كتب وسام متى :
آيا صوفيا في دائرة الجدل مجدداً. مجلس الدولة التركي قرر عقد جلسة خاصة في الثاني من تموز/يوليو 2020، لمناقشة مصير المعلم المعماري الأشهر في مدينة اسطنبول، والأكثر رمزية في صراعات التاريخ.
وضعية آيا صوفيا تبدلت عبر العصور. في الحقبة البيزنطية كانت كاتدرائية. في الحقبة العثمانية تحولت الى مسجد. وفي الحقبة العلمانية صارت متحفاً.
قدر للمعلم التاريخي أن يبقى رهناً لتحولات السياسة واهوائها. الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يحتاج اليوم الى شد العصب الداخلي – الإسلامي والقومي – أكثر من أي وقت مضى، ولهذا فقد أصدر تعليمات الى “حزب العدالة والتنمية” الحاكم بدراسة إمكانية إعادة آيا صوفيا الى وضعية المسجد، بعدما ظلت منذ العام 1934 متحفاً.
الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى زيادة تدهور علاقات تركيا مع اليونان، وتجدد توترات تاريخية تتجدد سياسياً اليوم من خلال الاندفاعة التركية نحو السيطرة على مياه الحوض الشرقي للبحر المتوسط.
الخطير في الموضوع أن رفع منسوب التوتر قد لا يقتصر على الثنائي التركي – اليوناني، بل ربما يمتد الى توتر ديني مع الكنيسة الارثوذكسية، وقد لاحت بوادره هذه المرة من موسكو، حيث عبرت الكنيسة الارثوذكسية الروسية عن عدم رضاها تجاه الخطوة التركية.
بحسب وسائل الإعلام التركية، فإن قضية آيا صوفيا ستطرح في اجتماع مجلس الدولة التركي في الثاني من تموز/يوليو، مع الإشارة الى أن هذا المجلس هو المحكمة الإدارية العليا، التي تعتبر الملاذ الأخيرة في التقاضي بحسب القانون التركي.
لا بد من التـذكير في هذا السياق بأن مجلس الدولة التركي رفض مرارا وتكرارا الطلبات التي قدمت اليه لإعادة المعلم التاريخي إلى وضع المسجد. قدم المواطنون الأتراك مثل هذه الالتماسات منذ عام 1934.
بين التاريخ والسياسة
بازيليك جستنيان، الذي أصبح الأساس لآيا صوفيا، بني في العام 537 على موقع الكنائس المسيحية القديمة. أجبرت الحرائق والزلازل القائمين على حكم القسطنطينية/اسطنبول على إعادة بناء المبنى وتغيير مظهره الأصلي مرات عدة. ومع ذلك، ظلت آيا صوفيا تعتبر رمزاً لقوة الإمبراطورية البيزنطية.
اردوغان يحتاج اليوم الى شد العصب الداخلي – الإسلامي والقومي – أكثر من أي وقت مضى
في العام 1054، سلم البابا همبرت بطريرك القسطنطينية ميخائيل كيرولاريوس رسالة حول حرمانه. أدى هذا الحدث إلى انقسام الكنيسة إلى كنيستين أرثوذكسية وكاثوليكية.
بعد ذلك بنحو اربعة قرون احتل العثمانيون القسطنطينية (1453)، وانهارت بذلك الامبراطورية البيزنطية، وتم تحويل الكاتدرائية إلى مسجد أقيمت له أربعة مآذن به.
مع انهيار الامبراطورية العثمانية غداة الحرب العالمية الأولى، قررت سلطات جمهورية التركية العلمانية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، في العام 1934، تحويل المعلم التاريخي إلى متحف مع الحفاظ على عناصر الزخرفة المسيحية والإسلامية.
والآن تعطي السلطات التركية إشارات أكثر وضوحاً على استعدادها لإعادة النظر في قرار الثلاثينيات.
لقراءة المزيد عن موقع “بوسطجي” :
قد يكون من السابق لأوانه التكهن بمآل الصراع على آيا صوفيا، أقله قبل صدور قرار مجلس الدولة، مع ذلك فإن الجدل المثار في كل مرة حول هذه القضية يبقى معبراً عن ذلك العبث السائد في العالم، والذي يتحول معه مكان أراده كثيرون رمزاً عالمياً بين الأديان الى مكان يريده آخرون بؤرة لصراع يستثمر العصبيات الدينية في لعبة السياسة القذرة.