الرئيسية » Uncategorized » عين اردوغان على ليبيا: استنساخ الحرب السورية؟
A member of the Libyan National Army runs during clashes with Islamist militants in Khreibish district in Benghazi, Libya, November 9, 2017. REUTERS/Esam Omran Al-Fetori TPX IMAGES OF THE DAY - RC1F9D99AAC0

عين اردوغان على ليبيا: استنساخ الحرب السورية؟

تتدحرج منذ شهور كرة النار الليبية، ووصلت في بداية العام 2020، مرحلة الانفجار الاكبر الذي قد تطال شظاياه اطراف اقليمية عدة، مع قرار تركيا التدخل عسكريا في ليبيا، ما يفتح منطقة البحر المتوسط على احتمالات لا تحمد عقباها.

خليل حرب

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

ففي تحول لمشهد الحرب الاهلية الليبية المندلعة منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ارسل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، قواته الى ليبيا، مؤكدا بذلك الانحياز الكامل في الحرب الى حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وذلك بعدما صوت البرلمان التركي في 2 كانون الثاني 2020، على مشروع قانون يفوضه استخدام قواته عبر البحر الى ليبيا.

يراهن اردوغان على حكومة السراج، المعترف بها دوليا، والمتمركزة في العاصمة طرابلس، لمواجهة قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر المتمركز في بنغازي.

هذا في اختصار للمشهد. اما في التفاصيل، فان الحكاية اكثر تعقيدا وخطورة. على خطوط تماس الحرب الليبية، هناك قوى منخرطة في هذه المواجهة الاقليمية. مصر، السعودية، والامارات من جهة، تتلاقى ايضا مع دور روسي غير مباشر، بالاضافة الى اليونان وقبرص ومن خلفهما الاتحاد الاوروبي، وهناك ايضا قطر. وبصورة اكثر دقة، هناك بالاضافة الى التنافس او التنافر السياسي، بعد اقتصادي يتمثل بمصادر الطاقة في ليبيا والبحر الابيض المتوسط.

وبمعنى اخر، فان انفجار النزاع سيؤدي حتما الى امتداد النيران الى دول اخرى. هناك مخاوف حول تونس والجزائر وهما تمران بمراحل انتقالية. وهناك ايضا، تقدير عام، بان المنظمات الارهابية ستجد في هذا النزاع الاقليمي فرصة ملائمة لها، للتمدد والحضور، وهو احتمال صار مرجحا بعدما تبين ان السلطات التركية عمدت الى نقل مئات المسلحين الذين قاتلوا في صفوف فصائل مسلحة في سوريا، الى ليبيا لدعم صفوف جنود حكومة السراج.

وبالامكان القول ان التحول الكبير في الاحداث الليبية، تمثل في توقيع اردوغان والسراج في 27 تشرين الثاني 2019، مذكرتي تفاهم تتعلق الاولى بالتعاون الامني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية.

المذكرة الاولى سمحت لاردوغان والسراج باطلاق عملية التدخل العسكري التركي المباشر في الحرب الليبية، بينما تتيح المذكرة الثانية لانقرة بسط نفوذها البحري على موارد الطاقة في تنافس يهدد مصالح اليونان وقبرص، مع احتدام الصراع الاقليمي – الدولي على موارد الطاقة في شرق المتوسط.

وفي مؤشر على هذا التوتر، قامت اليونان بطرد السفير الليبي لديها احتجاجا على المذكرة التي تتيح لتركيا القيام بعمليات تنقيب عن الغاز قبالة جزيرة قبرص المقسمة، بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الاتراك، وخصوصا في منطقة الجرف الليبي في البحر حيث يعتقد يوجود ابار غاز ونفط. وفي مؤشر اضافي على التجاذب الاقليمي، قالت امنة امطير، العضو في المجلس الرئاسي الليبي المعترف به دوليا، ان المذكرة التركية – الليبية، حول المناطق البحرية هي استجابة لاتفاقية مماثلة بين اليونان ومصر وانتهاكات الدول الاخرى للحدود البحرية الليبية.

في رسالته لمناسبة راس السنة الجديدة، قال اردوغان انه ملتزم بتطبيق بنود الاتفاق مع حكومة طرابلس، مؤكدا في موقف لافت، ان مخططات اقصاء تركيا من البحر المتوسط باءت بالفشل نتيجة الخطوات التي اقدمت عليها انقرة. وفي مقابلة تلفزينية لاحقا، قال اردوغان ان المذكرة حول مناطق الصلاحية البحرية “قلبت وضعا فرضته معاهدة سيفر العام 1920”.

لكن المعارضين للاتفاق بين انقرة وطرابلس يقولون انه يعتبر ان الحدود البحرية التركية- الليبية كانها مشتركة متجاهلا وجود الجزر اليونانية مثل سلسلة جزر كاستيلوريزو وكارباتوس وكاسوس ورودس وكريت. ويعني ذلك عمليا ان تركيا تضع يدها على جزء كبير من المنطقة الاقتصادية لليونان والتي منحت اجزاء منها بموجب اتفاقية لوزان العام 1923.

وبعدما كان قرار التفويض العسكري من البرلمان التركي لاردوغان مقررا في 7 كانون الثاني 2020، جرى تقديم الموعد الى 2 كانون الثاني 2020، ما عكس العجالة التي تتعامل بها تركيا مع الملف الليبي، مع تقدم قوات المشير حفتر باتجاه حسم معركة طرابلس وسيطرته على مدينة سرت الحيوية.  

تشعر مصر بالقلق مما يجري على حدودها الغربية. في كانون الثاني الماضي، وجهت القاهرة خطابا الى مجلس الامن الدولي تطعن في قانونية التفاهمات التركية مع السراج. هناك حديث قوي عن خط امداد مستمر تقدمه القاهرة لبنغازي حيث يتمركز حفتر. القاهرة قلقلة من الغزو التركي للاراضي الليبية، ومن النشاط النفطي للاتراك في البحر المتوسط الذي قد يعرقل تعاونهم في مجال الطاقة مع اليونان وقبرص مستقبلا. وتقول القاهرة ان مذكرة التفاهم بين اردوغان والسراج “غير قانونية” لانها تخالف ما يعرف باسم “اتفاق الصخيرات” الذي لا يجيز لحكومة طرابلس لوحدها ابرام اتفاقات دولية من دون موافقة البرلمان الليبي في طبرق.

وبالاضافة الى ذلك، هناك شكوك حول قانونية الاتفاق لان معارضي حكومة طرابلس يقولون ان ولاية المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق في طرابلس، انتهت ولايتها في اواخر العام 2017، ولا يجوز لها قانونيا ابرام اتفاقات دولية. وفي الوقت ذاته، يعتبر اردوغان ان المشير حفتر “زعيم غير شرعي ويمثل هيكلا غير شرعي”.

لكن المؤكد ان مذكرة التفاهم تعيد خلط الاوراق الاقليمية، بعد انكسار رهانات اقليمية ودولية كبرى حول الحرب السورية، وانكسار المشروع التركي بشكل كبير، وتعيد ربما تمركز الحريق الاقليمي باتجاه شمال افريقيا، ما يعني مزيدا من المخاطر على بلاد المغرب العربي ومصر.

وعندما يجتمع التنافس السياسي مع الشهية للنفط والغاز، سيولد ذلك الدم. تفتقر تركيا الى موارد نفط وغاز، وتستورد غالبية احتياجاتها، ويشكل الجرف البحري مع ليبيا فرصة لا تعوض، مع استمرار التوتر البحري بينها وبين كل من اليونان وقبرص حول موادر الطاقة في شرق المتوسط. ان منح النصر العسكري الحاسم لحكومة السراج في المعركة الكبرى حول ليبيا، سيتيح لها حصة في سوق الطاقة الليبي الذي طالما اثار شهية الاوروبيين.. وربما عجل في نهاية حكم معمر القذافي.

الخبير في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بشير عبد الفتاح يلخص لقناة “فرانس24″، اهداف تركيا في ليبيا باربعة: الطاقة وتوفير 50 مليار دولار سنويا مما تستورد، وثانيا الرد على اتفاقية “ايستمد” الموقعة بين اليونان وقبرص واسرائيل التي توفر الطاقة لاوروبا عبر خط انابيب، وثالثا التموضع قرب مصر التي تدعم المشير حفتر، ورابعا احياء العثمانية الجديدة بمد نفوذها الاقليمي.

A member of Libyan National Army (LNA) gives a class aimed at raising their awareness about mines and explosives, to schoolboys in Benghazi, Libya, March 12, 2017. REUTERS/Esam Omran Al-Fetori – RC19ABB932B0

تسارع تركيا الى السباق في ميدان الطاقة لانتزاع حصة لها، او ربما لاجبار الدول النقطية المتوسطية، ومعها الاتحاد الاوروبي، على الاعتراف بها كلاعب اقليمي كبير يريد بشدة، امتلاك حصة في هذه الثروات مستقبلا.

واخيرا، في ظل كل هذه العناصر، هل تستنسخ عناصر الحرب السورية وادواتها، في الساحة الليبية وانما بمفاعيل ربما تكون اكثر تفجرا فيما يقوم اردوغان بمغامرة عسكرية بعيدا عن بلاده مئات الكيلومترات؟ الوقت قد يحمل الاجابات.

http://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/123.pdf

خليل حرب  

عن جورنال