الكوكب في ذعر، واجراس الخطر دقت على مستوى العالم. اشياء كثيرة تغيرت منذ ذلك اعلنت منظمة الصحة العالمية في 11 اذار الماضي تحول الفيروس الى “وباء عالمي”. تخطى العالم حاجز المليون اصابة، ويوميا تزداد الحالات بعشرات الالاف. ولهذا فان الكوكب في ذعر!
خليل حرب
++++++++++++++++++++++++++++++++++
وبحسب الارقام الرسمية المعتمدة عالميا، سجل في نحو 200 دولة، حتى الان اكثر من 1.2 مليون اصابة بفيروس كورونا الذي تسبب بوفاة اكثر من 60 الف انسان، بينما تماثل للشفاء نحو ربع مليون انسان. وحاليا، هناك اكثر من 880 الف اصابة، نسبة 93 في المئة منهم بحالة مستقرة، و7 في المئة في حالة صحية خطيرة. وحتى هذه اللحظة، سجلت غالبية الوفيات في ايطاليا، ثم اسبانيا، ثم الولايات المتحدة ثم فرنسا ثم بريطانيا، ثم ايران ثم الصين. وبالاضافة الى هذه الدول، فان الدول التي سجلت اعلى الاصابات، هي بالترتيب : الولايات المتحدة، ثم اسبانيا، ثم ايطاليا، ثم المانيا، ثم فرنسا، ثم الصين.
اللافت ايضا ان غالبية دول اوروبا صارت تظهر فيها الاصابات تباعا، ولم تعلن فيها اجراءات وقاية صارمة سوى متاخرة، وكان حالها كحال الولايات المتحدة التي تفشى الوباء فيها تدريجيا، وظهر رئيسها دونالد ترامب بداية مستخفا بالفيروس، الى ان اضطر في 13 اذار الماضي، الى اعلان حالة الطوارئ على مستوى الولايات كلها، وتخصيص 50 مليار دولار استعدادا للمواجهة التي يخشى كثيرون انها جاءت متاخرة.
وكان ذلك بعد يومين على اعلان مدير منظمة الصحة العالمية تدروس ادهانوم تحول الفيروس الى “جائحة عالمية”.
وبرغم 1192926 اصابة حتى الان حول العالم بفيروس كورونا الذي يسبب مرض “كورونا كوفيد-19″، كما يطلق عليه علميا، تؤكد منظمة الصحة العالمية رسميا انه حتى الان لو وجود لدواء او علاج للمرض، وتقول على موقعها الرسمي “لا يوجد حتى يومنا هذا لقاح ولا دواء محددا مضاد للفيروسات للوقاية من مرض كوفيد-2019 او علاجه. ومع ذلك، فينبغي ان يتلقى المصابون به الرعاية لتخفيف الاعراض. وينبغي ادخال الاشخاص المصابين بمرض وخيم الى المستشفيات. ويتعافى معظم المرضى بفضل الرعاية الداعمة”.
وتؤكد المنظمة العالمية انه “يجري حاليا تحري بعض اللقاحات المحتملة والادوية الخاصة بعلاج هذا المرض تحديدا. ويجري اختبارها عن طريق التجارب السريرية. وتقوم المنظمة بتنسيق الجهود المبذولة لتطوير اللقاحات والادوية للوقاية من مرض كوفيد-19 وعلاجه”.
وبينما انتشرت قوات من الجيش والامن في بعض المدن الاوروبية، اغلقت دول في الاتحاد الاوروبي حدود دول منطقة شنغن للمرة الاولى في تاريخها، فيكا تمثلت الصدمة الكبرى باعلان رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، لمواطنيه الى الاستعداد لفقد احبائهم لان كورونا سيواصل الانتشار في البلاد على مدار الاشهر المقبلة.
يعني ذلك، ان اوروبا دخلت في مرحلة الخطر والشلل العام. هذه صدمة كبرى لاهلها، لكن الصدمة الاكبر في العالم ربما جاءت من ترامب الذي سرت تقارير المانية تتحدث عن انه حاول اغراء شركة عقاقير المانية للاستحواذ على لقاح مضاد لفيروس كورونا تحاول التوصل اليه، على ان تكون للولايات المتحدة حقوقا حصرية له، ما اثار موقفا حادا من الحكومة الالمانية.
كان من الطبيعي ان يتخوف كثيرون في انحاء العالم، من محاولة ترامب “تسييس” العقار المحتمل. فعلى سبيل المثال، اشار موقع “ذا انترسيبت” الاميركي الى مجموعة ضغط اميركية (لوبي) تسمى “UNAI” تحاول الضغط على شركات الادوية لمنعها من التعامل تجاريا مع الايرانيين. فالسؤال المطروح بهذا المعنى، عما اذا كانت الدول الاقدر، والاكثر تطورا، في حال امتلكت العقار، هل ستكتفي بالعناية بشعوبها، وستحرم بقية البشرية منه؟ فهل مثلا، اذا حصل انتشار للفيروس في قارة افريقيا، الاكثر فقرا، ستلقى عناية او التفاتة من دول الثراء والاقتدار الصحي؟
في ظل العجز والخوف الذي يلف العالم، لا اجوبة شفافة وواضحة حتى الان على هذه التساؤلات والمخاوف المشروعة. العالم في شبه شلل عام، اقتصاديا واجتماعيا ورياضيا وسياحيا، ومئات ملايين الناس تلتزم بيوتها، ما بين الحجر الطوعي والحجر الالزامي.
ومهما يكن، فانه في مقابل الموقف الاميركي المريب، اعلنت المفوضية الاوروبية أنها ستدعم شركة “كيورفاك” الالمانية لصناعة الادوية، وستقدم لها 80 مليون يورو للمضي في ابحاثها، من اجل ايجاد لقاح مضاد لكورونا. وكتبت رئيسة المفوضية اورزولا فون دير لاين ان المهم هو التوصل باسرع ما يمكن الى عقار “يساعد العالم اجمع”.
وجاء ذلك في ظل الضجة التي اثارتها انباء عرض ادارة ترامب مليار دولار على الشركة الالمانية لاحتكار عقارها الذي تعمل عليها، ما دفع وزير الخارجية الالماني هايكو ماس الى القول في 17 اذار، ان برلين لن تسمح بشراء ابحاث حصرية المانية حول لقاح كورونا. ولم يسم الوزير الالماني الادارة الاميركية، لكنه قال بوضوح “لا يمكننا السماح بوضع يريد فيه الاخرون حصرا الحصول على نتيجة ابحاثنا” بحسب ما اكدت قناة “سي ان ان” الاميركية، مضيفا “سنهزم هذا الفيروس معا فقط، وليس ضد بعضنا البعض”.
وسرب مسؤولون المان الى وسائل الاعلام انباء عن ان ادارة ترامب تحاول اقناع الشركة الالمانية “كيورفاك” لنقل اعمالها البحثية الى الولايات المتحدة، وان العرض جرى في الثاني من شهر اذار الماضي في البيت الابيض، بحضور نائب الرئيس الاميركي مايك بنس، خلال اجتماع انضم اليه لفترة وجيزة ترامب نفسه، بحضور الرئيس التنفيذي للشركة دانيال مينيشيلا الذي قال ان اللقاح المحتمل قد يكون متوفرا خلال شهور.
الا انه بعد اربعة ايام من هذا الاجتماع، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية، اعلنت “كيورفاك” أن مينيشيلا، وهو اميركي الجنسية، لن يبقى في منصبه الذي شغله لمدة عامين، دون ايضاح الاسباب. كما اعلنت ايضا بشكل مفاجئ انها لم تتلق عرضا من الحكومة الاميركية، بينما قال احد المسؤولين الاميركيين ان ادارة ترامب تحدثت مع اكثر من 25 شركة يمكن ان تساعد في التوصل لانتاج لقاح لكورونا.
لكن المسالة شديدة الحساسية اذ تمس “الامن القومي” بحسب ما اكد وزير الداخلية الالماني هورست سيهوفر، وليست مجرد ازمة صحية. ولهذا ربما، كانت قضية “كيورفاك” والصفقة الاميركية معها، على طاولة اجتماع خلية الازمة الذي عقدته المستشارة انجيلا ميركل مع وزرائها.
الصدمة الثالثة اذا صح التعبير، جات من الصين عندما اتهم المسؤول الصيني ليجيان زهاو، وهو نائب رئيس دائرة المعلومات في وزارة الخارجية الصينية، في 13 اذار الماضي، الولايات المتحدة بانها مصدر فيروس كورونا متسائلا عما اذا كان هو الذي نشره في مدينة ووهان الصينية.
للمفارقة اسم “ووهان” سيرد مجددا في 30 كانون الثاني الماضي، عندما اعلنت السلطات الفدرالية الاميركية اعتقال رئيس قسم الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية في جامعة هارفارد الاميركية تشارلز ليبر، بتهمة التعاون مع الصينيين علميا، وتحديدا مع جامعة ووهان الصينية!
قال ليجيان زهاو في تغريدة له على تويتر ” CDC (مراكز مكافحة الامراض واتقائها في اميركا) متى بدا المريض الاول في اميركا؟ كم عدد الاشخاص المصابين؟ ما اسماء المستشفيات؟ يمكن ان يكون الجيش الاميركية هو من جاء بالوباء الى ووهان. كونوا شفافين، اعلنوا بياناتكم للعامة! الولايات المتحدة تدين لنا بتفسير”.
يكتسب هذا الاتهام المبطن اهمية كبيرة في ظل الحرب التجارية الشعواء التي يشنها ترامب على بكين منذ عامين، والتي يواصلها الان بشكل يثير بالتاكيد حنق الصينيين، بعدما صار يصف الفيروس الذي يقض مضاجع العالم، بانه “الفيروس الصيني”.
صحيح ان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ، لم يتبن تماما الاتهام المبطن الذي اطلقه زميله ليجيان زهاو، الا انه عندما سئل عما اذا كان لدى الصين دليل على ان فيروس كورونا لم ينشأ في الصين، قال ان “منشا الفيروس يمكن تحديده فقط بالعلم، نحتاج الى الاعتماد على وجهات النظر العلمية والمهنية، لا نامل رؤية اي احد يستخدم هذه المسالة لوصم دول اخرى… ومع تحول كوفيد-19 الى وباء عالمي، ينبغي على العالم الاجتماع معا لمحاربته عوضا عن توجيه اتهامات ومهاجمة بعضها البعض، وهو الامر غير البناء”.
والى ان تحين تلك اللحظة، فان العالم سيغرق اكثر فأكثر في الذعر !