الرئيسية » اراء ودراسات » لماذا يتخلى شاب سعودي عن رغد العيش ليلتحق بمحور المقاومة؟

لماذا يتخلى شاب سعودي عن رغد العيش ليلتحق بمحور المقاومة؟

 

لدى معن الجربا رواية يحكيها. عن السعودية التي يحب، والنظام الذي لا يحب. عن التاريخ الذي ظلم وتقلب ولم ينصف. عن عائلة قررت ان تأخذ البلاد والعباد الى أمكنة لا يراها معن الجربا تليق بالوطن الذي يريد. عائلة حاكمة لم تحتمل مواقفه، وهو يراها بديهية وطبيعية ووطنية، وتراها اجهزة الدولة وأمنها مخالفة للحاكم بأمر الله، تستحق التضييق عليه بعد محاولة استمالته ثم ملاحقته ومحاصرته ليغادر، برغم كل ما يملكه من روابط مع عائلة آل سعود على صعيد المصاهرة والقربى.

لم يشفع له لا اتزان في الكلام، ولا روابط الدم، وهو الذي كما عشيرته، آثروا ان يطووا صفحات دموية من الماضي، لعله يكون للسعودية مكانتها وازدهارها، مناصرة وحاضنة لقضايا العرب، واولها واكثرها قدسية في فلسطين. ولم يكن له ذلك.

لهذا عندما تسأله “جورنال” لماذا معن الجربا في خندق معارض، تكون له رواية ليحيكها، وفيها تفاصيل مثيرة عما يجري في المملكة، وما يرسم لها، والدروب التي تسلكها، كرمى لمحمد بن سلمان، وتحقيقا لمصالح الادارة الاميركية، على حساب السعوديين والعرب عموما.

ويقول الجربا، المقيم في بيروت، “كنا منذ 330 سنة نحارب في نجد ضد الوهابية بحكم انها حركة خارجة على الدولة الشرعية في ذلك الوقت. كان هناك خلافة عثمانية بغض النظر عن موقفنا منها وتقييمنا لها. وكان خروج الوهابيين للقتال بحجة محاربة الفساد، وانما بدعم وتسليح انكليزي، هنا اكتشفنا انها مؤامرة. الوهابية مؤامرة”.

واوضح الجربا ان الدليل على ذلك “ان الانكليز كانوا (محتلين) على ساحل الخليج وفي هذه المشايخ، ولكن الحركة الوهابية لم تحاربهم بل حاربت القبائل وحاربت دولة عمان والقواسم (في امارة الشارقة). كل من يحارب الاستعمار هناك يوجهون حروبهم ضده. قاتلوا “الاشراف” الذين يديرون الحرم المكي. الوهابية صنعت من هذا المستعمر. ظهرت بعد ان دخل المستعمرون. الاسلحة التي امتلكوها لم تكن تتناسب مع بدائيتهم وقتها. اسلحة متطورة وقتها اكدت ان الحركة الوهابية مصنوعة من المستعمر”.

وتابع “ولهذا اضطر محمد علي باشا  ليتحرك بجيشه الى قرية في نجد في وسط الصحراء ليدمرها. تحرك الى الدرعية لتدميرها.. وهي مجرد قرية صغيرة لماذا؟ لانه كان يعلم بوجود مشروع استعماري في المنطقة. كان يدرك حجم الخطر وعلاقتهم (الوهابيون) بالمستعمر الذي يريد اقامة الدولة السعودية الاولى. مشكلتنا الاولى معهم اننا الجربا (من عشائر شمر) ساهمنا في محاربتهم لاسقاطهم وكنا على تواصل مع محمد علي باشا”.

ولم تكن الحرب متكافئة كثيرا، يقول الجربا موضحا “كنا نحن نقاتل بالسيوف والرماح وهم بالنبادق والمدافع. ومع ذلك، استنزفناهم حتى سقوط الدولة السعودية الاولى” في العام 1818.

عشائر شمر كان لها ايضا دور في اسقاط الدولة السعودية الثانية التي انتقلت عاصمتها من الدرعية الى الرياض. ضعفت الدولة بسبب خلافتها الداخلية وبسبب وقوف عشائر ضدها ما تسبب بسقوطها على يد حكام امارة جبل شمر في العام 1891. مشكلتنا ايضا هنا كانت مع الوهابية، كما يؤكد الجربا.

تبدلت الامور مع مجيء الدولة السعودية الثالثة. يقول الجربا “جاءت الدولة السعودية الثالثة، بعد هدم الاولى والثانية، لكن الدولة الثالثة قالت جئنا من اجل الدين وفلسطين والأمة، قلنا فليأخدوا فرصتهم في الحكم طالما هذه اهدافهم”.

كان ذلك وقتها. والان، يقول الجربا انه “في العام 1932 صنعت الدولة الثالثة برايي من اجل دور محدد. قيام اسرائيل في فلسطين في العام 1948 لم يكن صدفة. وهناك وثيقة بريطانية تشير الى ان الملك عبد العزيز تعهد فيها لبريطانيا بالقبول بارض لليهود وقيام دولة لهم فيها”.

لكن ماذا يعني ذلك؟ يقول الجربا انهم “طالما اخذوا مكة والمدينة من العالم الاسلامي، فقد ضاعت فلسطين. دورهم (الوهابيون) كان هذا”.

ولم يستند الجربا في كل ذلك على التحليل. يوضح “نحن تناسبنا معهم وهذا قربني من الحقيقة وشاهدت. كبرت احلم بفلسطين ونظرت ورأيتكم لا تساعدونها. محور المقاومة هو من يقوم بهذا الدور، ويحارب المشروع الصهيوني في المنطقة. كان يفترض بالسعودية ان تقوم بهذا الدور. هذا صدمني.. السعودية لم تعد املنا كجيل”.

لم يلتزم معن الجربا الصمت. في العام 2009، انشأ موقعا الكترونيا باسم “حوار وتجديد” في السعودية. ومن خلاله كان يعبر عن الدعم للمقاومة.

لكن كيف سمح لك بذلك؟ يقول الجربا ان “وجود الملك (السابق) عبدالله وقتها ربما حماني، نظرا للروابط العائلية. خرجت من المملكة قبل وفاته اثناء احتضاره في اخر شهرين”، علما بأن زوجة الملك عبدالله بنت عمه، وزوجة الامير نايف الراحل ابنة خالته، وأخو الملك غير الشقيق ممدوح بن عبد العزيز، ابن خالة والدته.

 

ومهما يكن، فقد اغلقت السلطات الموقع في العام 2013 ، لكن قبلها اجرت صحيفة “عكاظ” حوارا معه في العام 2010 ، وبعدها اقترحوا عليه لاستمالته ان تكون له زاوية خاصة في “عكاظ”، اسماها “ومضة تجديد”، وهي خطوة مهمة لان كل الوزراء والمسؤولين يقرأون ما تكتب فيها. يقول الجربا انه “بعد سنة من ذلك، اوقفوني من عكاظ. كتبت خلالها مقالا عن شيعة السعودية والسيدة عائشة، واحترامهم لفتاوى كبار المراجع الشيعية بضرورة احترام السيدة عائشة”.

ماذا يقول لك كل هذا؟ يقول الجربا “الان مضى عليهم 80 سنة في الحكم. وباستثناء الملك فيصل الذي شارك في حرب ال1973، فان الكل كان يعمل ضد العرب ومصالح العرب ويدمروا اي زعيم يمكن ان تلتف حوله الجماهير من ايام جمال عبدالناصر حتى يومنا الان”.

ثم يتساءل “لماذا كانوا اصدقاء مع الشاه؟ صديق اميركا واسرائيل. عندما شهرت ايران العداء لاسرائيل لاحقا، اصبحت عدوة لهم. عندما كان الشاه في الحكم، لم تكن هناك اتهامات على شاكلة الشيعة والصفوية والخطر”.

ولحياة معن الجربا جوانب اخرى. لم يكن سهلا على هذا الشاب ان يصل بقناعات مغايرة في البيئة التي نشأ فيها. يقول الجربا “وصلت من خلال قراءة كل هذا، الى ان هذا كله خطأ. انا درست في مدارس السعودية وتعلمت ان الوهابية هي الصح والطريق السليم. لكن بقليل من الضمير والمعرفة، وصلت الى قناعات اخرى. الضفة الاخرى، محور المقاومة يقوم بما كان يجب ان تقوم به السعودية”.

يتابع الجربا في الحوار “انا صراحة نشأت على حبهم (عائلة آل سعود)”، الا انه يستدرك قائلا “حتى لو جاء ملك عروبي، فان الدولة العميقة ستطيح به. السعودية تعمل ضد كل ما كنت اريده، العروبة وفلسطين وقضايا الامة”.

ماذا جرى معك بعد اقفال الموقع الالكتروني ووقف مقالك في “عكاظ”؟ يقول الجربا “انتقلت الى فايسبوك وصارت تصلني رسائل تهديد غير رسمية واغراءات بما في ذلك وعد بلقاء مع ولي العهد. خلال عامي 2012 و2013 كانت هناك ضغوط وتهديدات وتوقيف لاعمالي وحساباتي في البنوك. احكام تجارية ضدي حتى من دون ابلاغي مسبقا بالقضايا. كل هذا وانا في الداخل. لم اهاجم النظام السعودي خلال كل هذا الوقت. كنت اتحدث واكتب عن المقاومة وتوعية الامة. لم انتقد النظام ولم اشتمه. قالوا لي هذا محور كذاب. فقلت لهم اثبتوا لي ذلك”.

ثم بدأ الجربا يفكر في الخروج من المملكة، لكنه ممنوع من السفر. قدموا اغراءات جديدة: “مليون ريال ستودع في الحساب المصرفي. ثم ستمنح موعدا مع ولي العهد (محمد بن نايف) ولن تخرج الا وانت راض”.

حصل الجربا بعدها على رفع لحظر السفر، وفي العام 2014 حجز تذكرة سفر الى مصر. كان عبدالفتاح السيسي قد تسلم الحكم للتو.

يروي الجربا مفارقة حصلت معه. قبل مغادرته الى القاهرة، كان لا يزال في مدينة جدة، واجريت معه مقابلة لصالح قناة “الميادين”، وقال بوضوح انه مع محور المقاومة. وقد عرض البرنامج وهو في طريقه جوا الى مصر. مباشرة بعدها، اطلقت قناة “وصال” التي تديرها الاستخبارات السعودية، حملة تشهير ضده مطالبة بسحب الجنسية السعودية منه. كان ذلك ايذانا بانه لن يسمح له بالعودة. “ولهذا لم اعد”، قال الجربا.

 

في مصر ثم الى سوريا

 

امضى الجربا سنة ونصف السنة في مصر. ثم بدأت الحرب على اليمن.. السيسي صار “حليفا” في الحرب، وهذا الشاب المنفي من بلاده السعودية كان ينتقد الحرب على اليمنيين.

يقول الجربا “حدثت مضايقات ضدي في مصر فقررت الخروج اما الى اوروبا كلجوء سياسي او الى لبنان. وتسببت بصدمة، ان صح التعبير، بين الكثير من الشباب السعوديين. شاب مرفه وله علاقات بالاسرة الحاكمة في السعودية ويتحدث بانتقادات ويؤيد المقاومة فلماذا يتخذ هذا الموقف؟؟؟ عملوا موجة ضدي لكن الناس صارت تتابعني، وبعضهم صار يقول انني اريد ان اقوم باستعراض ثم اذهب للاستجمام في اوروبا !!.. ولهذا قلت لن اذهب الى اوروبا. لكن ذهابي الى لبنان كان سيجعل كثيرين يقولون كأنه في سياحة، ومواقفه مؤقتة وسيتراجع عنها”.

خلص الجربا الى فكرة مفادها انه “ما سيساعده على اثبات مصداقيته وموقفه، هو الذهاب الى سوريا التي تتعرض لهجمة كبيرة لتدميرها كدولة عربية ومقاومة”. وأقام الجربا في سوريا اكثر من سنة. ومن داخل دمشق المحاصرة وقتها، “كنت اخرج الى الاعلام واتحدث عن صمودها وكانت القذائف تنهمر علينا”.

تبدلت الامور قليلا. الرجل ثابت في خطه وموقفه، ولا يقوم باستعراض. ذهابه الى سوريا يؤكد ذلك. وبدل الهجوم عليه صار البعض يفضلون الحوار معه. تحدث من داخل العاصمة السورية المهددة بالارهاب. وذهب ابعد من ذلك، اذ تطوع كمقاتل في “الحرس القومي”، الى ان تمنى عليه كثيرون من المحبين ان يبتعد عن الجبهات، اذ ان بامكانه ان يخدم قضية سوريا وفلسطين والمقاومة اكثر من خلال نشاطه والحضور الاعلامي.

قبل هجرته القسرية الى خارج وطنه، اسس معن الجربا “اتحاد القبائل والاعيان في البلاد العربية لدعم محور المقاومة”، وهو يتولى رئاسته، وقد نظم مؤتمر تأسيسي في بغداد، وتحدث بهذه الصفة خلال وجوده في جدة في العام 2013.

 

وغادر دمشق ..

 

خرج الجربا من دمشق “عندما جلست الدولة مع المسلحين في مؤتمر استانة.. هنا رأيت ان اللعبة قد انتهت وسوريا انتصرت. هنا دوري سيكون اقوى من بيروت”. ومن بيروت اعلن تشكيل حركة كرامة المعارضة السعودية، وانشأ فيها موقع “الواقع السعودي”.

 

وللحديث تتمة …

 

 

خليل حرب

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".