الرئيسية » اراء ودراسات » الفكر العالمي ومأزومية الخروج
Thinking woman have a question cartoon style. Cut businesswoman thinks about problem concept. Confused young girl illustration. Smart woman thought about. Vector 10 eps

الفكر العالمي ومأزومية الخروج

الذي يطالع بشكل مستمر، وقد قضى جزءاً  جيداً من عمره في القراءة والاطلاع، سيتضح لديه أن هناك أزمة في المنتج الفكري عالمياً، وليس عربياً وحسب .

أحد أشكال هذه الأزمة تتمثل في اتجاهين من المنتج الفكري :

أولاً : الغرق في التقعر اللغوي والاشتغال في نحت المفاهيم الغرائبية في حقل الفلسفة والنقد والعلوم الإنسانية؛ دون وجود محتوى تجاوزي حقيقي، وعند تحليلك للمضمون من زخارفه اللغوية والبلاغية لا تكاد تجد شيئاً ذي بال. ومن أشهر هذه الاتجاهات أعمال جيل دولوز وجاك دريدا وأمثالهم، التي هي في العمق لا تقدم منظورا فلسفيا حقيقيا خارج لغتها المتقعرة .

ثانياً : العودة الماضوية الواضحة للتراث القديم بغرابته وغموضه التصوفي لدى شعوب الشرق القديم، وخصيصاً في نسخته البوذية والتاوية، دون معالجة عميقة لإشكاليات الإنسان المعاصر وأزمته الواقعية على كافات الصُعد المركبة .

ولو بحثت في جُلّ المنتج المتاح اليوم ستجده يعود لهذين الاتجاهين، ونادرا ما تجد مثقفاً أو مفكراً يحاول أن يقدم طرحاً معرفياً يهتم بالواقع بما هو واقع، ويحاول إخراج الفكر من دائرته المغرقة في اللاجدوى والاختناق الحياتي لدى قطاعات واسعة من البشر .

فمثلاً نجد هناك تشويه كبير لكثير من المدارس الفلسفية التي حاولت تفكيك الواقع ونقده، مثل الماركسية، مدرسة التحليل النفسي، الإناركية وأمثالها، أو الوجودية بنسختها النيتشوية، ولعل من المفكرين الندرة الذين اشتغلوا على تحليل أعماق الأزمة المعرفية وتجلياتها التسلطية كان ميشل فوكو الذي تمت محاربته لأنه يقدم طرحاً نقدياً حقيقياً، وكذلك الفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار موران، الذي ما زال مشتغلاً بحقل تعرية الأقنعة التسلطية وحجم التلاعب بالبشر من النخب الاقتصادية والسياسية والإعلامية .

أما عربياً ! فالأزمة أكثر تعقيداً، فما زال أكثر المتصدرين لمشهدنا الثقافي والمعرفي مجاملين وتافهين وغير جدين بالمرة، واشتغالاتهم ساذجة بكل معنى الكلمة، لدرجة أنهم جعلوا من لفظة المثقف أضحوكة لدى قطاعات واسعة، وجعلوا من الثقافة موضة للانتفاخ والنرجسية، دون أي اشتباك ملحوظ مع النظم السياسية والدينية .

هذا الانتكاس والخوف في المثقف العربي يشير بشكل مضمر لفراغ المثقف عربياً من أي منهجية نقدية جادة، وانعدام الصدق مع الذات، الذي يؤدي بدوره لإنعدام الصدق مع الواقع كنتيجة محسومة سلفاً .

لذلك أصبح الكذب والخداع والأنانية والاهتمام بالشهرة والجمهور أهم مميزات هؤلاء، خوفاً من أي تصادم محتمل مع سلطات المجتمع الفعلية (كالنظم السياسية) أو المعنوية (كالنظم الدينية)، لصالح الإبقاء على شريحة المتابعين والمصفقين ….

علي جرادات

عن جورنال