في الّلحظة التي أقلع فيها الصاروخ “سبيس إكس فالكون 9” من مركز كينيدي والمركبة “كرو دراغون” وعلى متنها رائدا الفضاء روبرت بنكن ودوغ هورلي، وفي خلال متابعة إقلاع الصاروخ كما أظهره النّقل المباشر من قبل ” ناسا”، وبينما كان ملايين المشاهدين حول العالم يواكبون هذ ه المهمة الفضائية التي وُصِفت بالتاريخية، ثمّة مشهد آخر ينهض على النّقيض منه تمامًا.
المركبة” كرو دراغون” (التي تمّ تصميمها بالتّعاون مع شركة خاصّة) لنقل البشر إلى الفضاء ولأغراض سياحيّة، الفضاء الخارجي وأسراره، ترف الرؤية من زاوية مغايرة، الميزانيّات التي تُخصَّص لأغراض البحث العلمي، يرتسم مشهد آخر معاكس له، وكأنّ شعوب الأرض تعيش اللحظة الفيزيائيّة نفسها ولكن، في أزمنة متباعدة، وفي مناطق تفصلها الحواجز، عجزت العولمة عن ردمها في أغلب الأحيان.
هنا نراقب من بعد، من النّصف المهشَّم من الكوكب، إن صحّ التعبير، من الدّرك الأسفل من الأرض، حيث الصّواريخ اعتادت أن تخترق المجال الجوي لتكون أداة فتْك وخراب، تزرع الرّعب في النفوس تارة، وتدمّر المنشآت تارة ثانية.
في خلال مراقبة عمليّة إطلاق الصّاروخ” فالكون 9″ والمركبة” كرو دراغون” ثمّة وجه آخر يطفو على السطح؛ يتساءل البعض، متى سنمتلك ذلك التّرف العلمي؟ ومن أيّ زاوية ننظر؟ وما الذي نراه من خلال كوّة رائد الفضاء؟ لو تخيّلنا أنّ رائدي الفضاء روبرت بنكن ودوغ هورلي اللذَين على متن تلك المركبة هما لبنانيّان أويتحدّران من أصول لبنانيّة، فما المشاعر التي ستعتريهما؟
هل تأخذهما التّجاذبات السياسيّة وهما داخل المركبة الفضائيّة؟ هل ينهكهما صعود الدولار؟ هل يكونان معنيّين ب 100 مليار دين وهما ينظران إلى تلك النقطة” الضئيلة” من أعلى؟ هل يخشيان عند العودة إلى كوكبنا البائس أن تكون نسبة البطالة قد تخطّت سقف ال 50%؟
يبدو أنّنا نسير بسرعة صاروخيّة ولكن بحركة عكسيّة، أو كأنّ هذه المركبة – لبنان قد خرجت عن مسارها، وفقدَت اتّجاهها، وفقدت اتّصالها مع القاعدة على كوكب الأرض، والقدرة على التّواصل معها لإعادتها إلى الحياة، فكان الطّريق نحو المجهول.
نازك بدير
أستاذة في الجامعة اللبنانيّة