الرئيسية » العالم والخليج » السعودية » المملكة النووية : هل بامكان بن سلمان تنفيذ التهديد؟

المملكة النووية : هل بامكان بن سلمان تنفيذ التهديد؟

 

الرياض – “جورنال”

 

جاءت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لقناة “سي بي اس” الاميركية عن عزم المملكة على امتلاك قنبلة نووية بأسرع وقت ممكن متى أمتلكتها ايران، لتشكل مادة اعلامية دسمة للاعلام السعودي تم خلالها كيل جمل الاطراء لسياسة ولي العهد الشاب ونظرته المستقبلية من دون ان يتناول أحد الخطوات اللازمة لبدء هذا المشروع على الارض والمدة الزمنية المصاحبة له.

وهناك توقعات بحسب “واشنطن بوست” الاميركية ان يسعى بن سلمان خلال زيارته الحالية الى الولايات المتحدة، الى تمرير صفقات بقيمة 80 مليار دولار لبناء 16 مفاعلا نوويا في السعودية، في خطوة يرى انها تعزز هيبته الخارجية وسلطته الداخلية، اذ سيسوق لها باعتبارها لمواجهة القدرة النووية التي تمتلكها “الجار الخصم” ايران.

وبالنسبة الى ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب فان الخطوة تعني خيارا صعبا بين تعزيز فرص الشركات الاميركية التي تقودها “ويستينغهاوس”، وبين الالتزام بسياسة منع الانتشار النووي، في منطقة حساسة من العالم، قد تفاقم المخاطر الامنية من خلال اطلاق سباق نووي في المنطقة.

وتنقل الصحيفة عن المستشار بالشؤون النووية جون وولفسثال قوله انه “اذا حصل السعوديون على اتفاق بلا قيود، فان ذلك سيخلق سابقة في المنطقة وستخرق السياسة النووية الاميركية المعتمدة منذ 50 سنة”.

ومعلوم ان “ويستينغهاوس” تواجه صعوبات مالية هائلة وهي تواقة لجذب زبائن لمفاعلاتها من طراز “ايه بي 1000″، اذ من دون الاتفاق مع السعودية، فانها ستخسر لصالح عروضات من مقدمة من روسيا والصين.

وسبق ان عرضت الولايات المتحدة على السعودية تسهيل الصفقة النووية مقابل الالتزام الشديد من المملكة بما يسمى |وثيقة ال123” التي تضع قيودا على تخصيب اليورانيوم، واستخدام الوقود النووي، لكن الرياض، بحسب “واشنطن بوست”، جادلت بان من حقها كدولة ان تستخرج وتخصب اليورانيوم المستخرج من اراضيها، طالما انها تلتزم بمهادة حظر الانتشار النووي (ان بي تي) التي تمنع الاستخدامات العسكرية للنشاط النووي.

لكن لماذا يريد السعوديون المزيد من مصادر الطاقة؟ تتساءل “واشنطن بوست” وتقول ان المملكة تمتلك الاحتياطي النفطي الاكبر في العالم، وتشير الى ان الرياض تريد ان تقتصد في التسهلاك الوقود محليا، ليتسنى لها تصدير كميات اكبر الى الخارج. وتشير الصحيفة الى ان استهلاك السعودية للكهرباء تضاعف بين عامي 2005 و2015، مشيرة الى انه خلال فصل الصيف تستهلك السعودية نحو 700 الف برميل من النفط يوميا على المكيفات المبردة، وانه اذا اضفنا الى ذلك تلبية احتياجات النقل والصناعة وغيرها، يصل مجموع الاستهلاك الى نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا، اي اكثر من ربع انتاج المملكة يوميا.

الا ان البعض يقول ان بامكان السعودية الاعتماد على مصادر الطاقة الشمسية بشكل اكبر، وهناك ايضا امكانية استغلال الكثير من الغاز الطبيعي التي يحترق هدرا في الابار النفطية والغازية.

كما انه بالنسبة الى الاميركيين، فان السعودية تسعى الى مجاراة الامارات المجاورة التي ابرمت عقودا في العام 2009 لاقامة مفاعلات نووية من كوريا الجنوبية، لكن المشكلة ان حكومة ابو ظبي، التزمت ب”وثيقة ال123″ التي تتحفظ عليها السعودية حتى الان. وحاليا، يجادل السعوديون بان ادارة باراك اوباما تخطت ذلط عندما ابرمت الاتفاق النووي مع ايران وسمحت لها بالتخصيب التجاري من دون قيود مشددة. المثير في المسألة الان، ان ترامب سبق له ان وصف الاتفاق النووي مع ايران بانه “الاتفاق الاسوأ”. وهذه هي ربما فرصة السعوديين.

التحدي الاخر، هو انه صندوق النقد الدولي يشير الى ان الاحتياطات المالية السعودية تراجعت من 755 مليار دولار في العام 2013، الى اقل من 500 مليار دولار، بسبب تراجع اسعار النفط والحرب على اليمن.

 

 

ومهما يكن، فان تحول القنبلة النووية من الفكرة الى التطبيق يحتاج الى سنوات من التحضير والعمل، فبالنظر الى احوال المنطقة فان الخطوة الاولى تتطلب تعزيز القدرات الدفاعية العسكرية والامنية لاي بلد قبل الانتقال الى مرحلة امتلاك القدرات النووية، لتوفير شبكة امان عسكرية للمشروع.

وفي ظل وجود الكيان الاسرائيلي كقوة نووية عسكرية وحيدة في المنطقة، فقد اقدمت اسرائيل على مهاجمة العراق ابان حكم صدام حسين في الثمانينيات، ثم سوريا، في عدوان مباشر لتدمير تجهيزاتهما القائمة لاقامة مشروع نووي سلمي. ويقول مراقبون ان السعودية تفتقر الى المقدرات العسكرية اللازمة لمواجهة مثل هذا الخطر بالنظر الى تعثرها العسكري في حربها على اليمن منذ اكثر من ثلاثة اعوام.

كما يشير محللون الى ان الامر الأخر يتعلق بالضوء الاخضر من دول النادي النووي العالمي، وهو أمر مستبعد تماما، بالنظر الى مراحل المفاوضات التي جرت على سنوات طويلة بين هذه الدول وايران من اجل التأكد من سلمية مشروعها النووي.

ومما لا يقل اهمية عن كل ذلك، الجانب المتعلق بتوفير العقول التي تدشن هذا المشروع، من كفاءات وعلماء وباحثين، وهي مرحلة تطور تتطلب سنوات وسنوات من التحضير والعمل الدؤوب. فبخلاف العراق ومصر وبدرجة اقل سوريا، لا يشتهر اي بلد عربي بوفرة علماء نوويين قادرين على قيادة مشروع نووي طموح كهذا، خصوصا ان هذه المسألة تمثل أمنا قوميا لاب بلد، وبالتالي ضرورة توفير العاملين من داخل الاوطان هذه نفسها، حتى لو تمت الاستعانة ببعض الخبرات الاجنبية اذا توفر غطاء دولي لذلك.

كل هذه الامور وغيرها تعني ان تصريح ولي العهد محمد بن سلمان، ليست سوى فقاعة اعلامية من دون اي خصوبة على ارض الواقع، فالمراد من هذا التصريح هو الضغط على ادارة ترامب والدول الغربية لالغاء الاتفاق النووي مع ايران.

اللافت ان كبار المسؤولين الايرانيين لم يعلقوا على تهديد بن سلمان… ربما ليقين طهران على استحالة الاقدام عليه.

وبكل الاحوال، وتعليقا على الطموحات السعودية، يقول السناتور الاميركي براد شيرمان، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية، ان السعودية “تريد تخفيف بعض بنود الوثيقة 123. لكن كلما انخفض عدد الدول النووية في الشرق الاوسط، كان افضل. وكلما قل عدد الدول النووية غير الديموقراطية، كان افضل. وكلما انخفض عدد الدول النووية القدرة والتي لا يمكننا ان نتوقع سلوكها تجاه الولايات المتحدة بعد عشر سنوات من الآن، كان افضل”.

ومهما يكن، فان التنبؤ بما قد يفعله ترامب، في ظل علاقة المصالح الخاصة التي نسجها مع بن سلمان، يبدو ضربا في المجهول. سنرى.

 

 

 

عن جورنال