تدخل حرب اليمن عامها الخامس ولا تبدو انها تقترب من نهايتها على الرغم من المعاناة الانسانية الخطيرة التي مست حياة ملايين اليمنيين. المفارقة التي يصعب تفسيرها ان كل طرف يعتبر ان هذه الحرب لا تحسم عسكريا، ما يطرح التساؤل الكبير لماذا اذن لا تطوى صفحتها وتستمر المعارك.
خليل حرب
+++++++++++++++++++++++++++++++
وعلى الرغم من جمود الجبهات اليمنية منذ شهور حيث لم يطرأ عليها تغيير كبير، بالاضافة الى بارقة الامل التي مثلها ابرام ما عرف ب “اتفاق السويد” الذي رعته الامم المتحدة بين الحكومة المعترف بها دوليا للرئيس عبدربه منصور هادي وبين الحكومة التي يسيطر عليها “أنصار الله” الحوثية في صنعاء، الا ان ذلك لم يبدل مواقف الأطراف في تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن استمرار الحرب منذ اذار/مارس 2015.
وتعتبر العديد من المنظمات الحقوقية ان بامكان الولايات المتحدة الضغط لوقف الحرب التي اطلقت المملكة السعودية عليها في البداية اسم “عاصفة الحزم”لوقف تقدم “قوات الحوثي” نحو مدينة عدن. لكن المتحدث الاقليمي باسم وزارة الخارجية الاميركية ناثان تك اعتبر ان الكرة من وجهة نظر واشنطن هي في ملعب طهران و”انصار الله” بزعامة عبدالملك الحوثي، وقال في تصريح خاص لنا انه “يجب اقناع الحوثيين بالحاجة الى العودة الى الطاولة السياسية”، مضيفا ان واشنطن تضغط على ايران من اجل تحقيق هذا الهدف.
وفي المقابل، فان وزير الاعلام في حكومة صنعاء التي يسيطر عليها “انصار الله” ضيف الله الشامي قال في تصريح خاص لنا ان “الحرب في العام الخامس، وان السائد هو محاولة حسم المعركة عسكريا بحسب ما يريده قادة العدوان الاساسيون، الاميركيون والبريطانيون، الذين هم اصحاب القرار، وليسوا السعوديين والاماراتيين”.
الا ان الاكاديمي الاماراتي عبدالخالق عبدالله، المعروف بعلاقاته الوثيقة بدوائر الحكم في دولة الامارات العربية المتحدة، قدم رؤية مختلفة، قائلا انه “لا توجد دولة اكثر رغبة في انهاء الحرب حاليا اكثر من السعودية والامارات”.
وعلى الجانب السعودين، حاولنا التواصل اكثر من مرة مع المتحدث باسم ما يسمى “التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن” العقيد تركي المالكي لسؤاله عن دور “التحالف” وما حققه او لم يحققه خلال اعوام الحرب الاربعة الماضية، وما يفعله من اجل تخفيف المعاناة الانسانية الناجمة عن الحرب، الا ان المسؤول السعودي رفض التعليق.
وبرغم هذا الصمت، فان الحرب ما زالت مستمرة، فهناك خروقات في محافظة الحديدة، واشتباكات في محافظة الحجة، وبالقرب من العاصمة صنعاء، ومواقف سياسية متعارضة من كافة اطراف النزاع، ما يجعل المعاناة الانسانية تراوح مكانها، مع مقتل اكثر من عشرة الاف شخص في الحرب.
وكانت الامم المتحدة حذرت في تشرين الاول/اكتوبر العام 2018، من أن نصف سكان اليمن (حوالي 14 مليون نسمة) يواجهون خطر المجاعة.
كما وصفت منظمات انسانية الحرب بأنها تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وفي شهر آب/اغسطس الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من استمرار موجة وباء الكوليرا في اليمن والتي يعتقد انها اصابت نحو مليون شخص وتسببت بوفاة الاف المدنيين.
وبرغم فظاعة المشهد الانساني، فان الخلاف السياسي الحاد يساهم في تأجيل محاولات التخفيف من تضرر ملايين اليمنيين من النزاع.
ضيف الله الشامي، وزير الاعلام في الحكومة المسيطرة في صنعاء، وصف الوضع في اليمن بأنه “اكبر كارثة انسانية على مستوى العالم ونحن نبذل جهودا كبيرة بالتعاون مع بعض المنظمات الانسانية في ترشيد العمل الانساني وتوفيره للمرضى والمحتاجين والمشردين ونعمل على مواجهة الحصار الاقتصادي”.
اما عبدالخالق عبدالله فقد قال ان “الامارات والسعودية ودول التحالف العربي حققت نحو 80% من أهدافها الاستراتيجية في اليمن ابرزها تحرير مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة جماعة الحوثي بما في ذلك عدن ومأرب وباب المندب وصولا لأطراف مدينة وميناء الحديدة علاوة على دعم الحكومة الشرعية المعترف بها أمميا ووقف زحف وتمدد ايران في اليمن والجزيرة العربية. لكن ما لم يستطع التحالف العربي تحقيقه حتى الان هو تحرير صنعاء ومنع الكارثة الانسانية المصاحبة لاستمرار الحرب لنحو 4 سنوات”.
فهل حان الوقت لانهاء الحرب، سألنا محاورنا الاماراتي فقال “لا توجد دولة اكثر رغبة في انهاء الحرب حاليا اكثر من السعودية والامارات واكثر طرف لا يود وقفها ايران وجماعة الحوثي التي لا تلتزم بتعهداتها واكبر مثال مماطلتها في تنفيذ بنود اتفاق السويد”.
وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي أنور قرقاش غرد على “تويتر” في 10 اذار/ مارس 2019، مختصرا دور ابوظبي في الحرب قائلا “الدور الإماراتي في اليمن تاريخي … موقف دولة المواقف واستجابة فورية لدعوة خادم الحرمين (الملك السعودي سلمان) في عاصفة الحزم ومساهمة في دعم موقف الشرعية وتقويض الانقلاب الحوثي…الأولوية في اليمن الشقيق هي للمواجهة مع الحوثي، فبدون ذلك لن يستقر اليمن ويتأثر سلبا أمن المنطقة”.
وبعدما اشار وزير الاعلام اليمني ضيف الله الشامي الى ان “قرار توقف العدوان او استمراره ھو بید العدو .. وقد اعلن في البدایة انه سینھي الحرب خلال اسبوعین ثم شھرین وعبر عاصفة تمر على الیمن فتنھیھا ونحن اليوم على مشارف العام الخامس والحرب لم تتوقف”، اضاف انه “يمكن للحرب ان تتوقف إذا عاد المعتدون الى رشدھم وتوقفوا عن عدوانیتھم .. أما القوة العسكریة فلن تزید الامر الا سوءا وكارثیة”.
وقال ضيف الله الشامي “لو كان العدو قد حقق اھدافه لكانت الحرب انتھت قبل اربعة اعوام ولذلك فھو فشل فشلا ذریعا ولم یحقق اي شيء حتى وان حقق التقدم المیداني في بعض المناطق لكنه لم یستطع السیطرة علیھا وتحقیق ادنى مستوى من ضبط الامن او الاستقرار فیھا”.
وبعد مؤتمر لاغاثة اليمن عقد في جنيف في شباط/فبراير الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “إن عددا من الدول رفعت من قيمة تعهداتها المانحة، والنسبة الأكبر من هذه الزيادات جاءت من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”، مشيرا الى تعهدات بتقديم 2.6 مليار دولار.
واشنطن والحرب .. وايران
الموقف الاميركي يبدو مربكا هنا. ناثان تك، المتحدث الاقليمي باسم الخارجية الاميركية اشار الى عدم التزام الحوثيين باتفاق السويد، وقال “نأمل أن الضغط الذي نسلطه على جمهورية إيران الإسلامية، وهم الداعمين الأساسيين للحوثيين، ليس فقط من خلال تزوديهم بالموارد ولكن بأنظمة الصواريخ التي سقطت في أماكن مثل المملكة السعودية، ونأمل في أن يؤدي هذا الضغط على أقناع الحوثيين بأنهم بحاجة إلى العودة إلى الطاولة السياسية وأنهم بحاجة إلى إجراء حوار، ولا يمكنهم تحقيق الانتصار عسكريا”.
وقال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو خلال جولته الاخيرة في الشرق الاوسط ان “إيران تستخدم الحوثيين بالوكالة ولكن إيران هي التي تطلق الصواريخ على السعودية”.
وفي منتصف شهر أذار/مارس الحالي، صوت مجلس الشيوخ الاميركي بغالبية على مشروع قانون لإنهاء الدعم الاميركي للحرب في اليمن على الرغم من معارضة الرئيس دونالد ترامب له. وجاء ذلك في خضم الضجة التي اثارتها قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، ما رفع العديد من الاصوات داخل الولايات المتحدة ضد “الضوء الاخضر” الممنوح من واشنطن للمملكة السعودية في ما يتعلق بالوضع الداخلي السعودي والحرب اليمنية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ذكرت وكالة “رويترز” ان السعودية والولايات المتحدة اتفقتا على وقف إعادة تزويد واشنطن طائرات التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن بالوقود.
وردا على سؤال عما اذا كان الموقف الاميركي من الحرب حاسم في احتمالات استمرارها او ايقافها، قال عبدالخالق عبدالله ان “الدعم اللوجستي الاميركي كان مهما في بدايات الحرب، لكن اتضح انه ليس حاسما في استمرار الحرب حاليا ووقف الدعم اللوجستي من واشنطن لن يؤثر على قرار دول التحالف مواصلة المعارك التي تراجعت اصلا بنسبة 70% على الاقل”.
الوزير اليمني في حكومة صنعاء، اختصر موقف الولايات المتحدة من استمرار الحرب او وقفها بالقول “متى ماجف ضرع البقرة الحلوب السعودیة فیمكن للحرب ان تتوقف، فالحرب مثلت سوقا كبیرة لنمو اقتصاد دول السلاح”.
تظهر تصريحات اطراف الازمة، ان لكل طرف مبرراته في استمرار الحرب، كما الى انتفاء جدوى الاستمرار في التقاتل، لكن صوت الرصاص، للمفارقة، لا يزال الاعلى في اليمن، فيما تراجعت وسائل الاعلام العربية والدولية عن اهتمامها بالحرب في احد افقر دول العالم.
خليل حرب