الرئيسية » العالم والخليج » “خط الجرذان” المعاكس من سوريا الى ليبيا

“خط الجرذان” المعاكس من سوريا الى ليبيا

يتزايد دور مسلحي المعارضة السوريين، في الحرب الليبية، في مفارقة مع التحرير المتسارع للجيش السوري لمناطق ادلب، المعقل الاكبر لهم على الاراضي السورية، فيما غابت ارادة القتال حتى الموت التي توعد بها عناصر التنظيمات المسلحة، بمن فيها “جبهة النصرة”.

تثير هذه المفارقة اسئلة لعل من بينها اسباب تحول وجهة بندقية المسلحين السوريين من ارض الشام، الى صحراء ليبيا، ليس فقط فيما يتعلق بالاوليات البديهية المفترضة لهم بعد تسع سنوات من الرهانات المسلحة لتحقيق اهدافهم السورية، وانما ايضا بتحولهم صراحة الى مرتزقة في الخارج، ومن اجل ماذا.

صحيح ان السلطات الامنية والعسكرية التركية هي التي نظمت عملية تجنيد ونقل المسلحين السوريين من الشمال السوري عموما الى العاصمة الليبية طرابلس، لمساندة حكومة فايز السراج، الا ان الاستجابة الكبيرة من جانب المسلحين لتأجير بنادقهم، تؤكد أولا الخطر الكامن في رواسب الحرب السورية على البيئة الاقليمية المحيطة في المستقبل المنظور، وثانيا مدى خضوعهم للارادة التركية التي تحول اهتمامها الاكبر الان الى منابع الطاقة الليبية.

ولا يغيب عن بال كثيرين، كيف ان تركيا تحولت منذ الشهور الاولى للحرب السورية، الى ساحة خلفية لاستنهاض وتعئبة وتجنيد المسلحين وزجهم عبر الحدود الى اراضي الشام، والان تجري عملية اعادة تكرير لبنادقهم، لتخدم النفوذ التركي في بلاد المغرب العربي.

يتوهم بعض هؤلاء مجددا انهم هناك لقتال “الديكتاتورية” او “تصفية الحساب” مع روسيا التي ساهمت في تحطيم اهدافهم في سوريا. لكن الاكيد انهم يتلقون مخصصات مالية مقابل “خدماتهم” ونقل تجربتهم القتالية الى ليبيا لمواجهة اللواء حفتر وتأمين الميدان لرجب طيب اردوغان بعد اتفاقه الشهير حول الحدود البحرية والتعاون العسكري والنفطي مع حكومة السراج.   

ان “خط ادلب – طرابلس” هذا، يعيدنا  بالتأكيد الى العام 2012، عندما نسقت الاستخبارات الاميركية ما سمي ب “خط الجرذان” الذي نقل بموجبه المسلحون والعتاد العسكري من ليبيا ما بعد القذافي، الى جنوب تركيا ومنها الى مسلحي المعارضة السورية، وذلك بتمويل من السعودية وقطر، وهو دعم تحول تدريجيا الى فصائل متطرفة من بينها “القاعدة”، بحسب الفضيحة التي كشفها الصحافي الاميركي سيمور هيرش في العام 2014، والتي انتهت بكارثة امنية – سياسية لادارة الرئيس السابق باراك اوباما ووزير خارجيته هيلاري كلينتون، خصوصا بعد مقتل السفير الاميركي كريستوفر ستيفنز في مقر القنصلية الاميركية في بنغازي.

عبدالحكيم بلحاج

هناك اسمان برزا عادا  الى الاضواء مجددا مع “خط الجرذان” المعاكس، هما عبدالحكيم بلحاج ومهدي الحاراتي. فمن هما، وماذا يحكى عن ادوارهما الجديدة في خدمة الخطة التركية؟

عبدالحكيم بلحاج، يعتبر من مؤسسي “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” في بداية التسعينيات، قبل ان يتولى زعامتها، وكان يعمل من اجل محاولة اغتيال معمر القذافي والاطاحة بنظامه، قبل ان يعتقل في آسيا، ويسلم الى القذافي الذي زجه في السجن.

وبوساطة من الشيخين “الاخوانيين” علي الصلابي ويوسف القرضاوي في مرحلة ازدهار العلاقات بين الدوحة والقذافي، قبل ما يسمى “الربيع العربي”، اقدم القذافي، على اطلاق سراح بلحاج. وبعد “ثورة 17 فبراير” ضد القذافي، ظهر بلحاج على شاشات التلفزيون بصفته قائد الهجوم على طرابلس واسقاطها.

ولم يظهر بلحاج الذي يمتلك قناة “النبأ” التلفزيونية، لاعبا سياسيا كبيرا على الساحة الليبية، بينما تحدثت تقارير عن انه تمكن من الاستيلاء على كميات كبيرة من الاموال والذهب من خزائن القذافي والبنوك الليبية، ويعتقد انه اودعها في تركيا حيث يمضي الكثير من وقته، لكنه ابقى على الكثير من نفوذه الخلفي على الساحة الليبية، وهو يعتبر من ابرز داعمي حكومة السراج في طرابلس التي تراهن في بقائها على دعم الميليشيات المسلحة لها.

وتشير التقديرات الاولية الى ان اكثر من اربعة الاف مسلح سوري جرى نقلهم حتى الان من الجبهات السورية الى طرابلس وجبهات القتال الليبية ضد اللواء حفتر، حيث يلعب بلحاج دورا مباشرا في تنظيم هذه العملية لصالح الاستخبارات العسكرية التركية، بينما يتحدث المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل العشرات من هؤلاء المسلحين السوريين في المعارك الليبية.

اللافت ان بلحاج، ساهم بدور كبير في تسهيل نقل “الجهاديين” والعتاد العسكري من ليبيا الى سوريا في اطار عملية “خط الجرذان” التي اشرنا اليها سابقا. وهو الان يقوم بعملية معاكسة.

التقارير السعودية تتحدث عن “دور عبدالحكيم بلحاج الأساسي في ملف المرتزقة السوريين المرسلين إلى ليبيا، يكمن في نقلهم ونقل العتاد عبر شركة الأجنحة للطيران التي يمتلكها”، بالاضافة الى الخبراء العسكريين الأتراك. كما أن شركة الخطوط الجوية الإفريقية المملوكة للدولة والتي يسيطر على مجلس إدارتها أعضاء من مدينة مصراتة، تشارك ايضا في نقل المرتزقة السوريين من تركيا إلى ليبيا، ولكن بدرجة أقل من شركة بلحاج التي تقود وتشرف على هذه العملية.

المهدي الحاراتي

والى جانب بلحاج، يقوم بدور فاعل المهدي الحاراتي المعروف بانه يرتبط بعلاقات وثيقة مع فصائل سورية مسلحة منذ العام 2011، ومع اجهزة الامن التركية منذ ما بعد مشاركته في سفينة اغاثة الى غزة، هاجمتها اسرائيل في العام 2010 ، واعتقلت بعض ناشطيها الذين قامت انقرة بالعمل على اطلاق سراحهم ونقلهم الى تركيا.

الحاراتي يقبل راس اردوغان

وقبل ذلك، قاتل الحاراتي في كوسوفو ضد القوات الصربية كما قاتل في صفوف “الجهاديين” العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.

استغل الحاراتي العلاقات التي نسجها مع المسلحين السوريين، للعمل لوجستيا على نقلهم الى ليبيا، للقتال ضد اللواء حفتر. وتصفه التقارير السعودية بانه “رجل الظل” للعملية التركية في ليبيا والمشرف على تنسيق وتأمين دخول المرتزقة السوريين الى طرابلس.

وعلى غرار بلحاج، قاد الحاراتي كتيبة مسلحة سميت “ثوار طرابلس” التي ساهمت في اسقاط حكم القذافي، وسيطرة الميليشيات الاسلامية على العاصمة ومناطق اخرى في ليبيا. بعدها بشهور، انتقل الحاراتي الى سوريا للمساهمة في “الجهاد” فيها، وقاد هناك ما سمي “لواء الامة”، وهو تنظيم متطرف ضم مسلحين ليبيين وسوريين، وكان يتمركز في محافظة ادلب، ومن هناك ينسق دخول وتدريب مقاتلين ونقل الاموال والسلاح عبر الاراضي التركية الى سوريا.

دارت شبهات حول تورطه في عمليات اختلاس اموال طائلة مخصصة للاطاحة بالقذافي، بعد تعرض منزله للسرقة في ايرلندا التي يحمل جنسيتها وكان يقيم فيها في العام 2011.

وتولى الحاراتي منصب نائب قائد المجلس العسكري في طرابلس، الذي كان يقوده بلحاج، ثم أنتخب في العام 2014 رئيسا لبلدية طرابلس، وبدأ العمل تحت مظلة حكومة المؤتمر الوطني العام، التي يسيطر عليها تنظيم الإخوان المسلمين.

والان، يتهم المتحدث باسم “الجيش الوطني الليبي” التابع للواء حفتر، اللواء أحمد المسماري، تركيا بأنها تنقل مسلحي “جبهة النصرة” من سوريا إلى ليبيا بوتيرة عالية عبر المطارات والموانئ، مؤكدا ان “الذين نحاربهم هم مجموعات إرهابية إجرامية… وان الرقم المستهدف للإرهابين الذين سيتم نقلهم من سوريا إلى ليبيا يبلغ حوالي 7 آلاف”.

من مؤتمر برلين حول ليبيا

واعتبر المسماري أن هذا الأمر ينعكس على التطورات الميدانية في سوريا، حيث أن “الجيش السوري يتقدم على عدة نقاط ويحرر قرى في ريفي حلب وادلب، في حين ان الرئيس التركي يسعى إلى تحقيق تمركز عناصر “جبهة النصرة” جنوب أوروبا وفي خاصرة جمهورية مصر ولضمان تواصلهم مع تنظيم “القاعدة” في المغرب العربي.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، هناك نحو 3 الاف مرتزق وصلوا الى طرابلس حتى الان، في حين أن عدد المجندين الذين وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1790 مجنّدا، وسط استمرار عمليات التجنيد بشكل كبير سواء في عفرين أو مناطق “درع الفرات” ومنطقة شمال شرق سوريا، مشيرا الى ان هؤلاء ينتمون الى فصائل “لواء المعتصم” و”فرقة السلطان مراد” و”لواء صقور الشمال” و”الحمزات” و”فيلق الشام” و”سليمان شاه” و”لواء السمرقند”.

مشاركة المرتزقة السوريين في الحرب الليبية لم يعد يثير حرجا. رئيس الحكومة في طرابلس فايز السراج قال في مقابلة مع قناة “بي بي سي” البريطانية “لا نتردد في التعاون مع أي طرف” لصد ما وصفه بـ”الاعتداء”.

صحيفة “الغارديان” البريطانية تحدثت عن نقل مئات المسلحين من ما يعرف بـ “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه أنقرة، الى تركيا في الاسابيع الماضية، للقتال لاحقا لصالح حكومة السراج، تحت لواء فرقة عسكرية تسمى “عمر المختار”، وفق عقود مع حكومة الوفاق الليبية ويحصلون بموجبها على الفي دولار شهريا لكل مسلح، مع وعود بحصولهم على الجنسية التركية.

تنقل وسائل الاعلام مواقف مختلفة عن بعض هؤلاء المسلحين. بعضهم يقول انه يتواجد في ليبيا “للدفاع عن الاسلام”، واخرون يقولون انهم يريديون تصفية الحساب مع روسيا التي قاتلتهم في سوريا، فيما يدعي اخرون انهم يرديون محاربة الديكتاتورية الحاكمة التي يمثلها اللواء حفتر برأيهم.

“لبننة”.. والدرس السوري

صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تخلص الى القول ان ليبيا حيث يتعثر السلام فيها منذ سقوط نظام القذافي، تتحول إلى ما يشبه النسخة السورية للمغرب العربي، مشيرة الى لبننة وبلقنة وانقسام هذا البلد حيث تسود الحروب بالوكالة بين الدول الاقليمية والدولية.

يقول وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، قبل ايام “المتابع لمؤتمر برلين حول ليبيا يدرك أن حضور مصر والجزائر والإمارات والجامعة العربية ضمان ضروري أن البعد العربي حاضر وبقوة في مساعي البحث عن السلام والاستقرار في هذا البلد العربي الشقيق، تهميش الدور العربي، كما هو الحال في سوريا، درس قاس لن يتكرر”.

(جورنال)

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".