الرئيسية » اراء ودراسات » اميركا : انتخابات في ظلال كورونا وجورج فلويد

اميركا : انتخابات في ظلال كورونا وجورج فلويد

تتجه الولايات المتحدة الى الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2020، وقد تجمعت في سمائها غيوم ملبدة تلقي بظلالها على فرص نجاحها، او حتى اجرائها، وتطرح شكوكا قوية بامكانية اعادة انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي جعل شريحة اميركية غاضبة تشعر كأنها “جورج فلويد” وهو يختنق قائلا للشرطي “لا استطيع التنفس”.

خليل حرب

++++++++++++++++++++++++++++

وقد اصبح ربع ضحايا فيروس كورونا في العالم من الاميركيين الذين اصيب نحو اربعة ملايين منهم بالفيروس و قتل اكثر من 140 الف انسان.

هذه انباء سيئة لبلد يتصدر لائحة الاصابات والضحايا عالميا، بينما يستعد الناخبون فيه الى التوجه الى صناديق الاقتراع بعد اربعة شهور، مثلما اعتادوا ان يفعلوا منذ عشرات السنين في الثالث من تشرين الثاني.

ولكي تكتمل قتامة المشهد الاميركي، جاءت جريمة قتل المواطن الاميركي من اصول افريقية جورج فلويد الذي مات اختناقا تحت ركبة الشرطي الاميركي ديريك شوفين، في مدينة ميينابوليس في ولاية مينسوتا، لتهز اركان المجتمع الاميركي من اقصاه الى اقصاه، تظاهرات وحزن وغضب وحرق ونهب، وكادت تقتحم اسوار البيت الابيض حيث قبع ترامب مرتبكا.

وقد توغلت القضيتان، وباء كورونا ومقتل جورج فلويد، في صميم العملية السياسية الاميركية والاعيب الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، والمناورات الانتخابية التي حاولت تجيير القضيتين، اما لصالح الجمهوري ترامب او للديمقراطي جو بايدن. 

From left, US President Donald J. Trump and former Vice President Joe Biden.Trump Biden

وربما تبدو تلك المناورات امرا طبيعيا في اجواء المنافسة الاميركية التي غالبا لا يمكنك التكهن بنتائجها مسبقا.

 لكن “الموت” هو القاسم المشترك بين القضيتين.

هناك خطر الموت الداهم على مجتمع باكمله يعاني من اخفاق في نظام الرعاية الصحية، وهي بالمناسبة قضية حاضرة دوما في كل الصراعات الحزبية الاميركية، وهناك ايضا موت المواطن الافريقي الاصل الذي احتضر مظلوما تحت قدمي عنجهية الشرطي الاميركي الابيض وقساوته المحفورة في ذاكرة ملايين الاميركيين، وخصوصا من ابناء الاقليات والمهاجرين منهم.

واللافت في ما يحدث باختصار ان طلقتي النار هذه كان يفترض بهما ان “تقتلا” الرئيس الاميركي سياسيا وشعبيا.  

توغلت القضيتان، وباء كورونا ومقتل جورج فلويد، في صميم العملية السياسية الاميركية والاعيب الحزبين، الديمقراطي والجمهوري

لكن المفارقة انه يبدو حتى الان صامدا، بل ويهاجم الجميع بلا هوادة :”بايدن النائم” كما يسميه ساخرا، الديمقراطيون “الفاشلون” منذ سنوات، المتظاهرون “الارهابيون” و”اليساريون”، حكام الولايات ممن لم يستجب منهم لاقتراحه اقحام الجيش للتدخل من اجل قمع الاحتجاجات الشعبية، والاهم هدفه المميز المتمثل بأخبار وسائل الاعلام “المزورة” كما اعتاد تسميتها.

وبرغم الخصومة مع كل هؤلاء، ما يزال ترامب يعارك الجميع.

وحتى ان ورقة الاقتصاد التي روج لنفسه عبرها خلال السنوات الثلاث الماضية للتدليل على نجاعة سياساته المالية، اصبحت محل شكوك الان فيما يتهمه خصمه بايدن بان فشل استجابته لخطر وباء كورونا ضرب الحياة الاقتصادية وفقد 20 مليون اميركي وظائفهم.

“المكتب القومي للابحاث الاقتصادية”، وهو مؤسسة خاصة للابحاث الاقتصادية مقرها مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس، خلص مؤخرا الى ان “الحجم غير المسبوق من الانخفاض في التوظيف والانتاج، وانتشاره الواسع عبر الاقتصاد باكمله، يستدعي تصنيف هذه الحلقة على انها ركود، حتى لو اتضح أنها أقصر من الانكماشات السابقة”.

وحتى على صعيد الخبراء الذين يشككون في احتمالات ان تكون الولايات المتحدة دخلت في مرحلة الركود الاقتصادي التقليدي، فانهم بكل الاحوال يشيرون الى ان مرحلة “الركود الذاتي” الناتج عن ايقاف الحركة الاقتصادية بفعل الوباء، ويقارن بعضهم بين الاقتصاد الاميركي حاليا وبين “الغيبوبة التي يسببها العلاج الطبي”.

ومهما يكن، فان “ورقة الاقتصاد” لم تعد رهانا مضمونا تماما بالنسبة الى ترامب وهو يتعهد بالبقاء فترة رئاسية ثانية في البيت الابيض، لا بل ويتوعد مغردا “إذا تولى أي شخص غيري المنصب في العام 2020، سيكون هناك انهيار في السوق لن نر له مثيل”!. 

يحدث هذا في اميركا. او فلنقل “اميركا-ترامب” الذي وصفه السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز بانه “الرئيس الاخطر في التاريخ الاميركي الحديث“.

وفي اميركا ايضا ان بايدن، منافسه الديمقراطي، يقول صراحة انه قلق من ان ترامب سيحاول “سرقة” الانتخابات، لكنه واثق من أن جنود الجيش الاميركي سيخرجونه من البيت الأبيض اذا خسر ولم يعترف بالنتيجة.

بايدن كان يتسلح بالجيش لحماية الدستور مذكرا بان التصريحات الانتقادية التي ادلى بها في الاسابيع الاخيرة كبار المسؤولين العسكريين السابقين لمواقف ترامب من الاحتجاجات على الصعيد الوطني بشأن وحشية الشرطة، جعلت بايدن “مقتنع تماما أنهم (الجيش) سيصطحبونه من البيت الأبيض بسرعة وحسم”.

ساندرز عن ترامب : “الرئيس الاخطر في التاريخ الاميركي الحديث

يقاوم ترامب الارقام ايضا. استطلاع اجرته شبكة “سي ان ان” الاميركية في حزيران الماضي، اظهر تفوق بايدن بنسبة 51% من عدد الناخبين المسجلين، مقابل 41% من الاصوات الداعمة لترامب، وهو ما يشكل نموا كبيرا في نسبة الدعم لبايدن الذي كان يحظى بـ48% من معدل الدعم مقابل 43% لترامب في استقصاء شهر نيسان الماضي، اي قبل الانفجار السياسي – الاجتماعي الذي تسببت به جريمة جورج فلويد وتفاقم تداعيات كورونا.

ويرد الرئيس الجمهوري على ذلك كعادته بان ارقام القناة الاميركية “مزورة كتغطيتها الاخبارية” محذرا من ان الديمقراطيين “سيدمرون اميركا”!.

ويذهب ترامب ابعد من ذلك، اذ تطالب حملته الانتخابية قناة “سي ان ان” بسحب الاستطلاع والاعتذار، بعدما أظهره متراجعا بدرجة كبيرة.

هل سيسقط ترامب؟

ليس من السهل الاجابة على تساؤل كهذا بعدما بينت الانتخابات الاميركية في العقدين الماضيين ان النتائج لم تكن دائما متطابقة مع استطلاعات الراي حتى في اللحظات الاخيرة التي تسبق فتح صناديق الاقتراع، وفي احيان كثيرة جاءت بنتائج متناقضة تماما معها.

President Donald Trump holds a Bible as he visits outside St. John’s Church across Lafayette Park from the White House Monday, June 1, 2020, in Washington. Part of the church was set on fire during protests on Sunday night. (AP Photo/Patrick Semansky)

لكن بالامكان في الاسابيع والشهور القليلة المقبلة تتبع المدى الذي ستصل اليه تداعيات جريمة قتل جورج فلويد على النسيج الاجتماعي والسياسي والحزبي في اميركا، بالاضافة الى خطر كورونا، ونفق الركود الذي دخله الاميركيون، فيما سيظل السؤال مطروحا عما اذا كان الوباء سيسمح باجراء الانتخابات من اساسها.

وربما الاهم، الى اي مدى ستظل القواعد الانتخابية المتعددة لترامب، من الناخبين البيض المهمشين، ومن ولايات العمق الجنوبي والمسيحين الانجيليين، على ولائهم له.

لكن المؤكد ان هذه الغيوم الملبدة، ستغير في ميول الناخبين الاميركيين فيما شاهد العالم تظاهرات واعمال شغب تعم 75 مدينة اميركية والاف الاميركيين يهتفون احتجاجا “لا استطيع التنفس”. السؤال هو كم ستكون نسبة هؤلاء في تغيير المشهد السياسي في الولايات المتحدة؟

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".