الرئيسية » Uncategorized » إسرائيل “تنفس” أزماتها بانتخابات خامسة خلال 3.5 سنوات.. ونتنياهو قد يعود

إسرائيل “تنفس” أزماتها بانتخابات خامسة خلال 3.5 سنوات.. ونتنياهو قد يعود

لن تكون الانتخابات البرلمانية في “اسرائيل” في 1 تشرين الثاني المقبل، حدثا طبيعيا في الكيان، فهي الخامسة في غضون 3.5 سنوات، وهي ظاهرة تعكس اجترارا للازمات العالقة، اكثر من كونها حالة ديمقراطية صحية، فيما يتوقع ان تعزز مشهد الانقسام السياسي -الاجتماعي، مع احتمال عودة بنيامين نتنياهو الى زعامة الحكومة. 

++++++++++++++++++++++++++++

ويلاحظ المراقبون كيف ان سلسلة من الاحداث المهمة التي جرت خلال العامين الماضيين، وتحديدا على الصعيد الخارجي، كزيارة الرئيس الامريكي جو بايدن، وما سمي ب”اتفاقات ابراهيم” مع دول عربية، وحربين عدوانيتن على قطاع غزة، وتصاعد الاعتداءات الاسرائيلية على سوريا، وتجدد جهود احياء الاتفاق النووي الايراني، لم تؤثر على توازن القوى الحزبية وتحالفاتها بشكل لافت.

ومع ذلك، فان استطلاعات الراي الاخيرة بدات تشير الى امكانية ان يقترب نتنياهو من حافة الاغلبية باحتمال حصول تحالفه اليميني على 60 مقعدا في الكنيست (120 مقعدا)، ما يعني انه سيظل بحاجة الى توسيع ضئيل لتحالفاته ليتمكن من نيل حق تشكيل الحكومة، بينما يظهر انقسام المشهد السياسي في ان خصومه في ائتلاف يسار الوسط، اي “ائتلاف التغيير” يحظون باحتمال الفوز ب56 مقعدا.

وتحمل هذه الصورة الكثير من المعاني من بينها ان الكيان الاسرائيلي بات منقسما بحدة بين معسكرين، وان انتخابات 1 تشرين الثاني، ستؤكد هذا التباعد الواضح، وان اساس الصراع بينهما لم يعد يتمحور حول القضايا الخارجية، وانما هو صراع اجتماعي-ايديولوجي في جوهره واخذ بالتفاقم كلما مر الكيان بعملية انتخابية جديدة.

هناك ازمة قيادة وزعامة في اسرائيل، هذه من الخلاصات الرئيسية للعديد من المراقبين للشؤون الاسرائيلية، وهو ما يتجلى بوضوح في تواصل، وتسارع، انهيار الائتلافات الحاكمة كلما مرت بضعة شهور على تشكيلها، ما يرسخ في اذهان الاسرائيليين ان هناك ازمة استقرار للحكم، كما تعكس احتمالا بان الناخبين الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1948، باتوا برغم انقساماتهم الخاصة، بمثابة “صناع الملوك” لان تصويتهم قد يكون حاسما في قلب التوازنات، برغم عقود من القمع والتعصب العنصري ومحاولات العزل المستمرة.

لم يعد “الخطر الخارجي” يقلب المعادلات الداخلية في الكيان، ربما منذ اغتيال رئيس الوزراء الاسبق اسحق رابين العام 1995، ثم الانسحاب الاسرائيلي من غالبية مناطق الشريط الحدودي المحتل في لبنان العام 2000. لم تعد ورقة “الخطر الايراني” ولا “تهديد الجبهة الشمالية” ما يحرك طوابير الناخبين يمينا او يسارا، وانما الحزازات ما بين التيار العلماني الصهيوني والتيار الديني، وبين صفوف الاشكناز والسفارديم، والتي تشير الى تشرذم عميق وشرخ اخذ بالتوسع في مجتمعات الكيان المتعددة.

غير ان ذلك لا يعني ان “الفزاعة” الخارجية لم تعد تستخدم، باعتبارها مشجعة على ابقاء نوع من التماسك داخل “المجتمع اليهودي” المتشرذم ايديولوجيا، وتساهم في صرف الانظار احيانا عن الخلافات الداخلية الحادة، وهي اداة تلجا اليها مختلف القوى من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، لطمس جوهر الصراع فيما بينها، بما في ذلك شن عدوانين على غزة، الاول في ايار 2021 والثاني في اب 2022، اي بعد اقل من شهرين على سقوط حكومة الائتلاف بين نفتالي بينيت ويائير لابيد التي لم يكن عمرها سوى عام واحد.

لكن هذا “الهروب” نحو الخارج، لم يكن مقصورا على غزة، والتي قد ينظر اليها البعض على انها “الخاصرة الرخوة” التي بامكان “اسرائيل” تنفيس احتقانها السياسي والامني فيها. قرعت حكومة بينيت-لابيد طبول الحرب عدة مرات، مثلما كان نتنياهو يفعل، ضد ايران نفسها، وسوريا ولبنان وحتى ضد العراق وصولا الى اليمن، لعل هذه الاصوات تجتذب قوى واحزاب صغيرة من هنا وهناك، والاهم استمالتها من داخل معسكر نتنياهو، وذلك لزوم تدعيم التحالفات الانتخابية ل “ائتلاف التغيير” استعدادا لمعركة يؤمل ان تكون حاسمة مع نتنياهو في انتخابات تشرين الثاني.

ومن المعلوم ان نتنياهو اصبح اطول رؤساء حكومات “اسرائيل” حكما، حتى اذار العام 2021، بعدما كان النائب العام افيخاي ماندلبليت يلاحقه منذ العام 2019، باتهامات الرشوة والاحتيال وخيانة الامانة. وجاهر قادة حزب الليكود الذي يتزعمه بانهم سيطردون المدعي العام الحالي ويحاولون تمرير قانون تاجيل محاكمة زعيمهم بهذه التهم الى ما بعد خروجه من العمل السياسي، والاخطر انهم سيحاولون تقييد قرارات المحكمة العليا واخضاعها لسلطة الكنيست، وهو ما قد يوصف بانه بمثابة “انقلاب” على الدستور.

ان مثل هذه التوجهات الليكودية تحديدا، ما يثير هلع خصوم نتنياهو ضمن قوى “ائتلاف التغيير” المتخوف من الاطاحة بالنظم الديمقراطية المعمول بها، فيما تزادا “اسرائيل” يمينية حيث تشير التقديرات الى ان نحو 62% من الناخبين اليهود من المتعاطفين مع القوى والاحزاب اليمينية التي هي في اساس قاعدة نتنياهو الانتخابية.

ويقول “معهد واشنطن” اليميني الاميركي ان “الحزب الصهيوني الديني”، وهو احد قوى اليمين المتطرفة داخل ائتلاف نتنياهو، يحقق صعودا كبيرا في شعبيته في الاسابيع الماضية، مشيرا الى تولي قيادة الحزب من جانب بتسلايل سموتريش وايتمار بن غفير، وهذا الاخير هو تلميذ سابق للشخصية السياسية المعروفة بعنصريتها مائير كاهانا، مضيفا انه على الرغم من ان بن غفير تخلى عن دعوات كاهانا الى التطهير العرقي، الا انه دعا مرارا الى طرد بعض التجمعات العربية التي يعتبرها “غير مخلصة”. وفي الانتخابات الاخيرة، فاز هذا الحزب بستة مقاعد بينما تتوقع استطلاعات الراي وصوله الى 12 مقعدا، وهو ما قد يتيح له تولي حقيبة وزارية رئيسية في حال فاز ائتلاف نتنياهو في انتخابات تشرين الثاني.

ومن المعلوم ان الحكومة ال36 في “اسرائيل” بائتلاف لبينيت-لابيد، تشكلت في 13 حزيران العام 2021، ثم تساقطت في حزيران 2022، وكان من بين اسباب هذا الانهيار استمرار الانسداد والقمع على المسار الفلسطيني، ما ادى الى تصاعد هجمات المقاومة الشعبية والتي ادت الى مقتل 19 اسرائيليا خلال شهر رمضان الماضي، وعمليات القتل الانتقامية من جانب قوات الاحتلال. ويقول “معهد واشنطن” ان العام 2022 كان حتى الان اكثر الاعوام دموية منذ العام 2016، حيث استشهد اكثر من 85 فلسطينيا، بينما تحدث جهاز الشاباك عن 981 هجوم تم احباطه او جرى تنفيذه بين اذار واب وحدهما.

وبالاجمال، هناك معركة سياسية -اجتماعية دائرة في “اسرائيل” تتلخص في كيفية ادارة الكيان بعد اكثر من 70 سنة على احتلال فلسطين، واعادة هيكلة النظام، ما بين معايير ديمقراطية واخرى معادية لها، كمحاولة جماعة الحريديم المتدينة السيطرة على وزارة الداخلية بهدف شطب معايير العلمانية المرتبطة بالحقوق الفردية، او محاولات التيار الصهيوني الديني التغلغل في الجيش من الداخل، ومواجهتهم مع العلمانيين الليبراليين.

والامثلة كثيرة عن مكامن الصراع الداخلي في الكيان الاسرائيلي والتي من بينها ايضا، محاولات السيطرة على القضاء، وقضايا الفساد المتزايدة، ومحاولات سعى اليها نتنياهو من اجل تعزيز قبضة رئيس الحكومة بالحصول على تشريعات اضافية بذلك، او تعيين وزراء دون العودة الى الكنيست، او محاولة التفدر في اتخاذ قرار بشن عمليات عسكرية قد تتوسع الى حرب اوسع، من دون العودة الى مجلس الوزراء. وفيما بين كل هذه القضايا وملفات التنافس الساخنة بين المعسكرين الاساسيين، هناك التقاء واضح بينهما على كل ما هو معاد للفلسطينيين. ما يمكن اصطلاحا تسميته “معسكر السلام” في “اسرائيل”، لم يعد له وزن يذكر. 

قبل اسابيع من فتح صناديق الاقتراع، هناك محاولات من المعسكرين بالسعي لتجنب الاعتماد على صوت “الناخب العربي” في الداخل، اساسا بدوافع العنصرية، وثانيا بعدما تسبب سحب نواب من فلسطينيي الداخل دعمهم لحكومة بينيت-لابيد في انهيارها. وبالتالي، هناك تعبير اسرائيلي جديد عن معاداة حق الفلسطيني المحتل منذ العام 1948، حتى في الانخراط في الاعيب ومعارك السياسة الداخلية، مثلما يتفق المعسكران تماما على معاداة حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته الموعودة على ما تبقى من فلسطين التاريخية، ما يعني استطرادا رفضهما “حق العودة”ن وتمسكهما بالمستوطنات اليهودية المقامة على اراضي الضفة الغربية المحتلة.

وفي الخلاصة، فان الانتخابات الخامسة خلال 3.5 اعوام في “الكيان الاسرائيلي” قي تكون مناسبة جديدة لتظهير حجم الصراعات الداخلية الكامنة، او محاولة تنفيس الاحتقان السياسي-الاجتماعي بين مختلف التيارات والقوى، لكنها ايضا علامة اضافية على ان “حل الدولتين” الذي وعد به العرب خلال العقود الماضية، يتلاشى من فكر الاسرائيليين واهتماماتهم وممارساتهم، فيما يخشى ان تتسبب القوائم العربية المتعددة التي تخوض هذه الانتخابات وهي منقسمة، في اخراجها بلعبة شكلها “ديمقراطي” وجوهرها عنصري، من المشهد بالكامل، تاكيدا على رؤية الاحتلال حول “يهودية الدولة”.

واذا لم تفتح هذه الانتخابات الابواب نحو حسم الزعامة وتشكيل الحكومة، فليس من المستبعد ان يذهب الكيان الاسرائيلي الى انتخابات سادسة قريبا.

عن جورنال