يوم أمس، لم تكن العيون شاخصة نحو العلَم الأميركي لتأدية القسم أو التحيّة، بل تجمّع متظاهرون في شيكاغو قرب فندق ترامب وانتزعوا العلم – الرمز، وقد ترافق ذلك مع تصفيق حادّ بدا نوعًا من التّحدّي للسّلطة.
لعلّ محاولة ازاحة ذلك العلَم الذي حفر ساريات له خارج حدود الولايات المتّحدّة، ورفْع صور غيفارا ليس مجرّد صرخة ضد مقْتل جورج فلويد جرّاء استخدام العنف المفرط بحقّه من قبل شرطيّ أميركيّ فحسب، بل ثمّة ما يشي بأبعد من ذلك، قد تكون لحظةُ الرّغبة في إظهار الصورة الحقيقية للسياسة الأميركيّة من الداخل، الصّورة كما هي في عنصريّتها وحقدها المتراكم على” الغرباء”، الازدواجيّة في التعاطي، سياسة الكيل بمكيالين.
مع إسقاط العَلم الأميركي تتهاوى الكثير من الشّعارات التي تروّج لها الولايات البيضاء، ويتهاوى معها ذلك التّمثال اليتيم في نيويورك.
العلَم الذي” هوى” بالأمس لم يكن مشهدا مألوفًا، فثمة من يمجّد ذلك العلم على أبواب السّفارات الأميركيّة في دول المنطقة وثمّة من يباركه في المياه الإقليميّة، وآخرون تتراءى لهم صورة العلم الأميركي على نعوش القتلى… في الشرق.
كم من الدّول والشّعوب راهنَت على هذا العلَم والتحفت به واتّخذته لواءً لها، كم من الأحزاب والمنظّمات تخلّت عن مبادئها وقضاياها في سبيل الحلم الأميركي، كم إقليمًا مزّق هذا العلَم؟ ومؤخّرًا، العلَم المرفوع على الطائرات، كم هكتار قمح أحرق. في أي منطقة من العالم رُفعت هذه الرّاية وحلّ السّلام؟ في أيّ مكان من هذه الأرض تغلغل هذا العلَم ولم تكن الحرب أيًّا كان نوعها؟
لعل الأمر الوحيد الثابت هو التّجدد، فلا شيء يبقى كما هو، لا في منطقتنا العربية ولا في بلاد العم سام.
إسقاط العلَم الأميركي يستحضر صورًا لتهاوي أنظمة ديكتاتوريّة عديدة عبر التّاريخ على أيدي أبنائها أحيانًا. وكما أنّ الأرض تُطهّر نفسها، كذلك الأفراد، ما يستدعي ضرورة الفكاك من الازدواجيّة في الهُويّة والانتماء، ويتطلّب وقفة تأمّل حقّة مع الذّات ولا سيّما من قِبل أولئك المنقادين لتماثيل الحريّة.
نازك سلمان بدير
أستاذة في الجامعة اللبنانيّة