرِّط السعودية بباكستان مُطلقاً، وفي ظلّ التحوّلات السياسية الكُبرى في الشرق الأوسط وآسيا خصوصاً بعد توقيع الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة في قطر، فإن الحاجة لباكستان باتت أكثر إلحاحاً، وبلا شك تريد الرياض عيناً على كواليس ما يجري.
قد تستاء إسلام آباد وقد تتراخى الرياض ولكن الحاجة الاستراتيجية سياسياً واقتصادياً وأمنياً بين الطرفين لا تسمح بفكّ الارتباط.