الرئيسية » اراء ودراسات » عن خطاب المفتي أحمد قبلان ونهاية الصيغة اللبنانية

عن خطاب المفتي أحمد قبلان ونهاية الصيغة اللبنانية

كتب د. طارق عبود

‎بعيدًا عن المزايدات، وبعيدًا عن التقوقع الطائفي والمذهبي والخطاب العنصري المقيت لبعض اللبنانيين، فإنّ عزل ما قاله الشيخ أحمد قبلان في خطبة العيد عن موقعه كأحد المرجعيات الدينية في البلد، فإنّه كان موقفًا سياسيًا متقدمًا، فيه من الوضوح والجرأة ما يمكن أن يكون برنامج عمل سياسيًا، ورؤية متقدمة ل”ثورة” أو حزب أو تنظيم، وليس لطائفة؛ بل كان طرحه ليس بعيدًا عن الأفكار التقدمية أكثر مما هو طائفي… وأنا أتفق في مضمون ما قاله، حتى لو  أتى ذلك على  لسان البطرك الماروني أو المفتي دريان أو أي مرجعية دينية أو سياسية، وإن كانت مخالفة لانتمائنا الطائفي.

لذا دعونا نفنّد ما قاله الشيخ قبلان قبل أن تبدأ التوضيحات، وتبدأ معزوفات الوحدة الوطنية والتلاحم الطائفي، والبكاء على الصيغة اللبنانية، ولبنان الرسالة، والنظام الاقتصادي المبهر والرائد والنموذج الذي أفقر اللبنانيين، ودفع بهم مرة واحدة الى التسول والاستعطاء..

‎في مقالة سابقة انتقدنا عدم تدخل رجال الدين في ما يحصل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لأنّ دورهم مواقفهم مؤثرة، وليس طبيعيًا تجاهل المخاض الذي يحصل على صعيد الوطن، وإنّ عزوفهم عن تقديم خطاب يتماشى مع مصلحة الرعايا والمواطنين فيه الكثير من التقصير والإجحاف..

واليوم عندما أدلى أحدهم بمواقف متقدمة، علينا أن نناقشه بطريقة إيجابية وعلمية هادئة ، ولكن الملفت أنّ  الذين انتقدوا الخطاب قاربوه من خلفية طائفية ومذهبية. ولهذا بحث آخر.

لذا، دعونا نحلل ما  جاء في الخطاب وثناياه وبين سطوره؟

‎‏-أولًا :

في نهاية الصيغة اللبنانية،

وأنّ أصل نشأة لبنان تم على أساس طائفي واستبدادي، ولخدمة وظيفة معينة وهي المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت، وما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضا هي مرحلة وانتهت. وعليه، نصرّ وبكل صرخة مدوية، أننا ولحماية البلد وكسر الوثنية السياسية، ولإنقاذ لبنان، وتأكيد العيش المشترك، والسلم الأهلي فيه، مطالبون بإسقاط الصيغة الطائفية لصالح دولة مواطن، دولة لا طائفية، دولة إنسان، دولة بقانون يلحظ المواطن بما هو مواطن، إلا ما خص شؤونه الشخصية، فكفانا ترقيعًا بهذا البلد، لأن البلد سقط. سقط لأن دستوره فاسد، وأنه تحوّل إلى مزرعة للطوائف، وأنّ البلد بعد مئة سنة، تحول الى شركة مفلسة، ودولة منهوبة، وأنّ أسواق البلد وثرواته محتكرة، ودواءه محتكر، وسلعه محتكرة،  وهيئاته الناظمة ومجالسه محتكرة، وتلزيماته محتكرة، وكل شيء في هذا البلد محتكر، وبشكل شامل، فشركات ومؤسسات وأقنعة وامتيازات جماعة المال والسلطة تحتكر كل شيء، ورغم الكارثة المدوية، هناك من يصر على حماية امتيازاته الطائفية وزعامته الإقطاعية، والسياسية الخاصة.

وعليه، يجب أن ننتفض بالسياسة، وأن نتلاقى معًا لإنقاذ بلدنا وتطوير مؤسساته السياسية والأخلاقية والوطنية، وإلا فإننا أمام كارثة هائلة، وقصة غالب ومغلوب، وفقير وغني، ومالك ومملوك، ومحتكرِ ومحتكَر، ستحول البلد إلى نفق لا مخرج منه أبدا. ومعه سينتهي لبنان كمشروع دولة ووطن وضمانة إنسان”.

‎هل في هذا الكلام افتراء أو تجنٍ ،أم أنّ هذا الاتفاق سقط فعليًا، وأثبت فشله المريع؟ ومن يستطيع اليوم أن يدافع عن اتفاق الطائف، وأربابه، وعن الصيغة اللبنانية العظيمة؟

‎ثانيًا: .

‎‏في فشل الطبقة السياسية

‎هل من مدّعٍ في لبنان يستطيع أن يقول إنّ السلطة السياسية والحكومات المتعاقبة قدمت نموذجًا في الحكم والإدارة والصناعة والزراعة والكهرباء والاقتصاد والمال والمحاصصة والتوظيف ووو … تُرفع له القبّعة؟

ثالثًا:

في الدعوة الى العدالة الاجتماعية والسياسية

مَنْ من اللبنانيين يعترض على أن تسود العدالة الاجتماعية والسياسية إلا المستفيدين والمحظيين والمنتفعين؟ وهل غالبية الشعب اللبناني تخالف هذه الرغبة؟

رابعًا:

في التجييش الطائفي والمذهبي والعنصري

 من المفيد أن يصدر هكذا موقف من رجل دين، ومن مرجعية دينية. .ففي ذلك دلالة على ثقة بالنفس، ودعوة إلى الخروج من التمترس خلف حقوق الطائفة، ليفيد بعض المحظيين من مقدرات البلد وثرواته.

‎‏خامسًا:

 في حديثه عن أنّ المجتمع الدولي يمارس النفاق

‎‏وأنّ صندوق النقد هو أحد أسلحة الإدارة الأميركية..وأننا إذا لم ننتبه لما يُخطط، نتجه الى تداعيات سياسية خطيرة كاتفاق السابع عشر من أيار، في تطويع البلد وإلحاقه بالمشروع الأميركي الإسرائيلي..

فهذا واضحٌ وبيّنٌ، ولا يحتاح إلى كبير نقاش.

فكثير من المطبّلين لوصفات صندوق النقد ينتظرون على “الكوع” لإسقاط قوة لبنان المتمثّلة في المقاومة، والعودة إلى نظرية قوة لبنان في ضعفه..

‎‏سادسًا:

تحميل المواطن ثمن سياسة النهب في العقود الماضية غير مقبول، وأنّ المطلوب محاسبة من نهب وصادر واستغل السلطة

فلا اعتقد أنّ هناك من يعترض على هذا الكلام، إلا من يريد تحميل الشعب موبقات من نهب البلد وقضى عليه، ويعمل على إعفاء المرتكبين من تحمّل الجزء الوازن من المسؤولية.

‎‏_سابعًا:

 في فتح الأسواق وخطوط الاستيراد،والانفتاح على سوريا والشرق

فهذا مطلب غالبية الشعب اللبناني،ما عدا المحتكرين والتجار والجشعين الذين “جرموا” لحم الشعب ومعاشاته، ومسحوا الطبقة الوسطى، وقضوا على مستقبل شبابه، وشرّعوا أبواب البلد على هجرة الشباب، إذا وُجِدَ بعدُ من يسقبلهم …

سؤال أخير قبل الخاتمة :

هل أنّ ما قاله المفتي الجعفري الممتاز، في خطاب مكتوب ومحضّر بعناية، هو مخالف لرأي قوى سياسية وازنة، أم أنّ في خطبة العيد مقدّمة لطرح رؤية مختلفة للواقع اللبناني، أو رسالة جس نبض للخروج من عقم هذا النظام ،ومن الكارثة التي أنتجها نظاما العام 1943 والطائف؟ الأيام القادمة كفيلة بتظهير الصورة بشكل أوضح.

/////////

خاتمة

هذا الخطاب المفصلي مطروح للنقاش على النّخب والمنظّرين “والثورجيين” والتغييريين الذين لم يجرؤوا على تقديم ورقة سياسية اقتصادية اجتماعية، وكان بعضهم لبعضٍ ظهيرا، وهو مطروح كذلك أمام من يسعون حقيقة الى إقامة دولة عادلة تنصف المواطن، ولا تقف إلى جانب السياسيين والاقتصاديين والمصارف والمحتكرين واللصوص، ممن نهبوا البلد وأفلسوه، في مواجهة الشعب اللبناني المظلوم.

فهل يجرؤون؟

طارق عبود

*كاتب وباحث في الشؤون السياسية

عن جورنال