حل الشتاء مع دخول الحرب الاوكرانية تحولات جعلت العالم يحبس انفاسه، واقفا على حافة الهاوية التي يخشى من تحولها الى هاوية نووية، او صقيع قاتل، بعدما مضت روسيا قدما بتحدي الغرب وضم مناطق اوكرانية الى جغرافيتها، متجاهلة ان خصومها ماضون هو ايضا في التكتل ضدها عاقدين العزم على اغراقها اكثر.
خليل حرب
+++++++++++++++++++++++++
لن يكون فصل شتاء عاديا بالنسبة الى القارة الاوروبية، بعدما ظن كثيرون ان الحرب التي بدات في شباط الماضي، لن تكون طويلة، وان رتابة وانتظام حياتهم في دول القارة، ستظل على حالها، صيفا وشتاء، لكن ذلك لم يحصل، واصبح كثيرون يترقبون بتوجس كيف ستكون ايامهم الاتية في بلاد تتدنى درجات الحرارة فيها خلال الشتاء الى ما دون الصفر، وتعتمد منازلهم بغالبيتها على امدادات الغاز التي كانت تنساب من الحقول الروسية بشكل سلسل وطبيعي الى ان انفجرت الازمة الاوكرانية حربا بين روسيا وبين تكتل غربي واسع.
ليس حدثا عابرا ان تتزامن مناورات عسكرية نووية بين الخصمين، الروسي والغربي. وليست لعبة بسيطة ان تتزامن تدريبات نووية سنوية تجريها موسكو تسمى “غروم” في نهاية شهر تشرين الاول، مع مناورات نووية غربية يعتبر حلف شمال الاطلسي (الناتو) وقتها ملائما له تحت اسم “ستيدفاست نون” في 17 تشرين الاول وصولا الى 30 تشرين الاول، وذلك بمشاركة 60 طائرة، بينها قاذفات “بي -52” اتت خصيصا من قواعدها في الولايات المتحدة وقامت بمهمات فوق بلجيكا وبحر الشمال وبريطانيا للتدريب على استخدام القنابل النووية الاميركية الموجودة في اوروبا، وانما من دون استخدام اي قنابل حية، وهي نشاط تدريبي متكرر وليس مرتبطا باي حدث من الاحداث العالمية، بحسب ما ذكر بيان لحلف الناتو.
وكانما على البشرية ان تحبس انفاسها وهي تراقب ما يجري في عالم الشمال، وما يمكن ان يحدث بعدما ذهبت الامور نحو ما قد لا تحمد عقباه، من خلال تنظيم استفتاءات في مناطق اوكرانية اختارت، بحسب النتائج المعلنة، الانضمام الى روسيا، ثم قرار حكومة كييف، ردا على ذلك، التقدم بطلب معجل للانضمام الى حلف الناتو، وهي بالضبط الخطوة التي ترفضها موسكو، بل وتحذر منها منذ عقدين من الزمن، وتؤكد مخاوف الروس منذ ان اعلن الناتو في قمة بوخارست العام 2008، ان اوكرانيا ستصبح عضوا في الحلف متى شاءت ومتى صارت متوافقة مع معايير الانضمام.
طبعا، صار معلوما ان الروس يؤكدون انهم تلقوا تعهدات غربية منذ مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي، بان الحلف لن يتوسع شرقا باتجاه الحدود الروسية، لكن هذه التعهدات ذهبت ادراج الرياح، وصار الناتو على تماس مع اراضي روسيا، بينما كانت الازمات الاوكرانية تغلي منذ سنوات على اقدار المصالح والتظاهرات الملونة و”الانقلابات” الانتخابية وتطيح في احدى مراحلها برئيس موال لموسكو هو فيكتور يانوكوفيتش الذي عارض ادخال بلاده في الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو.
هذا من الماضي ربما، لكن الصراع على اوكرانيا من اجل ابعادها عن الدب الروسي او ضمها الى احضان الغرب، ظل مستمرا، بل تاججت نيرانه وصولا الى استفتاء شبه جزيرة القرم واعلان استقلالها، ثم ضمها الى روسيا في العام 2014. ولم يكن الاجتياح الروسي قبل نحو 9 شهور، عملا عسكريا ميسرا بحسب ما روج له اعلاميا، اما بدوافع الحماس للتحرك الروسي، او بدوافع تشجيع الانغماس الروسي في المستقنع الاوكراني، املا ربما بتكرار كارثة استنزاف الكرملين في المستقنع الافغاني قبل 40 سنة.
المهم ان القوات الاوكرانية التي تتدفق عليها الاف الاطنان من الاسلحة الغربية، وخاصة تلك المدمرة للدبابات والمدرعات الروسية، نجحت خلال ايام معدودة من ايلول الماضي في استرجاع اكثر من 6 الاف كيلومتر مربع من ايدي القوات الروسية، في ظل ما يقول خبراء ومراقبون انها سلسلة من الاخطاء الروسية، والتي من بينها الاكتفاء منذ بداية الحرب بنشر نحو 150 الف جندي استخدمتهم موسكو على جبهات واسعة وممتدة على طول مئات الكيلومترات، ما جعل قوافلهم وتحركاتهم عرضة للكمائن والانكشاف في مساحات واسعة، وخاصة امام ضربات الصواريخ الموجهة لقوافلهم وامدادتهم، ناهيك عن استنزافهم المتواصل منذ شهور امام جيش اوكراني يستخدم ما يقدر بنحو عشرة اضعاف القوة الروسية الغازية.
المهم ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خرج في 21 ايلول معلنا التعبئة العسكرية الجزئية التي يفترض ان تضخ نحو 300 الف عسكري اضافي على خطوط الجبهات الاوكرانية لتعديل مسار الحرب، وهم يمثلون 1% فقط من قدرة التعبئة الروسية التي بامكانها بحسب ما تؤكد وزارة الدفاع، جمع 25 مليون مقاتل في حال كان الاستدعاء للحرب شاملا.
اعاد بوتين صياغة مفهومه للحرب مع اوكرانيا من مصطلح “العملية الخاصة” المحدودة ضد النازية الجديدة الحاكمة في كييف، الى “التعبئة الجزئية” الضرورية من اجل ما وصفه بانه حماية سيادة روسيا وشعبها من الحرب التي يشنها الغرب جماعيا، وحماية سكان منطقة دونباس الاوكرانية الذين لا يريدون الخضوع ل”العبودية” في اوكرانيا. لكن بوتين اضاف في خطابه المتلفزة الكلمة التي كان كثيريون يخشونها، وهي ان الغرب يمارس الابتزاز النووي ضد بلاده التي في المقابل، لديها “اسلحة كثيرة للرد”.
وجاء قرار اعلان التعبئة بعدما طلبت السلطات المتحالفة مع موسكو في اربع مناطق اوكرانية تسيطر عليها القوات الروسية، تنظيم استفتاء لهم حول الانضمام الى الاتحاد الروسي، وهي مناطق تشكل مساحتها نحو 15% من مساحة اوكرانيا، ويبلغ عدد سكان هذه المناطق ما بين 5 إلى 7 مليون نسمة، اي نحو 15 % من مجموع سكان اوكرانيا. وبعد ان كانت روسيا ضمت القرم منذ سنوات، والبالغة مساحتها 27 الف كيلومتر مربع، تصبح بذلك مساحة المناطق التي اقتطعتها روسيا من اوكرانيا 135.845 كيلومترا مربعا، من اصل 603.628 كيلومترا مربعا، اي اكثر من 27 % من المساحة الاجمالية لاوكرانيا.
وكما كان متوقعا، ايدت نتائج الاستفتاءات في المناطق الاربعة بغالبية كاسحة، الانفصال عن اوكرانيا والانضمام الى روسيا، في 27 ايلول، وتضم لوغانسك (98%) ودونيتسك (99%) وخيرسون (87%) وزابوروجيا (93%)، ووقع بعدها بوتين مرسوم ضم هذه المناطق الى الاتحاد الروسي.
ومن المهم الاشارة الى انه في منطقتي دونيتسك ولوغانسك وهما اعلنتا “استقلالهما” قبل الغزوالروسي، طلب من الناس الاجابة عما إذا كانوا يؤيدون “انضمام جمهوريتهم إلى روسيا”. اما في خيرسون وزابوريجيا المحرومتان والمهملتان من جانب حكومة كييف وتعانينان من شح مواردهما وثرواتهما الطبيعية والفقر والبطالة، فقد طرح على سكانهما السؤال التالي:”هل تؤيد الانفصال عن اوكرانيا، واقامة دولة مستقلة وانضمامها الى الاتحاد الروسي؟”.
وبطبيعة الحال، استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار اميركي في مجلس الامن الدولي يدين الاستفتاءات وقرار الضم الروسي. لكن في 12 تشرين الاول، ادانت الجمعية العامة للامم المتحدة الضم الروسي واعتبرته “غير قانوني”، بعد تصويت لاعضائها ضده باغلبية ساحقة، اذ بينما صوتت لصالح قرار الادانة 143 دولة، فقد عارضته خمس دول (بينها بيلاروسيا، وكوريا الشمالية، ونيكاراغوا، وسوريا)، وامتنعت 35 دولة عن التصويت من بينها الصين والهند وجنوب افريقيا وباكستان رغم الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الولايات المتحدة.
تتراكم هذه الانقسامات الدولية ما ينذر بتحولات كبيرة ليس فقط في علاقات روسيا مع محيطها الجغرافي والعالمين وانما ايضا في الاصطفافات السياسية الدولية. يكفي مثلا الاشارة الى ان قرار تحالف “اوبك بلاس” الذي يضم دول “اوبك” ومنتجين من خارجها بينهم روسيا، خلال اجتماع في 5 تشرين الاول، بخفض كبير في الانتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من تشرين الثاني الحالي، جعل البيت الابيض يتهم “اوبك بلاس” بانها “منحازة” الى روسيا.
وبحسب التقديرات الروسية، فان عملية الضم للمناطق الاربعة، هي بماثة انذار روسي للغرب بان التعدي عليها سيكون بمثابة اعتداء على الاراضي الروسية نفسها، ما يستوجب اعلان حرب حقيقية، والدفاع عن سيادتها، بما في ذلك خيار استخدام القدرة النووية.
ولم تمض ايام، حتى استهدف جسر القرم في 8 تشرين الاول بتفجير مخطط له من المخابرات الاوكرانية بحسب الاتهام الروسي. وهو بحسب موسكو، اعتداء مباشر على الاراضي الروسية وهو الذي يربط القرم بالبر الروسي، على طول 19 كيلومترا، كان بوتين افتتحه في العام 2018، وله اهمية لوجستية كبيرة في الوقت الحالي لان الامدادات للقوات الروسية المشاركة بالحرب في الجنوب الاوكراني، تصل عبره، وتبين ان ترميمه يتطلب نحو 9 شهور من العمل.
يومان فقط، وانهمرت الصواريخ على العاصمة الاوكرانية كييف، بشكل ذكر الاوكرانيين بالايام الاولى من الحرب عندما اقترب الجيش الروسي من العاصمة، ولم يدخلها. وكان اخر قصف روسي على كييف وقع في حزيان الماضي. واستهدفت كييف باكثر 84 صاروخا ضربت العشرات من مواقع البنى التحتية بما فيها الكهرباء والمياه ومواقع حكومية وامنية، واجبر الاف المواطنين، وحتى ممثلو البعثات الاجنبية، على الاحتماء في الملاجئ. لقد كان من الواضح ان بوتين يريد ان يذكر الرئيس الاوكراني فلودومير زيلينسكي، ولحلفائه في الغرب، بان المساس باراضي روسيا، يستوجب عقابا صارما. ولم يقتصر الهجوم على كييف وحدها، فقد شمل مناطق اخرى مثل خميلنيتسكي ولفيف ودنيبرو وفينيتسيا وزابوريجيا وسومي وخاركيف وجيتومير.
وفي خطوة يعتبر كثيرون انها ستساهم ايضا في تاجيج الحرب، كان زيلينسكي اعلن في 30 ايلول، انه سيطلب الانضمام الى حلف الناتو بموجب اجراءات العضوية المعجلة، وانه لن تكون هناك محادثات سلام مع روسيا طالما ظل بوتين رئيسا.
لكن الاعتقاد السائد حتى الان هو ان العضوية الكاملة لن تتحقق اولا لانها تتطلب اجماع كل اعضاء الحلف ال30 عليها وهو غير متاح حتى الان، وثانيا، لان العضوية تعني صفحة جديدة اكثر خطورة ودموية وبردا مع روسيا. وفيما بوتين لا يرى على ما يبدو حسما سريعا للمعركة، فان زيلينسكي الذي كان يريد التفاوض في بداية الحرب، اصبح الان متمنعا ويختال متباهيا بصورته العالمية ك”بطل”.
نوفوروسيا
يعتقد مراقبون ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى في نهاية المطاف الى ضم كل مناطق ما يسمى “نوفوروسيا” وهي التسمية التاريخية المستخدمة للحديث عن المناطق التي تضم اغلبية ناطقة بالروسية في مناطق شرق اوكرانيا، والتي تشمل دنيبروبيتروفسك وخاركيف وميكولايف واوديسا.
اوكرانيا
تبلغ مساحة اوكرانيا 603,700 كيلومتر مربع. ويبلغ طول حدود اوكرانيا مع روسيا 1576 كيلومتر. ولا تبعد العاصمة الروسية موسكو عن الحدود الاوكرانية سوى 480 كيلومتر.
اوكرانيا متخوفة من احتمال انضمام بيلاروسيا الى الحرب ضدها، ويبلغ طول حدودها معها 891 كيلومتر.
يعتقد ان الجيش الاوكراني هو الاكبر عددا في اوروبا. ويبلغ عدد سكانها نحو 44 مليون نسمة، وهي تواجه تراجعا بعدد سكانها بمعدل 200 الف نسمة سنويا، لان نسبة الوفيات اعلى من نسب الولادات.