20 عاما مضت على الغزو الاميركي للعراق، وهي حرب لا سابق لها في التاريخ، وما تزال تداعياتها مستمرة حتى الان، وتخضع لنقاشات وتحليلات في محاولة لفهمها، او دراسة تاثيراتها، بما في ذلك الصدع الذي احدثته في المنطقة برمتها، واختلال النظام الدولي، والاهم، كلفتها على الحياة البشرية.
++++++++++++++++++++++++++++++++
كانت لحظة اطلاق الصاروخ الاميركي الاول ايذانا ببداية الحرب على العراق في 20 اذار 2003، بمثابة ارتقاء تيار “المحافظين الجدد” الى مقاليد التحكم بالامبراطورية الاقوى في التاريخ، ومحاولة التسيد على ساحات الصراع في العالم، وفي الشرق الاوسط بشكل خاص، وكان من بين هؤلاء ممن التحقوا بادارة الرئيس جورج بوش وقتها، بول وولفويتز واليوت ابرامز وريتشارد بيرل وجون بولتون، وخلفهم جيوش من المستشارين والباحثين والاعلاميين، من دعاة سياسة التدخل خارجيا وفرض “السلام” بالقوة العسكرية، وبطبيعة الحال، اظهار الولاء الاكبر في الدفاع عن اسرائيل ومصالحها.
من المهم فهم هذه الخلفية من اجل اكتمال خيوط المشهد، وليس من اجل تقديمها باعتبارها التبرير الوحيد للغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ومعها بريطانيا اساسا، تحت مسمى البحث عن اسلحة الدمار الشامل، فيما اظهرت العديد من مواقف المسؤولين الاميركيين والبريطانيين السابقين لاحقا، والعديد من لجان التحقيق والكتب الصادرة حول الحرب، ان غزو العراق كان سيتم، تحت اي ذريعة، وربما مهما كان الثمن.
كما لم يكن مهما حمامات الدم التي ستنجم عن الغزو. اعترف الاميركيون تباعا كيف انهم لم يخططوا تماما ل”اليوم التالي” لسقوط النظام في بغداد، ولم يضعوا التصورات اللازمة لفكرة اعادة “بناء الدولة” التي يستعدون لتهشيمها بالكامل، ناهيك عن ان شكوكا كثيرة اثيرت بعد سنوات من الحرب، بان ادارتي جورج بوش وطوني بلير، لم تكونا واثقتين من “الادلة” الشهيرة حول برامج التسلح العراقية، وبرغم ذلك ساهمتا في الترويج ل”اكاذيب” دعائية عبر ادواتهما الاعلامية، ثم من على منبر الامم المتحدة نفسها، بان الخطر على العالم، وشيك.
وما تزال الذاكرة تستعيد ما قالته السفيرة الاميركية السابقة لدى الامم المتحدة في العام 1996 مادلين اولبرايت (قبل توليها الخارجية)، اي قبل الغزو ب7 سنوات، خلال مقابلة تلفزيونية عن اثار العقوبات الغربية على العراقيين منذ ما بعد حرب الخليج العام 1991، بعدما سالتها المذيعة: “سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي ماتوا، وهذا عدد اطفال اكثر من الذين ماتوا في هيروشيما، هل الثمن يستحق؟”، فردت اولبرايت “اعتقد ان ذلك خيار صعب جدا، ولكن نعتقد ان الثمن يستحق ذلك”.
لم تتغير هذه العقلية الاميركية، لا بل ربما غذتها هجمات 11 ايلول على نيويورك وواشنطن، وتشابكت مع صعود “المحافظين الجدد” الذين كانوا يريدون اعادة صياغة العالم، ومصالح الولايات المتحدة، وفق عقائدهم الخاصة، وكانت كل الظروف تبدو مؤاتية: الاتحاد السوفياتي كان قد انهار، والاوروبيون مشتتون كالعادة، والعقوبات انهكت الجسد العراقي طوال اكثر من 12 سنة، امنيا وعسكريا ومعيشيا، وصدام حسين منذ غزو الكويت في العام 1990، يكاد لا يجد حليفا. وكان نظام صدام يعاني ايضا معنويا، بعد تعرض نجليه لمحاولات اغتيال، وقبلها انشقاق صهره حسين كامل مجيد الى الاردن.
اما في طهران فقد كان يجلس رئيس “معتدل” هو محمد خاتمي، يسخر الكثير من الوقت بالدعوة الى “الحوار بين الحضارات” ويراهن على احتضان غربي، فيما كان الكيان الاسرائيلي يعاني الامرين بفعل الانتفاضة المشتعلة منذ العام 2000، بينما كان العرب عموما، وامام المذابح الاسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، يرفعون منذ العام 2002، “المبادرة العربية للسلام”. اما على الصعيد السوري، فقد كانت التحديات الجديدة امام الرئيس الجديد بشار الاسد، تتشكل، فيما يتعلق بالداخل السوري، او حتى في الخاصرة اللبنانية.
وكان الشعار الذي رفعه الاميركيون والبريطانيون حول نواياهم تجاه العراق، يثير شهية كثيرين ب”الحرية والديمقراطية” بعد سنوات من الديكتاتورية، والاهم تخليص البشرية من “خطر” النظام العراقي على السلام العالمي.
ليست صدفة تلك التي جعلت وزير الخارجية الاميركي وقتها كولن باول ياتي الى دمشق في 2 ايار من العام 2003 بعد ايام فقط على سقوط بغداد في 9 نيسان. لم يكن التوقيت عبثيا ولا الاهداف التي حملها معه الوزير الاميركي الى الرئيس الاسد، والتي عكست نشوة اميركية بالنصر السهل والسريع الذي تحقق في العراق والذي اريد له ان تكون له نتائجه السورية والايرانية واللبنانية والفلسطينية. ذهبت صحيفة “الفايننشال تايمز” الى حد وصف ما حمله باول معه الى دمشق، بوصفها بانها “اوامر”، بينما قال الوزير الاميركي انه طلب من دمشق التكيف مع الاوضاع الجديدة في المنطقة بعد حرب العراق واستئناف مسار السلام الفلسطيني-الاسرائيلي من خلال “خطة الطريق” ونشر الجيش اللبناني في الجنوب وابعاد “حزب الله” عن الحدود الفلسطينية، واخراج قيادات منظمات المقاومة الفلسطينية من سوريا، وغيرها من المطالب.
وكان من الواضح ان الخطابات الاميركية حول نشر الديمقراطية والسلام والاستقرار في العراق، تحولت الى شعارات براقة بلا قيمة وقتها، فيما كان البلد يدفن مئات الضحايا يوميا، في حين اتضح ان افضل ما انتجته العملية العسكرية على الصعيد السياسي الداخلي، ولادة فكرة “لبننة العراق” بنظام سياسي، اقره دستور العام 2005، وتتقاسمه القوى على اسس طائفية، ما مهد الطريق سريعا امام نشوء سياسة تقاسم الغنائم لارضاء الجميع.
ومع انشائها مئات القواعد والمواقع والثكات العسكرية للقوات الاميركية وحلفائها في العراق، أصبحت الجيوش الاميركية بمختلف اذرعها على الحدود مع ايران وسوريا، وبهذه الاجواء جاء كولن باول الى دمشق، فيما اصبح الحضور العسكري الاميركي ممتدا من مضيق هرمز عند مدخل الخليج صعودا نحو البر العراقي وبمحاذاة الحدود الايرانية، فيما شعرت اسرائيل بان خريطة توازن القوى في المنطقة، تغيرت لصالحها تماما.
وبالفعل فان زلزالا اصاب المنطقة برمتها. دفنت اسرائيل “المبادرة العربية للسلام” تحت انقاض بيوت الفلسطينيين، وسقطت دعوة “حوار الحضارات” التي اطلقها خاتمي تحت اقدم الجيش الاميركية التي احتشد عند الحدود الايرانية، وفوق اشلاء مئات الاف العراقيين. وفتح الغزو الاميركي جروح التوتر الطائفي والمذهبي، لا في العراق وحده، وانما في ارجاء المنطقة كلها، ثم اتت لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005، لتضفي على مشهد الانقسامات الاقليمية، ابعادا خطيرة، وتبعها في العام 2006 اعدام صدام حسين، بطريقة مثيرة، ومصورة عند عمد لتعميم التشظي. وبين الحدثين، كانت الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز العام 2006، وقبلهما صدور القرار 1559 المطالب باخراج القوات السورية من لبنان، في حين تواصلت سياسة فرض العقوبات على طهران، وصولا الى يومنا هذا.
لكن كيف بدا كل ذلك؟
اعلن بوش ان القوات الامريكية بدات عملية عسكرية في العراق، في 20 اذار 2003، في عملية اطلق عليها اسم “الحرية من اجل العراق”، حيث بدا الغزو بغارات وضربات صاروخية على بغداد ثم تحركت القوات البرية من الكويت باتجاه الجنوب. ليتوالى العدوان على المدن العراقية، وصولا الى التاسع من نيسان حيث اعلن عن سقوط بغداد والسيطرة العسكرية عليها، ثم غرقها في الفوضى. ولم يمر وقت طويل قبل ان يعلن الحاكم الاميركي للعراق بول بريمر، امرا بحل الجيش العراقي واجهزة المخابرات، اضافة الى البدء بتنفيذ ما يعرف بسياسة “اجتثاث البعث ” من المؤسسات الحكومية. وفي كانون الاول من العام نفسه، اعتقل صدام حسين مختبئا في حفرة قرب تكريت.
وغرق العراق في دوامة من الدماء، مقاومة ضد قوات الاحتلال، وتصفيات بين احزاب وميليشيات وعشائر وطالت “بعثيين” سابقين، وعمليات ثار وانتقام ذات طابع مذهبي متبادل، ودخول تنظيم القاعدة بعمليات انتحارية لم تستثني مكونا عرقيا او طائفيا، من السنة والشيعة والكرد والمسيحيين وغيرهم، وهي اعتداءات لم يتمكن احد من القيام باحصاء دقيق لضحاياها.
وما بين العام 2003 وصولا الى العام 2011 حيث اعلنت واشنطن انسحابها عسكريا من العراق، لم يتم تقديم احصاء موحد وموثق للضحايا في العراق. فالجيش الأميركي كان يتحدث عن مقتل نحو 77 الف عراقي بين كانون الثاني 2004 واب 2008، وفي احصائية صادرة عن مؤسسة (Opinion Research Business) البريطانية، اشارت الى ان الحصلية بلغت مليونا و33 الف قتيل منذ الغزو العام 2003. وفي العام 2013 كشفت مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، ان الغزو ادى الى تشريد مليون و 100 الف عراقي. ووفقا لارقام وزارة الدفاع الاميركية، فقد بلغ عدد قتلى الجنود 4487 عنصرا بالعراق منذ الغزو حتى الانسحاب، بينما تجاوز عدد الاصابات 32 الف جندي. فيما كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية، عن خطف 150 طفل عراقي سنويا بين 2003 و 2005، وبيعهم في السوق السوداء. اما على صعيد النساء، فتشير التقديرات الى تعرض 40 الف سيدة للخطف، واعتقال الالاف منهن في السجون الاميركية.
ولا تتضمن هذه الارقام، الحصيلة المفترضة في ما مرحلة ما بعد العام 2013 مع صعود تنظيم داعش، ثم اعلان فتوى “الجهاد الكفائي” من المرجع الاعلى السيد علي السيستاني وتشكيل “الحشد الشعبي” من المتطوعين العراقيين الذي تدفقوا بمئات الالاف من اجل دحر التنظيم الارهابي، وصولا الى الاعلان عن هزيمة داعش من جانب رئيس الوزراء العراقي الاسبق حيدر العبادي في 9 كانون الاول العام 2017، مع كل ما رافق هذه السنوات من مذابح وتفجيرات وجرائم ابادة جماعية ومقابر.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في 7 اذار 2023، ان الحرب الاميركية على العراق تعتبر من بين ابرز الاسباب التي ادت الى تصاعد الدين العام الاميركي ليصل حاليا الى 31 تريليون دولار. واوضحت الصحيفة انه بعد هجمات 11 ايلول الارهابية، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، وامضت نحو 20 عاما في خوض الحروب في الشرق الاوسط، وهو ما تسبب في زيادة الاموال المخصصة للبنتاغون وقدامى المحاربين، مشيرة الى ان الحروب في العراق وافغانستان كلفت الامة الاميركية ما بين 4 تريليونات و 6 تريليونات دولار.
لكن بحسب “معهد واتسون” الاميركي، فان ارقام السنة المالية 2022، تشير الى انفاق الحكومة الامريكية اكثر من 8 تريليونات دولار في حروب ما بعد 11 ايلول.
وبالاجمال، شارك نحو مليون جندي اميركي من مختلف الوحدات العسكرية على مدى سنوات حرب العراق. وتشير دراسة “واتسون” الى ان تكلفة الحكومة الفيدرالية للعمليات العسكرية في العراق تقدر بنحو 2 تريليون دولار، اي ما يقرب من 8 الاف دولار لكل دافع ضرائب اميركي، وهو ما يمثل 9 % من الدين القومي، ويحذر التقرير من ان ديون الحرب سترتفع الى 6.5 تريليون دولار بحلول العام 2050.
تواريخ بعد الغزو
1 ايار 2003
بوش يعلن انتهاء العمليات القتالية الرئيسية من على ظهر حاملة الطائرات “يو اس اس ابراهام لنكولن”.
24 كانون الثاني 2004
ادارة بوش تعترف بان حججها قبل الحرب حول المخزونات الهائلة من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية وحتى النووية في العراق، تبدو خاطئة. وقال كبير مفتشي الاسلحة الامريكيين السابق ديفيد كاي، للكونغرس “كنا جميعا مخطئين تقريبا”.
28 نيسان 2004
ظهور ادلة وتسريب صور على فضيحة معاملة السجناء داخل سجن ابو غريب الذي تديره الولايات المتحدة
15 تشرين الاول 2005
عام الانتخابات بالنسبة للعراق ، اذ بعد التصويت في استفتاء على الدستور الجديد، صوت العراقيون لانتخاب برلمانهم وتشكيل حكومتهم الاولى.
9 تموز 2006
وفيات المدنيين العراقيين بلغت ذروتها بتقديرات تتراوح بين 1000 و 3500 لهذا الشهر.
1 حزيران 2007
بدات القوات الامريكية بتجنيد افراد العشائر فيما يعرف باسم “الصحوة” في محافظة الانبار، لحمل السلاح ضد تنظيم القاعدة في العراق.
3 اذار 2008
الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في بغداد، وهي المرة الاولى التي يزورها رئيس ايراني منذ الحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات.
4 تشرين الثاني 2008
باراك اوباما يفوز بالانتخابات، الذي يقوم بحملته الانتخابية على تعهد بسحب القوات المقاتلة في العراق في غضون 16 شهرا من توليه منصبه
31 اب 2010
بعد اكثر من 7 سنوات من الحرب ، و 4400 قتيل امريكي ، وعشرات الآلاف من المدنيين العراقيين الذين قتلوا، انهت الولايات المتحدة “رسميا” مهمتها القتالية في العراق
18 كانون الاول 2011
مغادرة اخر الجنود الامريكيين للعراق ، لانهاء نحو 9 سنوات من الاحتلال.
كانون الثاني 2014
تنظيم ما يسمى “الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)” يتسلل الى مدينتي الفلوجة والرمادي. وفي حزيران 2014 يحتل التنظيم مدينة الموصل. ثم بعدا تطلب الحكومة العراقية من الادارة الاميركية دعمها عسكريا.
ايلول 2015
انشاء مركز امني مشترك بين العراق وسوريا وايران وروسيا لمكافحة الارهاب
كانون الاول 2017
اعلان تحرير كامل الاراضي العراقية من تنظيم داعش
كانون الثاني 2020
اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد، والقوات الايرانية ترد بهجمات صاروخية بعيدة من داخل ايران على قواعد اميركية في العراق