طرحت الأزمة في السودان والتطوّرات التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير، على بساط البحث، قضية القواعد العسكرية التي تنشرها الدول الإقليمية الفاعِلة في أفريقيا، والتنافُس الاستراتيجي بين كل من تركيا والإمارات في شرقي القارة.
ولعلّ قضية جزيرة سواكن التي كانت تركيا قد اتفقت مع السودان على استثمارها، وإقامة قاعدة عسكرية فيها، والقلق التركي من أن تؤدّي الإطاحة بعمر البشير إلى تعديل الاتفاقية أو إلى إلغائها، هو ما أثار القضية وجعلها تطفو على السطح .
وكانت تركيا قد عملت على تأسيس قواعد عسكرية في كل من الصومال وجزيرة سواكن في السودان، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية في الخليج (في قطر)، بما يشير إليه بعض الخبراء ب”المثلّث” العسكري الذي تستخدمه تركيا لاحتواء النفوذ المُتصاعِد لدول الخليج العربي، ومنافسة النفوذ السعودي – الإماراتي في المنطقة.
وتتميّز جزيرة سواكن بموقعها الاستراتيجي الواقع شمال شرقي السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهي منطقة أثرية تاريخية، تبلغ مساحتها عشرين كيلومتراً مربعاً، وكانت في السابق تُعتَبر الميناء الرئيس الذي تعتمد عليه السودان والذي يشكّل حلقة الوصل بين كل من أفريقيا وآسيا.
في المقابل، توزّع الإمارات قواعدها العسكرية في المنطقة، بشكل طَوْق عسكري يتخطّى حجم ونفوذ البلد الاستراتيجي، ففي اليمن تقوم الإمارات بمدّ نفوذها داخل الجغرافيا اليمنية بالإضافة إلى السيطرة على جزيرة سقطرى، حيث تقيم الإمارات قاعدة عسكرية كبرى، ومعها باتت تسيطر استراتيجياً على الخط البحري الممتد من الهند إلى أفريقيا.
وبالرغم من القلق العُماني من التواجد الإماراتي في تلك الجزيرة الاستراتيجية، إلا أن الإمارات لا تبدو مستعدّة للتخلّي عن منطقة حيوية واستراتيجية بأهمية سقطرى.
تضاف إلى سقطرى، القاعدة العسكرية الإماراتية في ميناء المخا، على الساحل الغربي لليمن. كما تتحدّث التقارير عن وجود عسكري سعودي – إماراتي في جزيرة ميون قرب مضيق باب المندب ما يعطيها أفضلية عسكرية استراتيجية في المنطقة.
أما في أفريقيا، فتتنافس الإمارات مع تركيا على إقامة قواعد عسكرية في الساحل الأفريقي، إذ أقامت الإمارات قاعدة عسكرية في “أرض الصومال” التي انفصلت عن الصومال وأعلنت نفسها دولة مستقلة (من دون أن يعترف بها أحد)، وباتت اليوم تتلقّى مساعدات ودعم كبيرين من بعض الدول الخليجية مقابل الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية فيها. كما تقيم الإمارات قاعدة عسكرية في أرتيريا، والتي تُعتبر القاعدة الأساس لإنطلاق الطائرات العسكرية لشنّ الغارات في اليمن ولدعم العمليات العسكرية الجارية هناك ضد الحوثيين.
وهكذا، نجد أن الصراع بين الدول الخليجية وتركيا، يأخذ طابعاً مذهبياً واستراتيجياً؛ مذهبياً حيث يتقاتل الطرفان على تكريس زعامة العالم الإسلامي السنّي، واستراتيجياً حيث يحاول كل طرف مدّ نفوذه إلى الدول الأخرى للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا. كما نجد أن الصراع والتنافس الاستراتيجي بات ينتقل من منطقة إلى أخرى، فبعد أن تقاتل الطرفان في أنحاء العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط ، واستخدم الطرفان الحروب بالوكالة عبر المجموعات المسلحة في سوريا، نجد أن سباق النفوذ انتقل اليوم إلى القارة الأفريقية.
الإشكالية الكبرى التي يخلقها هذا التنافس بين هذه الدول، أنه قد يعطي هامشاً للإرهابيين، للنفاذ من مناطق التنازع بين استراتيجيات الدول لمكافحة الإرهاب، التي تكون بشكل عام منعزلة عن بعضها البعض ومُتنافِسة إلى حدٍ كبير. بالإضافة إلى أن الخطورة الأساسية تكمن في إمكانية استخدام هؤلاء الإرهابيين من قِبَل بعض الدول كأداة في السياسة الخارجية لمنع الخصم من الوصول إلى أهدافه، أو لضرب الخصم واستنزافه، أو للتأثير على الحكومات الأفريقية في قراراتها أو لمُعاقبتها على تفضيلها التعاون مع دولة وإقصاء أخرى.
ليلى نقولا
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية