الرئيسية » اراء ودراسات » ايران على موعد مع تغييرات كبرى برئاسة ابراهيم رئيسي ؟

ايران على موعد مع تغييرات كبرى برئاسة ابراهيم رئيسي ؟

ايران التي صارت بعهدة رئيس جديد هو ابراهيم رئيسي، مرشحة لتشهد تحت قيادة الرئيس الثامن للجمهورية منذ الثورة الاسلامية العام 1979، تحولات كبيرة، تحتمها الظروف الداخلية الملحة، وتدفعها التغييرات الجارية خارجيا. وسيكون دوره محوريا في بلورة مسيرة انتقال ايران الى مرحلة جديدة، مستفيدا من قاعدته الشعبية، وعلاقته بالمرشد علي خامنئي.

خليل حرب

+++++++++++++++++++++++++

وحصل رئيسي على اصوات 18 مليون ايران، بفارق كبير عن اقرب منافسيه، اي المرشح المحافظ محسن رضائي الذي حصل على 3.3 ملايين صوت، والمرشح المحسوب على الاصلاحيين عبدالناصر همتي الذي حصل على 2,3 مليون صوت.

لكن هذا الفوز لابراهيم رئيسي لم يكن مفاجئا بالنسبة الى كثيرين، حيث انه الاكثر حضورا بين المرشحين الثلاثة الاخرين، وخاصة من خلال عمله كرئيس للسلطة القضائية، وخوضه غمار الانتخابات ضد الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني العام 2017، لكن الحظوظ والاقدار والمناخات السياسية، لم تدخله الى عالم الرئاسة وقتها. كما ان رئيسي يعتبر من رموز التيار المحافظ، وهو على علاقة طيبة مع مرشد الجمهورية علي خامنئي.

تطوران كبيران دفعاه الى قلب المشهد الايراني الداخلي، وكان للمرشد خامئني دور في ذلك، اولا عندما عينه لادارة المؤسسة التي تدير مقام الامام الرضا في مشهد، وهو مزار ديني يدر الكثير من الاموال التي تستخدم في اقامة مشاريع واستثمارات مختلفة في انحاء ايران، ومكنه هذا المنصب من اختبار مهاراته في ادارة مؤسسة عملاقة كهذه تتطلب الكثير من الكفاءة والنزاهة لانجاحها، بالاضافة الى الدخول الى مكامن قوة النظام، وهي خطوة فتحت له لاحقا الابواب للارتقاء الى موقع يزيد حساسية وخطورة ويتمثل في رئاسة السلطة القضائية في العام 2019.

ومن الواضح ان السيد خامنئي وجد في ابراهيم رئيسي ما يكفي من القدرات والمؤهلات التي تتيح له دخول هذين المجالين، تمهيدا على ما يبدو لصقل مهارات القيادة لديه، في لحظة بالغة الحساسية بالنسبة الى ايران في الصعيدين الداخلي والخارجي. ومعلوم ايضا ان ابراهيم رئيسي كان احد طلاب السيد خامنئي في مدرسة دينية، ويتحدر مثله من مدينة مشهد.

وعندما تولى ابراهيم رئيسي رئاسة السلطة القضائية، وجهه السيد خامنئي للتركيز على ملفات مكافحة الفساد، وهي قضية تكسبه بالتأكيد مصداقية اكبر في اعين الناخبين الايرانيين وفي دوائر السلطة والدولة في وقت شعر الايرانييون بتداعيات العقوبات الاقتصادية الخانقة التي فرضتها ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، ويحتاجون بالتالي الى الشعور بان دولتهم تبذل جهدا حقيقيا لضرب الفساد والمفسدين، اقله للتخفيف من وطاة الصعوبات المعيشية، والاهم تعزيز ثقة الايرانيين بنظامهم.  

ويبدو ان ابراهيم رئيسي بدا يخطو خطوات لتحقيق هذه الاهداف بشكل او باخر، خصوصا انه اقتحم ملف الفساد بشكل كبير واثار الكثير من الضجة داخل ايران بسبب قضايا طالت مسؤولين كبارا، وعزز هذا الامر من فرص تقدمه للتنافس على موقع لرئاسة الجمهورية.

وبكل الاحوال فقد كان فوز ابراهيم رئيسي مرجحا خاصة بعد انسحاب ثلاثة مرشحين في اليومين اللذين سبقا فتح صناديق الاقتراع، ما قلص عدد المتنافسين الى اربعة بينهم ابراهيم رئيسي نفسه.

ومن غير المستبعد ان يفتح باب الرئاسة امام ابراهيم رئيسي، اذ احسن الامساك بخيوط اللعبة وحبائلها واستفاد من مرحلة رفع العقوبات الاميركية لتحسين المكاسب الاقتصادية والسياسية لايران خصوصا على الصعيد الداخلي، الطريق امامه من اجل الوصول الى موقع مرشد الجمهورية، اسوة بالسيد خامنئي الذي سبق له ان تولى رئاسة ايران بين عامي 1981 و1989، وهو منصب لا يتم اختياره بالانتخاب الشعبي المباشر، وانما من خلال مجلس الخبراء الذي يتولى ابراهيم رئيسي فيها موقع نائب الرئيس.

ولن تكون التحديات الداخلية هي الوحيدة الماثلة امام ابراهيم رئيسي سواء في الشان الاقتصادي والمعيشي او معالجة ملفات الفقر وسد الفجوة السياسية بين الاتجاهات المحافظة والليبرالية داخل المجتمع الايراني، وانما سيكون على الرئيس الايراني الجديد ترقب ما ستنتجه مفاوضات فيينا النووية، وخاصة في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة من العقوبات المفروضة على مختلف القطاعات الايرانية الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتى الثقافية، ليبنى على الشيء مقتضاه.

وقد اثار فوز جو بايدن في الانتخابات الاميركية الامال بعودة واشنطن الى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، وكادت تقع مواجهة عسكرية شاملة بين البلدين بعد اغتيال قائد قوة القدس الايرانية الجنرال قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس في بداية العام 2020، وهو ما ردت عليه طهران بقصف قواعد عسكرية اميركية على الاراضي العراقية بصواريخ باليستية.

وعزز هذا الاغتيال من ريبة الايرانيين من نوايا واشنطن، لكن التغيير الذي حصل في البيت الابيض، اثار امال الايرانيين بامكانية الاستفادة من مرحلة ما بعد ترامب. وبرغم صدور اول تعليق لوزارة الخارجية الاميركية ينتقد انتخاب ابراهيم رئيسي، الا ان الوزارة اكدت في المقابل على التزام واشنطن بالمفاوضات مع طهران.

صحيح ان قضية الملف النووي الايرانية يقع قرارها اساسا بين يدي السيد خامنئي، لكن الحكومة الجديدة ستكون مهمتها العمل على اتباع تعليمات مرشد الجمهورية لقيادة السفينة الايرانية في خضم امواج العلاقة الساخنة والمضطربة مع واشنطن، او فيما يتعلق بمقررات مفاوضات فيينا المصيرية حول مسار البرنامج النووي. ونشرت مواقع اميركية تقارير حول رغبة ادارة بايدن بتسريع انهاء المفاوضات النووية، قبل تسلم ابراهيم رئيسي منصبه في اب المقبل.

وبحكم رئاسته للجمهورية، سيتتبع الرئيس الايراني الجديد التوجيهات العامة لمرشد الجمهورية ايضا فيما يتعلق باحتمالات حدوث  اختراق من عدمه، مع المملكة العربية السعودية بعد سنوات من الخصومة والتي اعلن ولي عهدها قبل اسابيع قليلة، رغبته في اقامة علاقات “طيبة” مع الجمهورية الايرانية، وتبع ذلك الكشف عن سلسلة من لقاءات كسر الجليد والتفاوض بين الايرانيين والسعوديين برعاية عراقية.

وبحسب ما تسرب من معلومات حول اللقاءات الايرانية-السعودية بضيافة العراق، فانها تركزت على حرب اليمن، لكنها طالت ايضا ملفات اقليمية اخرى بدرجات متفاوتة، بينها الازمات العراقية واللبنانية والسورية بالاضافة الى امن الخليج، والموقف من اسرائيل، اذ لاحظت طهران، كما لاحظ كثيرون، ان السعودية لم تنضم الى لائحة الدول الموقعة على ما سمي “اتفاقيات ابراهيم” التي رعتها ادارة ترامب، قبل رحيلها.

ويضبط السيد خامنئي ايقاع القضايا الكبرى التي تعني ايران في السياسة الخارجية والامن القومي، بما في ذلك حجم العلاقات ومداها مع فصائل المقاومة في كل من فلسطين ولبنان، كما في العلاقة مع حكومتي دمشق وبغداد، وهي استراتيجية قائمة منذ سنوات طويلة، وبالتالي من غير المتوقع حدوث تغيير يذكر في طبيعة ارتباط ايران ومصالحها، مع تبدل موقع الرئاسة في الجمهورية الايرانية.  

وبالتالي فان ابراهيم رئيسي سيكون مكلفا بمتابعة تطبيق بنود اي تفاهمات بين طهران والرياض في تلك الازمات وانجاحها، والسير على خطى الارشادات التي يضعها السيد خامنئي فيما يتعلق بلبنان وسوريا والعراق وغيرها.

امام ابراهيم رئيسي، بصفته الرئيس الثامن لايران منذ الثورة الاسلامية العام 1979، فرصة كبيرة للانتقال ببلاده من مرحلة الى مرحلة، اذا اتقن قيادة الجمهورية في فترة دقيقة من مسيرتها. لكن التساؤل هو متى لم تكن كل انتخابات في ايران، محطات في مسيرة حافلة بالحساسية والدقة؟ غير ان التكليف هذه المرة مختلف، حيث يامل الايرانيون، ومرشد الجمهورية، بانتقال ايران الى مرحلة ابعد من دولة ما بعد الثورة، دولة اكثر تصالحا مع ذاتها وحجمها كقوة اقليمية مقتدرة، لا ترهن مصيرها بالغرب، كما يراهن ابراهيم رئيسي. 

+++++++++++++++++++++++++

معلومات عن الانتخابات

حسب لوائح الشطب الرسمية لاسماء الناخبين المؤهلين للتصويت، هناك 59 مليون و310 الاف و307 اشخاص، بينهم 29.980.038 من الرجال و29.330.269 من النساء.

هي الانتخابات الرئاسية الـ 13 لانتخاب ثامن رئيس لايران منذ الثورة في العام 1979.

بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، جرت انتخابات لملء ستة مقاعد شاغرة في مجلس خبراء القيادة في 4 محافظات، كما جرت انتخابات لمجلس الشورى (البرلمان) في 6 دوائر انتخابية. كما نظمت انتخابات عامة للمجالس المحلية للمدن والقرى.

ينتخب رئيس الجمهورية الذي هو على راس السلطة التنفيذية، بالاقتراع العمومي المباشر لمدة اربع سنوات، ولا يجوز أن يعاد انتخابه الا مرة واحدة فقط.

++++++++++++++++++++++++

عشية الانتخابات

ترشح اكثر من 400 شخص لخوض الانتخابات. لكن مجلس صيانة الدستور وافق على اهلية سبعة مرشحين فقط ورفض الاخرين. وظل المرشحان المحسوبان على التيار الاصلاحي، مهر علي زاده وعبد الناصر همتي. لكن ومن اصل سبعة مرشحين، لم يبق سوى اربعة حتى وهم إبراهيم رئيسي، محسن رضائي، قاضي زادة هاشمي، وعبد الناصر همتي. 

++++++++++++++++++++++++++

7 رؤساء سابقين

اول انتخابات رئاسية في ايران جرت في 25 كانون الثاني العام 1980، وانتخب خلالها ابو الحسن بني صدر كاول رئيس للجمهورية، واعقبه على التوالي :محمد علي رجائي(1981)  علي خامنئي(1981 و1985 )، علي أكبر هاشمي رفسنجاني(1989 و1993)، محمد خاتمي(1997 و 2001)، محمود أحمدي نجاد(2005 و2009)، وحسن روحاني (2013 و2017)

https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/94-18.pdf

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".