الرئيسية » اراء ودراسات » أنثى وذكورة متكلسة

أنثى وذكورة متكلسة

منذُ قالَ الصوفي الشهير ابن عربي مقولته الشهيرة ( كلُّ مكان لا يؤنّث لا يعوّل عليه ) وحتى يومنا هذا ، ما زالت الأنثى في شرقنا تعاني الكثير من الانتهاكات الذكورية المتكررة ، حتى نجد أنها تعيش حالة من الاستلاب العميق في ذاتها ، وازدواجية الأدوار المتناقضة . فالأنثى – الزوجة مثلاً ليست هي الأنثى – الأُم !

هناك الكثير من المحاولات للدفاع عن الكيان الأنثوي مقابل الغطرسة الذكورية التي تحاول جاهدة أن تجعل منها مجرد كيان ثانوي ومخفي مقابل الذكورة السيادية ! .

ولكن معظم هذه المحاولات لا تتجاوز الجانب الحقوقي السطحي ، من دون الغوص عميقاً في الأنثى ككيان وجودي ، له استقلاله النفسي ، ومميزاته الخاصة ، ونزعاته التي ليس من الضروري أن تكون ذات النزعات الذكورية .

وكم ساعد الخطاب الديني ونصوصه التي تعزز من الدور الذكوري واستعلائه ، على إبقاء الأنثى كإنسان درجة ثانية ، يعاني الكثير من الظلم والوصاية والإقصاء لحساب الذكر – المتعالي .

وما دامت الأنوثة في مجتمعاتنا ستبقى في حالة من اللاستقلالية والظلم والسحق الممنهج مجتمعياً ، فالضرورة ستبقى هذه المجتمعات مشلولة ولا يمكنها أن تحدث تقدماً ملحوظاً في العمق . لإن الأنثى تركيبة وجودية مميزة ، ودون وصولها للاستقلال الذاتي ككيان ممايز ومستقل عن الثقافة الذكورية فسنبقى نخسر جانباً محورياً من تركيبتنا المجتمعية ، التي فقدت مفاهيم الرحمة ، الحبّ ، الخالقية ، التوالد الباطني ، الجمالية الطبيعية ، الروحانية الوجودية ، وكلّ ذلك بسبب حالة القمع الممأسس للأنثى كوجود عميق للتركيبة الإنسانية بقطبيها الذكري / الأنثوي .

أليس عاراً أن نكون في القرن الحادي والعشرين وما زلنا للآن نصرخ بحق المرأة بالتعليم والعمل واختيار شريكها واستقلالها في قناعاتها ورؤاها ؟!! . في حين أن كثيراً من البلدان قد تجاوزت ذلك من زمن طويل ، وبدأت النسوية العالمية تناقش جوانب أعمق من التمثيل الأنثوي اجتماعياً ، كمفهوم السلطة والأنثى ، الأنثى والوجود ، وسواها من القضايا التي ما زلنا في عالمنا العربي بعيدين تماماً عن طرحها بشكل جاد وتفاعلي !

الأنثى ليست مجرد أم فلان ، أو زوجة علان ، أو بنت لفلان وحسب ، بل هي ذاتها خارج تبعيتها الدائمة للذكورة ، وكان الأجدر بنا اليوم أن نناقش الأنوثة في إطار وجوديتها وخالقيتها الإبداعية ، بدلاً من البقاء في مربع الأنثى وحقوقها الفردية المباشرة .

إن مفهوم الوصاية الذكورية على الأنوثة ما زال سارياً في قطاعات واسعة من عالمنا العربي ، وللأسف أن نجد أن هناك نساء ينظرن لمفهوم المرأة – الخادمة بكل وقاحة ! . وهذا يدلل على حجم التعود الذي لحق بالأنثى جراء مدونة اجتماعية – فقهية هائلة ، ممتدة في أعماق وعينا الحياتي والثقافي عربياً .

لذلك لابد أن نفهم أن نصوص الدين التي تريد أن تجعل المرأة مجرد سلعة أو تابعة لسيدها الذكر ، لابد أن يعاد نقدها بشكل جريء ، دون مجاملة أو مكيجة ، فمن العار أن نكون في ظلّ كلّ هذا التقدم تقنياً ومعلوماتياً ونمارس عنصرية فاضحة تجاه الأنثى ، وأن نبقى في مربع انتقاصها معولين على نص مثل ( النساء ناقصات عقل ودين ) وأمثاله ؛ ما أوجد حالة ثقافية راسخة بتفوق العقل الذكري على الأنثوي .

في حين أن الواجب أن نجعل الذكورة والأنوثة قطبين متمازجين في عمق وعينا الثقافي والوجودي ، للوصول إلى حالة توازن حقيقي وفاعل ، يعيد عجلة الإبداع والتحرر للوعي العربي الذي انغلق تماماً منذ أسس لحالة الاستلاب الأنثوي في منظومته .

لابد أن تعي الأنثى أنها ذات مستقلة تماماً ، وتمتلك خياراتها الحرة ، ورؤاها الخاصة ، وتأويلاتها التي تنطلق من مفاهيمها الشخصية ، دون إحتكام للمقولات الذكرية التي تسربت إلى أعماقها ، فجعلتها تصدق أن الذكر هو الوحيد الذي يستطيع أن يحميها أو يدافع عنها أو يدير المجال العام ، وأنها لا تصلح إلا كربّة بيت أو موظفة روتينية في أقصى حالاتها !

نعم ، نريد أن نرى الأنثى سياسية ، وأستاذة جامعية ، ومحللة اقتصادية ، ووزيرة ، بل ورئيسة دولة أيضاً ، وأن تعيد اللغة لدينا للأنوثة حضورها في معجمها اللغوي الذي تكلس بألفاظه الذكورية الفاقعة .

وأن نجد صدى أفكار ابن عربي التي أعلت من الأنثوي نسبياً في نقاشاتنا وأفعالنا ، بل ونتجاوزها للأبعد والأكثر عمقاً .

فكلّ مجتمعٍ لا يؤنّث لا يتقدّم .

علي جرادات

عن جورنال