الرئيسية » العالم والخليج » السعودية » ديفيد ايغناسيوس عن جذور جريمة خاشقجي والصراع العائلي السعودي

ديفيد ايغناسيوس عن جذور جريمة خاشقجي والصراع العائلي السعودي

 

يقف وراء جريمة قتل جمال خاشقجي الوحشية صراع على السلطة بين طيات العائلة المالكة السعودية ساهم في تغذية جنون ارتياب وتهور ولي العهد محمد بن سلمان. في نهاية المطاف، أدى هذا الغضب الرائج في البلاط الملكي إلى مقتل أحد صحفيي “واشنطن بوست” وبتر أعضائه.

بدأت المشاهد الافتتاحية لهذه العداوة العائلية في يناير/كانون الثاني 2015 داخل جناح مستشفى كبار الشخصيات في الرياض، بينما كان الملك عبد الله على فراش الموت. ووفقًا لسعودي كان في المستشفى آنذاك، فإنّ أبناء عبد الله وحاشيته أجّلوا لفترة وجيزة إبلاغ خليفته الملك سلمان بأنّ المنية قد وافت الملك – ربما كانوا يأملون في إحكام السيطرة على أموال البلاط الملكي والحفاظ على المناصب القوية لأفراد العائلة من فرع الملك عبد الله.

وصف لي هذه الدراما الواقعية سعوديون بارزون وخبراء أميركيون وأوروبيون في سلسلة من المقابلات التي أُجرِيَت في الولايات المتحدة والخارج خلال الأسابيع التي تلت وفاة خاشقجي. كان لدى هذه المصادر معرفة مباشرة بالأحداث، ولكنهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن القضية تتعلق بمسائل دولية حساسة. تم التأكد من صحة هذه المعلومات عن طريق مصادر أميركية مطّلعة. تساعد هذه المعلومات على تفسير دوامة الغضب والخروج على القانون التي امتصت كاتب الأعمدة في قسم الآراء العالمية بصحيفة “واشنطن بوست” في نهاية المطاف عندما دخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول.

 

إليكم الخلاصة التي توصل لها الخبراء الأميركيون والسعوديون الذين راجعوا النتائج الاستخباراتية: قُتِلَ خاشقجي على يد فريق أرسله البلاط الملكي في الرياض كان جزءًا من قوة العمل السريع التي نُظِّمَت قبل هذه العملية بـ18 شهرًا. مقالات خاشقجي الاستفزازية وعلاقاته بقطر وتركيا جعلت ولي العهد الذي يستبد بشكل متزايد يشعر بالإهانة، وأصدر أمرًا “بإعادته” في يوليو/تموز 2018، وهو أمر لم تُدرِك الاستخبارات الأميركية معناه إلّا بعد ثلاثة أشهر عندما اختفى خاشقجي في اسطنبول.

راقبت الولايات المتحدة هذه الحرب الطاحنة عن كثب. أصبح صهر الرئيس ترامب ومستشاره جارِد كوشنَر مستشارًا مقربًا من بن سلمان. زار كوشنَر بن سلمان في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017 خلال رحلة خاصة. لم يكشف أي من الطرفين عن تفاصيل محادثاتهما، ولكن من الوارد أنّهما ناقشا مكائد العائلة المالكة. بعد مرور أسبوع على زيارة كوشنَر، دبّر بن سلمان ما يرقى إلى انقلاب داخلي يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني واعتقل أكثر من 200 شخص بين أمراء سعوديين ورجال أعمال واحتجزهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض. خَطَّطَ أقرب المقربين من بن سلمان في البلاط الملكي بعناية لهذه الاعتقالات.

تَصَدَّر الابن الطموح للملك الراحل الأمير تركي بن عبد الله قائمة أعداء بن سلمان في انقلاب فندق ريتز كارلتون، وكان قد أعرب في وقت سابق إلى معارفه الأميركيين والصينيين عن مخاوفه من القرارات المتهورة التي اتخذها بن سلمان. لا يزال تركي رهن الاحتجاز وتوفي كبير مساعديه العسكريين اللواء علي القحطاني بسبب احتجازه في فندق ريتز كارلتون في العام الماضي.

 

صراع على الخلافة

بدأت دسيسة القصر في مطلع يناير/كانون الثاني 2015 عندما تدهورت الحالة الصحية للملك عبد الله حيث قالت تقارير إخبارية إنّ الأطباء شخّصوه بمرض سرطان الرئة في العام السابق. هرعت به طائرة هليكوبتر من معسكره الصحراوي في روضة خريم إلى جناح كبار الشخصيات في مستشفى الحرس الوطني السعودي في الرياض محاطًا بأبنائه ومساعديه في القصر. عندما دخل الملك في غيبوبة، حاول الديوان الملكي أن يُبقي مرضه القاتل سرًا بينما كان يتكهن حول مآلات الخلافة، بما في ذلك احتمالية أن يصبح ابن الملك ورئيس الحرس الوطني متعب بن عبد الله ملكًا.

عندما وصل ولي العهد آنذاك الأمير سلمان إلى المستشفى في 23 يناير/كانون الثاني وطالب: “أين أخي؟”، أخبره رئيس الديوان الملكي وحامي أموال العائلة خالد التويجري أنّ عبد الله كان “يستريح”. الواقع أنّ عبد الله كان قد توفي بالفعل وفقًا لسعودي كان حاضرًا في المستشفى حينئذ وطلب عدم ذكر اسمه. غضب سلمان عندما علم بالحقيقة، وترددت أصداء ضربات قوية في ممر المستشفى عندما صفع الملك الجديد رئيس الديوان الملكي المخلوع. اعتُقِلَ التويجري ونُقِلَ إلى فندق ريتز كارلتون في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وهو الآن تحت رهن ما يوصف بالإقامة الجبرية بعد سداد الجزء الأكبر من الأموال التي اختلسها في عهد الملك عبد الله، حسبما ذكرت المصادر السعودية.

يقول مدير الأعمال التنفيذي السعودي طارق عبيد الذي كان يقدم المشورة لفصيل عبد الله: “كان خالد التويجري هدّامًا للغاية لأبناء الملك عبد الله.”

كان أفراد العائلة المالكة يتجسسون على بعضهم البعض عندما بدأ الصراع على الخلافة يلوح في الأفق. وصف أحد أبناء الملك عبد الله عملية التنصت على هواتف العديد من كبار الأمراء. كما اشترى معسكر عبد الله جهازا صيني الصنع يمكنه الكشف سريًا عن رموز الدخول للهواتف الواقعة في نطاق 100 ياردة من دون الحاجة للوصول إلى الهواتف مباشرة. كانت أجهزة المراقبة مخبأة في منافض السجائر وغيرها من القطع المتناثرة حول القصور في الرياض من أجل التقاط المؤامرات السياسية والإشاعات.

أحد أعضاء الحاشية الذين ساعدوا الملك سلمان وابنه محمد على تعزيز سلطتهم خلال تلك الأشهر الأولى كان سعود القحطاني، محام وعضو سابق في القوات الجوية يميل للقرصنة الإلكترونية ووسائل الإعلام الاجتماعي. كان معسكر سلمان يشك في ولاء القحطاني في أول الأمر لأنه كان أحد مساعدي التويجري في البلاط الملكي منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي. وقد تعرض القحطاني للاستجواب والضرب في الأيام الأولى بعد تولي سلمان مقاليد الحكم، حسب قول شخص من داخل القصر. لكنه سرعان ما أثبت ولاءه لابن سلمان بقوة.

بصفته مديرًا لمركز الدراسات والشؤون الإعلامية في البلاط الملكي، كان القحطاني يثير هواجس بن سلمان الدائرة حول منافسين محتملين ومخططين لانقلاب متوقع. بدأ القحطاني بجمع أسلحة إلكترونية لاستخدامها بالنيابة عن بن سلمان. في يونيو/حزيران 2015، اتصل القحطاني بمجموعة إيطالية غامضة تُعرَف باسم “فريق القرصنة” للحصول على أدوات إنترنت سرية. في 29 يونيو/حزيران 2015، راسل القحطاني زعيم فريق القرصنة قائلًا: “إنّ الديوان الملكي السعودي (مكتب الملك) يود أن يكون في تعاون مثمر معكم وأن يطور شراكة طويلة واستراتيجية.”

خلص المحققون السعوديون والأميركيون إلى أنّ القحطاني، بصفته قائد العمليات المتعلقة بالمعلومات، ساعد في تنظيم جريمة قتل خاشقجي.

بدأ فريق الملك سلمان بلعب السياسة العائلية الصارمة منذ الأسبوع الأول لتوليه السلطة. في أواخر يناير/كانون الثاني، عزل مرسوم ملكي اثنين من أبناء عبد الله، تركي ومشعل، من منصبيهما كحاكمَين لإمارتَيّ الرياض ومكة على التوالي. تركت الإطاحة بهما جروحًا لم تلتئم. نُصِّبَ محمد بن سلمان ذو سن التاسعة والعشرين آنذاك وزيرًا للدفاع، وعُيِّنَ الابن المرن لوزير الداخلية السابق، والشخص القوي والمفضل لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أيه” محمد بن نايف نائبًا لولي العهد الأمير مقرن، ورئيساً سابقاً متواضعاً للاستخبارات السعودية.

أحكم سلمان وابنه محمد سيطرتهما في أبريل/نيسان 2015. أُطِيحَ بمقرن كولي للعهد ليحل محله محمد بن نايف. (قدم الملك يختًا فاخرًا اسمه “سولاندج” يبلغ طوله 280 قدمًا كهدية وداع لمقرن بعد عام من عزله، بالإضافة إلى منحه امتيازات أخرى، وفقًا لسعودي كان على اطلاع بهذه المعاملات.) أصبح بن سلمان نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وانضم رسميًا إلى تسلسل الخلافة.

على الرغم من أنّ بن سلمان لم يكن يبلغ سن الثلاثين حتى ذلك الحين، إلّا أنّه كان أميرًا ماكرًا بالفعل، وقد شجعه نائب ولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد وكبير مسؤولي الاستخبارات الإماراتية الشيخ طحنون الذي زار يخت بن سلمان مرارًا وتكرارًا في عطلة نهاية الأسبوع خلال السنة الأولى تلك. كان بن سلمان قد اكتسب سمعةً في الرياض كشخص سريع الغضب، حيث قام في صغره بترهيب مسؤول تسجيل الأراضي الذي كان يعيق نقل الملكية التي كان يريدها الأمير الشاب بإرسال رصاصة له كرسالة تحذير.

 

 

كان يفترض أن ينتبه المراقبون إلى علامتي تحذير في سبتمبر/أيلول 2015 كشفتا أنّ بن سلمان “كان أميرًا سعوديًا يمكنه إعادة إنعاش المملكة – أو إسقاطها في الهاوية”، كما جاء في أحد العناوين الرئيسية لإحدى مقالاتي المنشورة عام 2016. سافر السفير الأميركي السابق لدي الرياض جوزيف ويستفال إلى جدة في ذلك الشهر، حيث خطط لمقابلة محمد بن نايف، ولكن أُعيدَ توجيهه في المطار وأُرسِل لمقابلة بن سلمان بدلًا من ذلك – كان ذلك بمثابة تلميح بشأن هوية من يدير الأمور حقًا. في ذات الشهر، زار مسؤول استخبارات سعودي مكث في منصبه لفترة طويلة يدعى سعد الجبري مدير “سي آي أيه” آنذاك جون برينان في واشنطن خلال زيارة شخصية للبلاد. الجبري، مستشار مقرب لمحمد بن نايف، لم يخبر سلمان عن تلك الرحلة. فُصِلَ الجبري من عمله فور عودته للبلاد والآن يعيش في المنفى.

لم تكن تلك الاجتماعات مؤامرة سرية كما تصورها بن سلمان. على مدى عدة أيام في مايو/أيار 2016، التقى الأمير تركي بن عبد الله وأقرب مستشاريه رجل الأعمال السعودي طارق عبيد بمجموعة من مسؤولي “سي آي أيه” ووزارة الخارجية السابقين في جناح بفندق فورسيزونز في حي جورجتاون. رافقهم المستشار العسكري وحامي تركي وأبناء الملك الراحل عبد الله اللواء علي القحطاني، الرجل الذي سينتهي به الحال ميتًا في نهاية المطاف بعد عام من الزيارة واحتجازه في فندق ريتز كارلتون بالرياض.

وصف عبيد خلال مقابلة أُجرِيَت معه معارف تركي أيام شهر مايو/أيار 2016 في واشنطن على هذا النحو: “كان الهدف من جولة الاجتماعات هو الحصول على تقييم استراتيجي حول وجهات النظر الأميركية تجاه المملكة ومكانتها من خلال مسؤولي الدفاع والأمن القومي الأميركيين المطّلعين.”

جاء بن سلمان إلى واشنطن الشهر التالي في يونيو/حزيران 2016 للاجتماع بالرئيس باراك أوباما ومسؤولين آخرين. حتى ذلك الحين، كانت الإدارة محايدة بشكل مدروس وسط التوتر المتصاعد في أوساط العائلة المالكة، رغم ما كان يبدو كمسار تصادمي بين ولي العهد ونائبه. لكن أوباما أُعجِبَ بالرسالة والطاقة التي جلبها بن سلمان إلى أجندته الإصلاحية. وبعد زيارة يونيو/حزيران، كانت الولايات المتحدة تميل نحو المصلح العصبي الشاب.

 

عالق في لعبة قوة

 

سافر عبيد إلى شانغهاي في يوليو/تموز 2016 من أجل التحضير لمشاركة تركي بن عبد الله في اجتماع المنتدى المالي الدولي الذي كان سيُعقَد هناك في سبتمبر/أيلول قبل أيام قليلة من اجتماع مجموعة العشرين الذي كان سيُعقَد في مدينة هانغتشو. وبما أنّ بن سلمان كان سيحضر قمة مجموعة العشرين، فإنّ خطة تركي لحضور اجتماع المنتدى المالي الدولي حملت تلميحًا بشأن المنافسة داخل السعودية. وصل عبيد إلى جناح في فندق “بننسيولا” الواقع على واجهة الباوند البحرية. كان اللواء علي القحطاني في الغرفة المجاورة.

كان عبيد مبعوث تركي في مشروع تجاري مهم. وكان تركي قد وافق على استثمار ما لا يقل عن عشرة ملايين دولار في صندوق تنمية يُطلَق عليه “سِلك رَود فاينانس كوربوريشن” أو “أس آر أف سي” يديره رئيس تنفيذي خريج من جامعة “أم آي تي” يدعى شان لي، بحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة. صاحب الجاه الصيني الذي كان وراء مبادرة “سِلك رَود” تشن يوان هو زعيم بارز جدًا كان قد ترأس بنك التنمية الصيني من 1998 إلى 2013 ووَرَدَ أنّ والده كان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني.

عندما سافر عبيد إلى بكين في أوائل أغسطس/آب 2016 للتفاوض على شروط تركي الاستثمارية، كان لديه لقاءً كبيرًا في فندق بارك حياة الفخم. كان قد دعاه رئيس شركة “سِلك رَود فاينانس” جون ثورنتُن للاجتماع وتناول العشاء معه ومع لي. كما دعا ثورنتُن مصرفيًا استثماريًا في نيويورك يُدعى مايكل كلاين الذي أشيع بأنه كان يعمل في ذلك الوقت مستشارًا رئيسيًا لابن سلمان في خطته لجمع ما يصل إلى 100 مليار دولار، من خلال طرح عام أولي لبعض أسهم شركة أرامكو السعودية وتقديم تعزيز نقديّ مرحب به لبلاده التي تواجه ضغوطًا في الميزانية بسبب انخفاض أسعار النفط. (في النهاية لم يُمَثِّل كلاين المملكة في هذه الصفقة وذهبت تلك الوظيفة إلى مصرفيين آخرين.) التقى كلاين مع عبيد لفترة قصيرة ثم غادر، حسب المتحدثة باسمه وحسب قول ثورنتُن.

 

خلال اجتماع فندق بارك حياة مع مجموعة “سِلك رَود”، حذر عبيد أنّ من شأن الاكتتاب العام في شركة أرامكو السعودية أن يكون له تأثيرًا سلبيًا كبيرًا على الأمن القومي السعودي من خلال إضعاف قبضة العائلة المالكة على السلطة إن فُرِضَت معايير الإفصاح الغربية. حيث طالما كانت أرامكو لفترة طويلة إحدى الركائز الرئيسية لحكم المملكة. وبدلًا من ذلك، قال عبيد إنّ على الصينيين جمع الأموال من خلال العمل مع السعوديين على صفقة مقايضة لتداول جزء من المخزون الصيني الضخم من سندات الخزانة الأميركية مقابل النفط السعودي.

وقال كلاين من خلال متحدثة باسمه إنّه لم يناقش قط صفقة المقايضة مع النفط أو خصخصة شركة أرامكو السعودية خلال محادثته القصيرة مع عبيد. يذكر ثورنتُن أنّ عبيد قدم مقترح مقايضة النفط لكنه لم يذكر من كان حاضرًا: “لم أفكر فيها مرة أخرى كفكرة جادة”، كما قال في مقابلة هاتفية. ووفقًا لأحد المسؤولين التنفيذيين في “سِلك رَود” الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإنّ تركي وعبيد لم يصبحا مستثمرَين فعليَين في هذا المشروع.

وبحسب المصدر المطّلع، اتصل تركي بالحميدان وسأل عمّا إذا كان الملك سلمان قد أمر شخصيًا بعودة عبيد. يُقال إنّ تركي أخبر رئيس الاستخبارات ما يلي: “إن كان الملك هو من طلب ذلك، سأتأكد شخصيًا من طيران طارق إلى الوطن حالًا.” وقد وُصِفَ الطلب بدلًا من ذلك بأنّه قادم من “البلاط” وقيل إنّ تركي نصح عبيد بالبقاء في الصين.

وفي 21 أغسطس/آب، دعا لي عبيد إلى القدوم إلى بكين لرؤية مكتب محتمل لشركة “سِلك رَود” كان سيقع في مركز ينتاي في قلب وسط المدينة، حسبما ذكرت إحدى المصادر. كانت بقعة عصرية تحوي فندق بارك حياة الجديد. وقال لي إنّ خلال هذه الرحلة قد يجتمع عبيد مع عراب مشروع “سِلك رَود” تشن.

عندما غادر عبيد طائرته، أوقفه أكثر من 40 رجل أمن صيني يرتدون ملابس مدنية. يُقال إنّ قائد المجموعة الذي يتحدث بالعربية أخبر عبيد: “نحن وزارة أمن الدولة. هل ستتعاون؟” استسلم عبيد لهم وغطّوا رأسه وجسده بكيس ضيق لدرجة أنّه لم يتمكن من الرؤية أو الحركة من دون مساعدة، ثم نُقِلَ إلى مقر تحقيق في مكان ما في بكين وقُيِّدَت يديه إلى كرسي.

قال مسؤول في الاستخبارات الصينية أنّ عبيد كان ممولًا إرهابيًا ينظم مؤامرة من قبل مسلّحين باكستانيين لاستهداف قمة مجموعة العشرين المقرر إجراؤها في الشهر المقبل، حسبما ذكر مصدر مطّلع على القضية. “أين تُخَبِّئ الإرهابيين؟ أين تُخَبِّئ رجال الميليشيات الباكستانية؟” احتج عبيد قائلًا إنّه ليس لديه أدنى فكرة عمّا كانوا يتحدثون عنه وأنّ بحوزتهم الرجل الخطأ. تعرّض عبيد لمحنة استجواب طويلة ومؤلمة.

وبحسب مصدر مطّلع، قال أحد كبار ضباط أمن الدولة بوزارة الخارجية: “أنظر، لقد كان هناك خطأ. شخص ما في بلدك اتصل بنا قبل خمس دقائق من وصولك إلى بكين وقال إنّك كنتَ إرهابيًا يمول عملية ضد قمة مجموعة العشرين.” وأوضح المسؤول الصيني: “أنت عالق في لعبة قوة في بلادك بين أميرين قويَين.”

في هذه الأثناء، كان السعوديون الذين أرادوا خطف عبيد في بكين غاضبين من إفلاته من قبضتهم. أرسلوا وكلاء للبحث عن عميل عشيرة عبد الله في فنادق بكين. وفي شانغهاي، تلقى عبيد اتصالًا من نائب رئيس الاستخبارات السعودية الجنرال يوسف بن علي الإدريسي وطلب منه العودة إلى بكين والالتحاق بالطائرة السعودية التي أُرسِلَت لاصطحابه، وفقًا لمصدر مطّلع على القضية. سعى عبيد مرة أخرى لمشورة راعيه الأمير تركي الذي اتصل بالإدريسي. وبحسب مصدر مطّلع، قال تركي: “إن أراد الملك ذلك، فسوف يتم له ما أراد. من الذي تتحدث بالنيابة عنه؟” قدم الإدريسي إجابةً غامضةً حول من أمر بمغادرة عبيد القسرية من الصين. مكث عبيد في شانغهاي تحت حراسة مشددة من وزارة أمن الدولة لمدة أسبوع آخر.

كما تلقى عبيد أيضًا حماية من القنصلية السويسرية في شانغهاي كونه يحمل جواز سفر سويسري. أكّدت رسالة إلى محامي عبيد من القنصل السويسري العام فرانسواز كيلياس زلفيغر يعود تاريخها ليوم 11 يناير/كانون الثاني 2017: “بالإشارة إلى تحمّل المسؤولية عن السيد طارق عبيد، فإنني أبلغكم أنّ هذه القنصلية العامة قد وفّرت الامتيازات المتاحة له تحت الحماية القنصلية.”

تحدث بن سلمان في اجتماع مجموعة العشرين عن خطته التحديثية “رؤية 2030”. لكن سرًا، قيل إنّه غضب عندما علم عن فشل الإدريسي المحرج في عملية ترحيل عبيد السرية.

وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ بلاده، أﺟﺮى بن سلمان “تحقيقًا” ﻓﻲ المسألة. أُقيلَ الإدريسي من منصبه كنائب لرئيس الاستخبارات واستُبدِل لاحقًا بالجنرال أحمد العسيري – وهو رجل أقاله السعوديون لاحقًا للاشتباه في أنّه ساعد في قتل خاشقجي في إسطنبول. أرسل السعوديون وفدًا خاصًا إلى الصين للاعتذار عن سوء استخدام قنوات الاستخبارات في قضية عبيد.

أوضح مسؤول سعودي مقرّب من بن سلمان استياء المملكة خلال تصريح خاص إلى مسؤول سعودي آخر: “لقد كانوا محرَجين بسبب خطأ الإدريسي. أعني أنّه حتى السعودية كانت محرَجة من هذا السلوك… لقد ارتكب الإدريسي خطأً. لم يكن عليه فعل ذلك.”

يقول عبيد بشأن الاتهام الباطل بأنّه إرهابي: “كانت هناك إساءة واضحة للسلطة من قبل عصابات غير مؤهلة، لكنني لا أعتقد أنّ تعليمات ولي العهد كانت تنوي أن تجري هذه الحادثة بذات الطريقة التي جرت فيها.”

لكن من الواضح أنّ البلاط الملكي لمحمد بن سلمان لم يتعلم الدرس. فلم يَزِد اشتباهه بالأعداء المُتَصَوَّرين والرغبة في السيطرة المطلقة إلّا سوءًا. ابتداءً من ربيع عام 2017، أنشأ السعوديون برنامجا سريًا لخطف المنشقّين واحتجازهم في مواقع سرية، وفقًا لخبراء أميركيين وسعوديين مطّلعين. اشتمل البرنامج على “فريق نمور” خاص يعمل بالتنسيق مع مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في البلاط الملكي برئاسة القحطاني. ساعد مستشار آخر لابن سلمان يُدعى تركي الشيخ في الإشراف على مواقع الاستجواب، وفقاً للخبراء الأميركيين والسعوديين.

وقد اكتسب الانقلاب الداخلي الذي دبّره بن سلمان زخمًا خلال العام الماضي، حيث بدأ يخشى ولي العهد على حياته. في يونيو/حزيران 2017، خُلِعَ محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد بطريقة مُذِلَّة واستُبدِلَ بابن سلمان. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أسبوع من زيارة كوشنَر، اعتقل بن سلمان أعداءه الملكيين بدءًا بتركي بن عبد الله واحتجزهم في فندق ريتز كارلتون.

تم اعتقال عدة ناشطات سعوديات في مجال حقوق المرأة في مايو/أيار 2018، أي قبل شهر واحد فقط من إلغاء بن سلمان الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارة. يقول منتقدو بن سلمان إنّ ولي العهد لم يرغب في أن تحصل الناشطات على فضل إصلاحاته. كانت إحدى الناشطات مصدومة للغاية إزاء معاملتها القاسية لدرجة أنّها حاولت الانتحار، وفقًا لأحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، الذي نقل أنّها حاولت شق معصمَيها بشفرة حلاقة.

لا يزال عبيد في سويسرا، وهو يخضع للتحقيق هناك وفي الولايات المتحدة للاشتباه في دفع حوالات مالية غير قانونية من صندوق الثروة السيادي الماليزي المعروف باسم 1MDB لشركة تدعى “بتروسعودي إنترناشونال” أسّسها كلًا من تركي بن عبد الله وعبيد. لكنه لم يُتهَم بارتكاب أي جريمة.

 

جنون ارتياب وحشيّ

 

المزعج حول قصة التنافس العائلي هذه هو أنّها ساعدت في إثارة جنون الارتياب الذي أدى إلى وفاة خاشقجي.

ويبدو أنّ كلتا العمليتَين نُظِّمتا من قبل خلية خاصة داخل البلاط الملكي حيث كان القحطاني مشرفًا رئيسيًا وليس من قبل الاستخبارات السعودية. وهذا يُطَمئِن المسؤولين الأميركيين الذين ينظرون للحميدان وزميله رئيس جهاز الأمن الداخلي (المباحث) عبد العزيز الهويريني كقوتَين محتملتَين تدفعان للاستقرار.

أوقف المدعي العام السعودي 18 سعوديًا تحت ذمة هذه القضية، من بينهم ضابط استخبارات سابق وأحيانًا حارس شخصي لابن سلمان يُدعى ماهر مطرب اتهمه المسؤولون السعوديون بأنّه قائد الفريق الذي قتل خاشقجي. وقد طُرِدَ كلًا من القحطاني والعسيري من منصبَيهما، وكان القحطاني من بين 17 سعوديًا فرضت عليهم وزارة المالية الأميركية عقوبات بسبب أدوارهم المزعومة في وفاة الكاتب في الصحيفة. وجاء في بيان وزارة المالية أنّ القحطاني “كان جزءًا من جهود تخطيط وتنفيذ العملية” وأنّ مطرب “نسّقها ونفّذها”.

تحكم عائلة آل سعود بيدٍ دموية أحيانًا. باعتبارها حليف المملكة الرئيسي، فعلى الولايات المتحدة الالتزام بتهدئة هذا الخلاف العائلي قبل أنّ يُلحِق ضررًا أكبر بالسعودية والعالم.

 

ديفيد ايغناسيوس في “واشنطن بوست”

 

اقرأ أيضا :

https://journal-lb.com/article/2963

عن جورنال