كتبت وفاء العم :
فتح جورج فلويد ملفاً إنسانياً موجعاً، ليس على مستوى الولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل على مستوى العالم أيضاً، وكشف معضلة المجتمعات التي نجحت في كبح جماح العنصريّة بقوة القانون، لكنَّها أخفقت في انتزاعها من وجدان بعض الفئات.
العنصرية التي باتت تأخذ أشكالاً متعدّدة، وليست بالضرورة سلوكاً مباشراً، كما حدث مع فلويد، تحوّلت إلى معضلة في العديد من الدول، ففي كندا مثلاً، تُعرف العنصرية بأنها ممارسة مع ابتسامة، للدلالة على خبث إخفاء هذه الممارسات.
وعندما نسقط حالة جورج فلويد على المجتمع الخليجيّ، نجد أنّ ثمة تفاعلاً كبيراً معه في وسائل التواصل الاجتماعي عربياً وخليجياً، ولكن بالاستدارة إلى الداخل، سنجد أنّ العنصريّة حاضرة إزاء المجتمع الأسود والمكونات الخليجية الأخرى الأقل سلطةً وقوةً. مثلاً، يُسمى المجتمع الأسود في الخليج مجتمع “العبيد” أو “الخوال”، ويواجه كلّ أشكال التنمّر والتمييز الاجتماعي.
في هذا المشهد، لا تحضر الدولة، وإنما يحضر المجتمع، وهو الأكثر إيلاماً، لأنَّ الاحتجاج على الدولة أسهل من الاحتجاج على المجتمع، بسبب غياب القوانين التي تجرّم التمييز. يبرز ذلك جلياً في العلاقات، كرفض التزويج بسبب اللون أو الحرمان من الارتقاء الاجتماعي.
واقعاً، يتعرّض المجتمع الأسود في الخليج في كثير من الأحيان للتنمّر، كنوع من الفكاهة والتنكيت والحطّ من المكانة الاجتماعية. يقول الكاتب الكويتي سامي الخرافي في أحد مقالاته: “نلاحظ أن كل تشكيل حكومة كويتية تضم جميع الطوائف ومكونات المجتمع، إلا أنّها تكاد تخلو من “الشامة” بين أعضائها، ألا وهو الخال، ما له نصيب في أيّ تشكيل وزاري”.
صحيح أنَّ المجتمع الأسود في الخليج صغير، ويشكّل أقليَّة، ولكنَّه موجود، ويتعرَّض اجتماعياً لما يتعرّض له السود في المجتمعات الأخرى، وإن كان أقلّ حدة.
تاريخياً، يعدّ وجود المجتمع الأسود في الخليج قديماً، وذلك عندما قام العديد من الوجهاء والتجار باستجلاب الأفارقة وبيعهم في الأسواق. وكان ينظر إلى السود باعتبارهم في مرتبة أقل أهلية من غيرهم، بحيث يجري استملاكهم وتوريثهم والتصرّف بهم، ولكن مع الطفرة النفطية، تحوَّل هؤلاء إلى المواطنة، وحقَّقوا الاستقلالية بذاتهم والتصرف كبقية المواطنين، إلا أنَّ الأمر لا يخلو من ممارسة أشكال مختلفة من العنصرية ضدّهم.
يُسمى المجتمع الأسود في الخليج مجتمع “العبيد” أو “الخوال”، ويواجه كلّ أشكال التنمّر والتمييز الاجتماعي.
في الحقيقة، لا يمكن قراءة المجتمع الأسود بعيداً من الإشكاليات البنيوية في المجتمعات الخليجيّة من عصبيات قبليّة وطائفيّة وجهويّة.
في السّعودية والبحرين، تتحدَّث المعارضة عن تمييز طائفي. وفي الكويت، يقفز ملفّ التّمييز ضد البدون، ناهيك بملف العنصرية ضد الأجانب والعمال في كلّ دول الخليج من دون استثناء، والذي ظهر جلياً خلال مرحلة انتشار فيروس كورونا، ناهيك بالانتماءات القبلية التي تمثل الشريان الحيوي للتمييز على مستوى الدولة والمجتمع، إذ تحدّد القبيلة شكل المحاصصات في هيكل السلطة وفي العلاقات الاجتماعيّة، وإن بشكل متفاوت بين الدول الستّ، الأمر الّذي يجعل من جورج فلويد حالة، وليس مسألة فردية.
وعند إسقاطه على المجتمعات العربيَّة، سنجد فيه ما هو مسكوت عنه من المحيط إلى الخليج من دون استثناء. والغريب أنَّ مقتل فلويد كشف ازدواجية هذه المجتمعات التي استطاعت أن ترى الخلل في المجتمع الأميركي، ولكنَّها لم تستطع أن ترى الخلل الكامن في بنيتها الاجتماعيّة.
وفاء العم