الرئيسية » العالم والخليج » الأردن وسوريا… الكلمة الفَصْل للجغرافيا السياسية

الأردن وسوريا… الكلمة الفَصْل للجغرافيا السياسية

 

عمان – رانية الجعبري

 

هاهي الجغرافيا تقول كلمتها الفصل بين الأردن وسوريا، وهاهو صوتها يعلو فوق صوت الحلفاء التقليديين، وهاهي الظروف تتيح لها أن تنهض من ركام التردد والقلق، فيقف رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز قبالة الحدود الأردنية – السورية المشتركة في شمال الأردن، ويقول الكلمة الفصل: “لن نستقبل لاجئين من سوريا”.

الأردن الذي يعد جزءاً من محور الولايات المتحدة والسعودية والخليج، سعى للموازنة في مراحل معينة من الأزمة السورية بين مصالحه التي تلتقي بشكل أو بآخر مع مصلحة الدولة السورية وبين مطالب الحلفاء، وعلاقته مع الحلفاء التي مرت بين جزر ومدّ وأجبرته على تقديم “غرفة الموك”، وساحات التدريب للمعارضة، لم تتمكن أن تأخذه لإدخال الجيش الأردني إلى الساحة السورية.

وكان نصر التيار السياسي في الأردن الداعي لعدم التورط في أي عملية عسكرية في سوريا حماية محتمة للأردن، بعد أن كان هنالك تيار ينادي بالتورط المباشر في الأزمة السورية.

واليوم، فإن الأردن الذي تربط شماله مع درعا والجنوب السوري علاقات الدم والقربى، والذي راعت فيه الحكومة الأردنية مشاعر الشعب غير القادر على التنكر لحقيقة أن ثمة أهلٌ قد تدوسهم أقدام المعارك ولا علاقة لهم بالمسلحين، يفتح باب تقديم العون الإنساني للاشقاء، ولكن على ثرى وطنهم. “لا نستطيع أن نفرز المواطن المسالم من المسلح” يقول الرزاز، وتنطلق بعدها حملات العون الشعبية إلى أهالي درعا ولكن داخل الأراضي السورية.

منذ العام 2011 وعلى طول الأزمة السورية، كانت المعاناة الإنسانية للأهل في سوريا هي بمثابة “قميص عثمان”، الذي يحرك مشاعر كثير من الأردنيين ضد الدولة السورية ومحور المقاومة. وكان مجرد نقاش هذا الأمر والحديث عن الدور السلبي الذي تقوم به الجماعات المسلحة، الممولة من دول تجابه محور المقاومة، على أمن وسلم السوريين، يقابل فوراً بالاتهام والرفض.

اليوم يقف الأردن الرسمي ويعلنها، من غير الممكن استقبال المزيد من اللاجئين، ويقولها الرزاز “من غير الممكن فرز المواطن المسالم من المسلح”. أي أن هنالك مخاوف حقيقية لدى الأردن الرسمي من الجماعات المسلحة.

وقبل ذلك دفع الأردن فاتورة أمنية جراء متابعة ارتباطات اللاجئين السوريين على أرضه. ويقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني رائد الخزاعلة ل”جورنال”، “دفع [الأردن] الثمن في إربد والكرك والبقعة دفعته في كل مناطق الأردن هذا من ناحية الأرواح التي زُهقت لكن الأردن أيضاً دفع الثمن الكثير في موضوع اللجوء السوري والكثير في موضوع مكافحة الإرهاب”، مبينأ أن الأردن “اليوم أكثر من ربع موازنته تذهب إلى مكافحة الإرهاب”.

ويضيف الخزاعلة بان “الناس ترى الموضوع انه طبيعي، لكنه ليس طبيعياً، اليوم لديك الجانب الأمني والاستخباراتي والمخابراتي [الذي] أرهق موازنة الدولة”. ويشرح “اليوم هنالك كوادر إضافية [في المخابرات والأمن والجيش] والناس لا تدرك هذه التفاصيل، وتعتقد ان الأمور تسير بشكل طبيعي، اليوم نحن ننفق على الأمن والجيش والمخابرات وعلى استخباراتنا أكثر من خمس أضعاف ما كنا نبذله سابقاً”.

وإلى جانب هذه الكلفة الأمنية، لا يمر أسبوع واحد حتى ينشر الموقع الرسمي للقوات المسلحة الأردنية، نبأ إحباط الجيش الأردني لمحاولة تسلل أو تهريب لكميات كبيرة من المخدرات.

واستبعد رئيس هيئة الأركان الأردني في مقابلة خاصة أجراها مع قناة BBC  نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2016 أن تعيد بلاده فتح المعابر الحدودية بين الأردن وسوريا، في ذلك الحين، مبيناً أن ذلك لن يتم إلا بعد أن يسيطر الجيش النظامي عليها كاملة وان يستعيد المعابر وتأمين الطريق إلى دمشق.

في العام 2016، بدأت الجغرافيا تقول كلمتها، اليوم يعلو صوتها أكثر وأكثر. يقول الكاتب والمحلل السياسي ماجد توبة ل”جورنال” انه “من المؤكد أن البعد الجغرافي هو الأساس الآن الذي شكل مصالح مشتركة بين الدولتين، الآن الشعار الرئيسي الذي يطرح اردنياً على لسان المسؤول وعلى لسان الشعب حتى، المواطن العادي، المصلحة الرئيسية هي في أن يتقابل الجيشان على الحدود بحيث يمسك الجيش السوري الحدود من الجهة الأخرى والجيش الأردني يكون في المقابل، هذه هي المصلحة الاستراتيجية والأساسية بالنسبة للأردن”.

ويؤكد توبة “ليس من مصلحة الأردن وجود أي تنظيمات، حتى لو كان فيه نوع من التحالف أو التقاء بعض المصالح في بعض فترات الأزمة، المصلحة الرئيسية للأردن تكمن في وجود الجيش السوري”. واضاف أن “هذه المرة الجغرافيا بالفعل هي البُعد الرئيسي في المصالح وفي رفد هذه المصالح الاستراتيجية التي كانت واضحة بالفعل في هذه الأزمة الأخيرة أو في معركة درعا وشروع الجيش السوري في استعادة السيطرة على هذه المناطق، وعلى المناطق الحدودية”.

وثمة تحديات يواجهها الأردن في ظل غياب الجيش العربي السوري عن الناحية الأخرى من الحدود تدفع الأردن للبحث عن  مرجعية خلف الحدود، على حد تعبير الخزاعلة الذي يقول”لا يمكن ان تكون حدودي بلا أي مرجعية، مرجعية [دولة نظامية] أما مرجعيتي تكون [إلى جهات] بلا مرجعية فهذا يزيد الفوضى، الآن أتحدث من ناحية أمنية وليس من ناحية إنسانية، فيهمني في الحدود ان تستلمها دولة لأدرك أنني قادر للعودة إلى هذه الدولة في أي أمر يطرأ، أما أخطر شيء أن تكون المرجعية لعصابات”.

وجاء في تصريحات لمدير التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الأردنية عودة الشديفات يوم امس الاثنين 2 تموز/يوليو أنه يوجد الكثير من المندسين ويمتلكون السلاح بين النازحين بالقرب من الحدود الأردنية، حيث يوجد أشخاص يتسللون بلباس نساء وهويات مزورة، وأكد الشديفات أن الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى متيقنة للأمر وتتعامل بحرفية مع الأمر.

وكما الحكومة الأردنية لم يغفل الشديفات الجانب الإنساني إذ قال بأن القوات المسلحة تتعامل بكل إنسانية في الجانب الآخر من الأردن في تقديم المساعدات للأطفال والنساء بإيصال المساعدات داخل الحدود السورية.

وحول التنسيق بين الأردن وسوريا، يشير توبة إلى أن “التنسيق والتواصل كان دائماً موجوداً بين الجيشين [الاردني والسوري]” ورغم “مراحل الفتور [بين الطرفين] والتي ارتبطت بالأوضاع السياسية أو بالخلافات السياسية وصراعات المحاور الموجودة حول الأزمة السورية” إلا أنه “كان دائماً هنالك  محاولة إيجاد خطوط تواصل بين الطرفين”.

وانطلاقاً مما سبق، يعتبر توبة أنه في المرحلة المقبلة، حتى لو بقي المستوى السياسي فاترا في العلاقات في المرحلة القصيرة أعتقد في الجانب الميداني العسكري سيكون هنالك اتصال أكبر بين الطرفين باتجاه موضوع نصيب وفتح الحدود وتأمين الطريق البري بين عمان ودمشق عبر نصيب تحديداً”.

وبالاضافة لما سبق يشير توبة إلى “موضوع الخلايا الإرهابية التي ستنتج عن هذه المعركة” مبيناً أنه “سيكون هنالك تنسيق ميداني بين الطرفين خاصة مع ذيول ما سيتبقى من المعركة” ويذكّر توبة بالمصلحة المشتركة للطرفين في فتح معبر نصيب – جابر.

وكانت السلطات الأردنية في العام 2015 قد اعلنت إغلاق معبر نصيب – جابر الحدودي الذي يربط الأردن وسوريا، وذلك بعد سيطرة الجماعات المسلحة على منطقة الجنوب السوري والمعبر.

 

عن جورنال