لا يوجد في تاريخ الملكية في إيران الحديثة من اشتهر أكثر من رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق، المتمرد من داخل النظام وأحد أبرز ضحايا التدخلات الأجنبية في السياسة الإيرانية. مصدق الرافض في شبابه لتنصيب رضا خان، قائد القوزاق ووزير الدفاع، ملكا، والمهدد لعرش إبن الأخير محمد رضا شاه في اوائل الخمسينات بعد تأميم النفط.
في 16 يونيو 1882م ولد محمد ميرزا حظية الله اشتياني في عائلة تصنف بأنها من الصفوة الحاكمة. والده كان وزيراً للمالية في عهد الاسرة القاجارية ووالدته الأميرة مالك تاج النجم السلطانة، التي كانت حفيدة الإصلاحي القاجاري الأمير عباس ميرزا.
حصل مصدق على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة لوزان في سويسرا، وعاد إلى إيران عام 1914 حيث عُين رئيسا لحكومة مقاطعة فارس. وفي عام 1921 عُين وزيراً للاقتصاد وبعدها وزيراً للشؤون الخارجية لفترة وجيزة. كما انتخب عضواً في البرلمان عام 1923.
وفي تلك الدورة الانتخابية للبرلمان عارض مصدق التشريع القاضي بحل أسرة قاجار وتعيين رضا خان الذي كان رئيساً للوزراء حينها كشاه جديد، فصوت مصدق ضد هذا القرار والقى خطاباً في البرلمان اعتبر فيه أن هذا التشريع يدمر الدستور الفارسي لعام 1906، ودعا في الوقت نفسه رضا خان لاحترام الدستور والبقاء في منصبه رئيساً للوزراء، لكن المجلس خلع احمد شاه قاجار، وأعلن رضا شاه عاهلاً جديداً للبلاد قبل أن تجبر بريطانيا رضا شاه على التنازل عن العرش لابنه محمد رضا بهلوي.
وبعد هذا التنصيب الجديد عاد واُنتخب محمد مصدق مجدداً عضواً في البرلمان عام 1944قبل أن يعلن تقاعده عن البرلمان عام 1947 بعد فشله في تمرير قانون للإصلاح الانتخابي، فقاد بعد ذلك الجبهة الوطنية التي كان من أهدافها تأسيس الديموقراطية في إيران وإنهاء الوجود الاجنبي في البلاد.
بعد تشكيل الجبهة الوطنية ارتفعت الاصوات المؤيدة لمصدق داخل الاوساط الإيرانية الشعبية والرسمية مما حدا بالشاه عام 1951 أن يأمر بتعيين مصدق رئيساً للوزراء بعد أن رشحه البرلمان لهذا المنصب.
قام مصدق بعد رئاسته للوزراء بتقديم مشاريع اصلاحية في مجالات عدة اهمها المجال الزراعي واصدر خلال الاسبوع الاول من توليه رئاسة الوزراء قراراً بتأميم شركة النفط الإنكلو أمريكية وأنهى بذلك امتياز النفط الايراني الذي كان يُمكن الشركة من حيازته حتى عام 1993. وعلى إثر القرار صادر أموال وأصول الشركة، وقد جاء قراره انطلاقاً من قناعته بأن هذه الشركة تُمثل ذراع الحكومة الإيرانية في التحكم بالنفط الإيراني.
وخلال تلك الفترة استحصل مصدق على منحة من المجلس تسمح له باستخدام سلطات الطوارئ التي تستخدم للحد من سلطات الشاه.
وبدأ مصدق باستخدام هذه السلطات اثناء تشكيله وزارة جديدة عام 1952، فأصر وفقاً لتلك السلطات على تسمية وزير الحرب ورئيس الأركان، فرفض الشاه منح مصدق هذا الحق خوفاً من تعزيز سلطته في الحكومة على حساب الشاه، مما دعا مصدق لتقديم استقالته وتوجيهها إلى الشعب. ولم ينتظر الشاه طويلاً، فعين السياسي المتقاعد أحمد قوام رئيساً للحكومة لكنه سرعان ما عزله بعد خمسة أيام من التعيين استجابةً لضغط الشارع الذي قادته الجبهة الوطنية بالاشتراك مع التيارات الوطنية والاسلامية وأرجع الحكومة لمصدق مع الموافقة على طلبه القاضي بتعيين وزير الحرب ورئيس الاركان.
ويرجع الالتفاف الشعبي الإيراني حول مصدق من قراره الذي أمم من خلاله النفط الإيراني فأصبح بذلك شخصية عالمية مشهورة، لأن هذا التأميم سمح بتغيير أوراق اللعبة السياسية والاستراتيجية على مستوى العالم، فقامت الولايات المتحدة على إثره بالدخول بقوة على الساحة “البتروسياسية” في الشرق الأوسط بديلاً عن بريطانيا، بل إن أمريكا أضافت لدور بريطانيا الاستعماري البعد العسكري لتصبح القوى الإمبريالية العظمى.
وبعد ذلك بدأت بريطانيا تستعدّ لغزو إيران فمنعتها الولايات المتحدة، ثم سلّطت أجهزتها لاحتواء مصدق في بداية تدخلها، ولكنها انتهت بالإطاحة به نظرًا لتمسّكه بمواقفه الوطنية.
وبعد ستّين عاماً من عملية الانقلاب وفي شهر أغسطس/اب من عام 2014، تمّ نشر اعترافات السي أي ايه بتدبير وتمويل الانقلاب على الدكتور مصدق والإطاحة به وقد حملت العملية حينها بحسب السي أي إيه اسم (عملية آجاكس).
وقد أثرت الاطاحة برئيس الوزراء الايراني المنتخب ديمقراطيا والذي أمم قطاع النفط الايراني، وبشكل ملحوظ، في الذاكرة الجماعية والثقافية السياسية للشعب الإيراني، فعند أي تطور سلبي أو ايجابي في العلاقة الإيرانية الأمريكية تحضر هذه الحادثة في اذهان الشعب الإيراني وتكون موجهاً أو معياراً لتطور العلاقات بين الطرفين.
عن موقع “جادة ايران”
https://jadehiran.com/2018/08/23/محمد-مصدق-مهندس-صناعة-النفط-الإيراني/