الرئيسية » اراء ودراسات » انجي والجولاني

انجي والجولاني

وجهان متعارضان، لكنهما يلتقيان في مكان ما أمامنا. احدهما بطابع متدين، متزمت، جاد وصارم، منخرط في الارهاب والقتل وتكفير الاخرين، ووجه آخر، انثوي متفلت، مرح بميوعة، غارقة في الاثارة بكثير من التشويه.

الوجهان سوريان، وهما شكل من أشكال افرازات الحرب والمجتمع. مفروضان اعلاميا، كل على طريقته. أحدهما، خضعت صورته لعملية صقل منظمة من جانب وسائل اعلام ك “الجزيرة” لتلميع مسيرته واستثمار قيادته لاحد اخطر التنظيمات المسلحة، والثانية اختارت احدى وسائل التواصل الاجتماعي لاغراقها بصورها وايماءاتها واخبارها المثيرة للجدل، لتسويق نفسها.

شكلان سوريان متناقضان امام اللبنانيين، والعرب. لكل واحد منهما اهدافه ومراميه. تعكس كل حالة ظاهرة نافرة في “مجالها”. الاول متنقل في رحاب “الجهادية الاقليمية” من بيئته السورية الى العراقية ثم الى السورية واللبنانية، والثانية التجأت من بيئتها السورية الى الحاضنة اللبنانية الأكثر رخاوة في تضخيم ظواهر الفن والشهرة المتفلتة.  

يقال ان الاول من ادلب، لكنه من مواليد دير الزور، وان الثانية من حلب. الاثنان يستخدمان اسم عائلتين او لقبا ليس لهما. الأول قادته وصاياه “الجهادية” لمحاولة اقتحام الساحات والحدود بالسلاح والافكار المتطرفة ، والثانية خرجت، او اخرجت، من بيئتها العائلية، الى شبهات الاسفاف طمعا بالشهرة.

الاول كان طموحه الخروج من عباءة ابوبكر البغدادي، لتكوين زعامته الخاصة، والثانية تقول بالفم الملآن ان احلامها ان تكون “هيفاء 2”.

وجهان سوريان متناقضان، ربما كالعديد من التناقضات في اي مجتمع، لكن السؤال الملح يتعلق بالصورة التي تقدم عن “السوري” امام عامة الناس، طمعا باللعب على الغرائز المختلفة وكسب ال”الريتنغ” العالي.

هذا شغل الاعلام، وقد فعلها بكثير من الامعان. ولنسأل أنفسنا، أين اشتغل الاعلام في السنوات الأخيرة على صياغة صورة مغايرة عن “السوري”. عن قصص سورية تتعلق مثلا بأناس تطهروا من المذهبية التي هزت أركان الوطن. سني مثلا، ضحى بنفسه من اجل حماية جيرانه المسيحيين. عن علوي جاء من الساحل ليدافع عن اهل وطنه في دير الزور وعاد مجهولا ليدفن بهدوء. عن انجاز عظيم لسوري في الداخل او الخارج، في زمن الحرب والاحتراب والموت والخراب. عن سوري في لبنان خارج اطار “الارهاب” او التفحيش الانثوي كالذي أشرنا اليه. هل بذل من أجل هؤلاء، عشر الجهد المبذول من أجل صقل الظاهرتين المتناقضتين اعلاه؟ لا يبدو ذلك…

وهذه ادانة.. مجرد ادانة اذ اننا نعشق الاثارة في حدين متناقضين، مهما كانت، ولو كلفنا ذلك هدم الهيكل- وانسانيتنا – على رؤوسنا.

خليل حرب  

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".