أسبوع مر على الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن الإيرانية. وعلى الرغم من انها لم تكتسب زخما يهدد استقرار النظام حتى الان، الا انها تسببت بإحراج الحكم داخليا، وعلى الصعيد الخارجي حيث تعالت الأصوات من واشنطن الى الرياض وصولا الى تل ابيب، منددة بأوضاع الشعب الإيراني مطالبة بالحرية له.
التقارير غير الرسمية تتحدث عن عشرات الضحايا حتى الان. عمليات تخريب تم تصويرها في مختلف المناطق، وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقول علنا انها تتابع التحركات وتشجع الإيرانيين على الاحتجاج من خلال المواقع الفارسية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وترامب نفسه يعلن بوضوح ان “الشعب الإيراني سيرى دعماً عظيماً من الولايات المتحدة في الوقت المناسب”.
شعارات الاحتجاج تتركز على مطالب اقتصادية ومعيشية محقة بالنسبة لكثيرين في الجمهورية الإسلامية، حتى من جانب كبار المسؤولين فيها.
“جورنال” حاور الخبير في الشؤون الايرانية الدكتور مصطفى اللباد، في محاولة للإجابة عن التساؤلات حول ما يجري في ايران، والي اين يتجه مسار الأمور فيها.
وردا على سؤال عما اذا كان هناك ما يربط الاحداث الحالية بما جرى في العام 2009، قال اللباد ان “تظاهرات إيران دخلت يومها السابع في ظل اهتمام دولي وإقليمي غير مسبوق، بحيث أعادت إلى الأذهان تظاهرات الحركة الخضراء التي اجتاحت المدن الإيرانية في العام ٢٠٠٩ في أعقاب الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية وقتذاك”.
وقال اللباد “تختلف التظاهرات الحالية عن تظاهرات العام ٢٠٠٩ لجهة مضمونها السياسي وحواملها الاجتماعية، لكنها تشترك معها في كونها تحدث شروخا واضحة في مشروعية النظام الإيراني”.
وبعدما أشار الى ان “المعلومات المتاحة عن سير التظاهرات الحالية قليلة جدا”، قال اللباد انه “يمكن رصد الفروقات التالية: أولا التظاهرات في ٢٠١٧ منتشرة في مناطق إيرانية كثيرة على العكس من تظاهرات ٢٠٠٩ التي كانت منتشرة في المدن الكبرى فقط. ثانيا عدد المتظاهرين حاليا قليل للغاية مقارنة بعام ٢٠٠٩. ثالثا لا توجد قيادة واضحة للحراك الحالي على العكس من العام ٢٠٠٩ بقيادة موسوي وكروبي. رابعا بدأت التظاهرات في مشهد، معقل آية الله علم الهدى وصهره ابراهيم رئيسي -المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة- بشعار الموت لروحاني ولكنها خرجت عن السيطرة. خامسا شعار الاستقلال والحريّة والجمهورية الإيرانية الذي رفعه المتظاهرون يتصادم مع الشعارات المؤيدة لنجل الشاه المخلوع، الذي يبدو ان الرهان الغربي قد رسي عليه بدلا من الإصلاحيين ليصبح البديل من وجهة نظرهم، من دون ان يعني ذلك بالطبع ان الإصلاحيين عملاء للغرب. سادسا كانت الطبقة الوسطى هي الرديف الأساسي للإصلاحيين في العام ٢٠٠٩ في حين ان الشرائح الاجتماعية ما دون ذلك هي محرك التظاهرات الحالية على ما يبدو”.
وعما ستصل اليه الأمور، قال اللباد انه “من المبكر الحكم على نجاح أو فشل التظاهرات الآن، إلا انه من الواضح فشل السياسات النيوليبرالية التي تتبناها حكومة الرئيس الوسطي حسن روحاني وانحيازها الواضح اجتماعيا واقتصاديا ضد شرائح عريضة من الشعب الإيراني، ولعل موازنة العام الجديد التي تضمنت رفع أسعار المحروقات هي الشرارة التي أطلقت التظاهرات الحالية”.
ولاحظ اللباد ان “الإضراب الذي دعا إليه المتظاهرون أمس قد فشل، واستمرت الأسواق الإيرانية في عملها كالمعتاد، ما يعني أن الطاقة الكامنة في التظاهرات تبدأ في النفاذ”.
اما حول التظاهرات المؤيدة للنظام المتوقعة يوم الجمعة المقبل، قال اللباد ان ” النظام يقوم بحشد مؤيديه في تظاهرات مؤيدة ليوم الجمعة، ليظهر شعبيته ويضغط على معارضيه. ستذهب الحشود مؤشرا على تماسك النظام وقدرته على مواجهة معارضيه”.
وردا على سؤال حول الشعارات المنددة بالرئيس روحاني في التظاهرات، قال اللباد ان “التظاهرات انطلقت في بداياتها من مشهد وهي تهتف الموت لروحاني، أي الرئيس الإيراني الوسطي المنتخب قبل شهور لولاية ثانية بنسبة سبعة وخمسين في المائة”، مضيفا ان “السياسات النيوليبرالية التي تتبناها حكومته لعبت دورها الكبير في ترتيب الأولويات الاقتصادية-الاجتماعية لغير مصلحة الطبقات الشعبية في إيران”.
واعتبر اللباد ان “روحاني اصطدم على استحياء مع مراكز القوة في النظام مثل الحرس الثوري، من دون أن يبلغ ذلك الاصطدام نقطة اللاعودة”.
واعرب اللباد عن اعتقاده ان “الأجنحة المختلفة للنظام اما انها ستحمل روحاني المسؤولية عن الاضطرابات لتنقذ النظام من محاسبة شعبية، أو أن يفلح روحاني في إقناع المرشد (السيد علي خامنئي) أن أفضل الوسائل لتخطي المرحلة تكمن في إطلاق يده ضد مراكز القوة والثروة في النظام لإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية-الاجتماعية لجهة إعادة توزيع الدخول لمصلحة الطبقات الشعبية المنتفضة في شوارع إيران”.
لكن اللباد رجح أن “روحاني الوسطي سيخرج خاسرا من الحراك الحالي”.
وحول قيادة المعارضة وانقساماتها، قال اللباد ان التظاهرات تبرز “مشكلة قيادة المعارضة في أوضح صورها، فلا يستطيع أي حزب أو حركة سياسية داخل إيران أو خارجها إدعاء قيادة الحراك، ما يجعله في النهاية حراك بلا رأس. اللافت في التظاهرات الحالية أن هناك تلميعا لابن الشاه المخلوع والذي يعيش منذ ثمانية وثلاثين عاما في الولايات المتحدة ويحتفظ بعلاقات دافئة مع اللوبي الصهيوني في واشنطن”.
وتابع اللباد انه “بالإضافة إلى ابن الشاه فهناك منظمة مجاهدي خلق بزعامة مريم رجوي والتي يجري تلميعها غربيا أيضا بعد رفع منظمتها من قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية. رضا بهلوي الابن ومريم رجوي كلاهما يدعي قيادة الحراك الجاري، الاول يستفيد من النوستالجيا المحيطة بفترة الشاه لدى بعض الشرائح الإيرانية وخصوصا في جيل الشباب الذي لم يعاصر فعليا حكم الشاه ولم يعرف مثالبه ولكنه يردد أساطير عن ارتفاع مستوى المعيشة وقتذاك في حالة شبيهة بنوستالجيا العائلة الحاكمة في مصر لدى قطاعات من لم يعش التجربة الملكية. والثانية تملك تنظيما يمتد من المنافي الأوروبية الى الاميركية وله علاقات وطيدة باللوبي الصهيوني ودوّل الخليج بعد انهيار النظام العراقي السابق الذي عد العراب الأساسي للتنظيم. لمست بنفسي نفور كثير من المعارضين الإيرانيين في المهجر من مجاهدي خلق لانه حارب جنبا الى جنب مع القوات العراقية ضد ايران في الحرب بينهما (١٩٨٠-١٩٨٨) ، وهو امر لا يغتفر لدى كثير من الإيرانيين”.
وتساءل اللباد قبل ان يجيب “ماذا يعني ذلك عمليا في ضوء التلميع الغربي الحالي للطرفين؟ يتحين الغرب فرصة فرض قيادة للمعارضة معترف بها دوليا في حال استمرت التظاهرات خلال الفترة المقبلة وضغطت أكثر على النظام. في العام ٢٠٠٩ كانت قيادة المعارضة في الداخل وتتفق مع الخطوط الاساسية للنظام لكن اوباما لم يكن راغبا بالضغط على النظام الإيراني فتم قمع الحراك رغم المظاهرات المليونية. الآن ترامب راغب في التصعيد ويريد خلق قيادة مصطنعة للحراك كي يفاوضها على هواه ويضغط أشد الضغط على النظام الإيراني”.
وخلص اللباد الى القول انه “من الخطأ الاعتقاد أن السعودية، غريم إيران الإقليمي، تقف وراء التظاهرات الإيرانية؛ فذلك امر يفوق موضوعيا قدراتها على التأثير في الداخل الإيراني، لكنها تحتفي طبعا بالشرخ في شعبية النظام الإيراني الناجم عن التظاهرات لأن ذلك يصب في مصلحتها”.
كما اعتبر ان “واشنطن لا تملك القدرة على تحريك تظاهرات بذلك الاتساع في ايران، لكنها ستستعملها لتشديد الضغط على طهران”.
اجرى المقابلة خليل حرب