الرئيسية » اراء ودراسات » النظام الدولي يتغيّر.. فماذا عن لبنان؟

النظام الدولي يتغيّر.. فماذا عن لبنان؟


كتب طارق عبود:

تشبه الولايات المتحدة اليوم الرجل الشرير الحاقد والعصبي، الذي خسر منزله على طاولة القمار، وفي اللحظات الأخيرة قبل خروجه منه، قرر أن يحطّم كل ما يصادفه من أثاث وتحف، وحتى أطفال اذا صادفهم. ولكن في النهاية، يحمل حقيبته ويخرج غير ملتفتٍ إلى الوراء، مسدلًا الستار على مرحلة أصبحت من الماضي.

في لبنان، الكل متفق على أنّ البلد يعيش الظرف الأخطر والأقسى في تاريخه.

فالأميركيون يضغطون بقسوة غير مسبوقة على لبنان وإيران وسوريا، لتحصيل مكتسبات سياسية في لحظة مفصلية دولية، يتجه فيها النظام الدولي إلى تموضعات جديدة، تفقد فيه الولايات المتحدة مركز الصدارة منفردة، ويتبلور نظام جديد تحكمه التوازنات الدقيقة، وتتحرك فيه القوى الآسيوية الصاعدة لتشغل مركزًا متقدمًا. وهذا ما عمل على تسريع وتيرته بشكل غير متوقع فايروس كوفيد19 .

هل يريد الأميركيون حربًا؟

السؤال المطروح دائمًا:هل يريد الأميركيون حربًا جديدة؟ يأخذنا التحليل المنطقي أنّ الولايات المتحدة لا ترغب في استعادة تجربة الحرب، لا في الشرق الأوسط ولا فيه غيره، لأنّ المحصّلة الأميركية السياسية من حروب الشرق الأوسط، في كلّ من أفغانستان والعراق، واليمن وسوريا ولبنان) تكاد تساوي صفرًا، إلا من حيث الارتفاع في عدد الضحايا من أهل المنطقة، وعدد القتلى من الأميركيين، والفاتورة الاقتصادية الهائلة التي دفعوها في العراق وأفغانستان.
فسوريا لم تسقط، رغم كل ما بذل الأميركيون وحلفاؤهم من جهد خرافي لإسقاطا.  تقدّم الروس، وحوّلوا التهديد إلى فرصة، ليشكّلوا قوة دولية لا يستطيع الغرب زحزحتها من سوريا، وحجزت لها مكانًا في النظام الدولي الجديد.

كان اليمن حديقة خلفية للسعودية، وعانى طويلًا من الحرب الداخلية، وكان الحوثيون يشكلون مجموعات من الثوار إمكانياتهم قليلة، واليوم أصبحوا قوةً معتبرةً تسيطر على أحد أهم الممرات المائية في العالم.وتستطيع تهديد الاقتصاد العالمي مثلما فعلت غير مرة، ومنها في أيلول الماضي.
العراق في الحد الأدنى يتقاسم فيه الأميركيون والإيرانيون النفوذ. والحشد الشعبي أصبح ورقة مهمة في الحياة السياسية فيه.
وفي أفغانستان لإيران كلمة مسموعة بقوة اليوم، من دون الدخول في التفاصيل.
لبنان، بعد حرب تموز أصبحت فيه المقاومة قوةً فعلية تهدّد إسرائيل وجيشها وبنيتها التحتية ومطاراتها وطائراتها، وحتى أصبحت تهدد مستوطناتها بالاحتلال أيضًا..
أما إيران، ورغم الحصار القاسي عليها، فهي أصبحت تشكّل قوة إقليمية وازنة، تتحدى الأميركيين في الخليج، وصولًا الى فنزويلا، ودخلت في نادي الدول النووية، إضافة إلى إطلاقها قمرًا صناعيًا عسكريًا الى الفضاء، وإنجازات كثيرة أخرى.

ماذا عن لبنان؟

تعيش الجمهورية الثانية في لبنان، جمهورية الطائف، حالة موت سريري، وتعاني فشلًا ذريعًا، وأثبتت أنها قد تصلح أنموذجًا متطورًا لإحدى جمهوريات الموز على الصعد كافة، حتى وصلت إلى الانهيار الاقتصادي الكامل والمريع.
استغل الأميركيون هذه الوضعية، وضغطوا بشكل كبير على الخاصرة الرخوة في النظام اللبناني، لإخضاع البلد، مستهدفين أكثر عناصره قوة، وهي المقاومة، وفي كل الوسائل، بدءًا من القرار 1559 ، مرورًا بالحرب العسكرية الطاحنة في العام 2006، ومن ثم بالحرب الناعمة، وصولًا إلى محاصرة لبنان عبر التكفيريين في سوريا، وانتهاءً بالحرب الاقتصادية والمالية الهائلة.

 ماذا في النتائج؟


أولًا: أسهم الحصار الأميركي، والفساد في لبنان في تدمير الاقتصاد اللبناني، المترنّح أصلًا على يد الطبقة السياسية الحليفة في معظمها للولايات المتحدة.
ثانيًا: القضاء على الأنموذج الاقتصادي اللبناني، والنظام المصرفي الذي يمثّل درة تاج النظام اللبناني.
-ثالثًا: لقد أدّى الضغط الأميركي غير المسبوق إلى دفعِ بعض اللبنانيين عنوةً إلى التوجه نحو الشرق، أو في حدٍّ أدنى إلى تنويع الخيارت الإقتصادية، وفتح الأبواب أمام الصين وروسيا وإيران للولوج إلى لبنان، بعد منع الولايات المتحدة الأوروبيين والعرب من المساهمة في أي حل يخفف من الإحتقان الاقتصادي والانهيار المالي.


رابعًا: فتح الباب لإيران لمساعدة لبنان، وإحراج القوى السياسية الحليفة للولايات المتحدة التي كانت تعترض على أي إعانة تأتي من إيران.خامسًا: والأهم، الإسهام بقوة في تقويض النظام السياسي- الاقتصادي اللبناني القائم منذ تأسيس الكيان، والتفكير جدّيًا في تعديل اتفاق الطائف أو في تغييره كليًا.
-سادسًا: تهشيم الطبقة السياسية والاقتصادية، وطبقة المحتكرين، وكشفها وتعريتها أمام الشعب، ولا سيما بعد سطو المصارف على أموال المودعين، في عملية قرصنة موصوفة، وفي وضح النهار، ما دمّر الثقة كليًا، وإلى مدى غير منظور بهذا القطاع الذي لن تقوم له قائمة قريبًا.


ما هي خيارات طرفي الصراع: الحرب؟


يعيش لبنان اليوم فترة مخاض عسيرة، والشهور القادمة ستمثّل الذروة في الضغط الذي لن يؤدي بطبيعة الحال إلى تقديم المقاومة في لبنان تنازلات، لا في السياسة، ولا في القوة العسكرية، ولا في أي ملف آخر. والنتيجة هي خسارة الأميركي وأدواته في لبنان المعركة المصيرية.
تشير معظم المؤشرات إلى أنّ خيار الحرب مستبعد، ومن الطرفين، لأنّ موازين القوى متقاربة جدًا، ولن يستطيع أحدٌ أن يحسم نتيجة الحرب القادمة، وبالضرر الذي ستلحقه بالطرفين. لذلك فإنّ الحرب ستكون هي آخر الدواء بالنسبة إليهما..
لذا، ستكون الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية حاسمة في تحديد هوية المنتصرين من الخاسرين، وفي الخروج من عنق الزجاجة.، وهي معركة عض أصابع مخيفة.
وفي حالتي فوز دونالد ترامب أو خسارته، فإنّ الأميركيين سيخرجون من المنطقة، وسيركزون جهدهم في اتجاهين: الأول، في الارتداد إلى الداخل لترميم صورة الاقتصاد الأميركي، والثاني، التفرّغ للحرب الباردة مع الصين، التي ستشغل المشهد السياسي العالمي للقادم من السنين.

طارق عبود


*
أستاذ جامعي وباحث في الشؤون الدولية

عن جورنال