الرئيسية » اراء ودراسات » بين خاشقجي والحريري  

بين خاشقجي والحريري  

منزعج دونالد ترامب من فكرة “مذنب حتى تثبت البراءة” وهو ينتقد استعجال متهمي السعودية بانها اغتالت جمال خاشقجي.

الأوساط والجهات السعودية الرسمية نفسها، ترفض منذ اللحظة الأولى ل”اختفاء” خاشقجي، كل ما اثير من مخاوف واتهامات. تجاهلتها تماما. قالت بداية ان الرجل دخل وخرج. وعندما صار هناك إقرار ب”اختفاء” الرجل داخل القنصلية في اسطنبول، صارت تجاهر برفضها منطق الاستعجال والتسييس والاستغلال.

“أصدقاء” المملكة، في داخل لبنان وخارجه، كأن على رؤوسهم الطير. تجاهل في البداية، ثم بلبلة، ثم تلعثم، ثم .. مجددا رفض لمنطق الاستعجال وتوجيه الاتهامات السياسية للمملكة والقيادة فيها.

والكل بات يعلم بخطورة ما حصل مع خاشقجي والطريقة الشنيعة التي يبدو انه قتل فيها ومثلت بجثته. لكن المشكلة ان قلوب الكثيرين جفت من القهر والالم منذ سنوات على مشاهد مئات الاف الناس تقتل بشتى الاشكال والفنون السادية، وربما من قتلة ومأجورين ومتأسلمين، يتحدرون من “المدارس” الفقهية ذاتها التي أتى منها صلاح الطبيقي، الاسم الأبرز بين فريق قتلة الصحافي السعودي، تلذذوا بالتقطيع والحرق والاغراق والنحر والاغتصاب والتفجير.

لم يعد مهما الان التذكير بخطر اللعب مع العقارب. ولا من الأهمية بمكان التذكير بان أصواتا كثيرة ذاقت اوطانها الامرين من سنوات الإرهاب، حذرت من اطلاق العنان لجحافل القتلة في شوارع هذا العالم.

لم يعد هذا مهما الان، وانت ترى صفقة جديدة تعقد تدريجيا، لاخراج لائق لسيناريو جريمة جديدة، يمكن بيعها بخفة للناس الغاضبة من مآلات السياسيين ومؤامراتهم. ولم يعد مهما لان ترامب يتولى منذ أيام دور محامي الدفاع، عن المملكة.. وأموالها، ويقول بلا مواربة انه لن يخسر 110 مليارات دولار من صفقات الأسلحة، من اجل “الحقيقة” في أروقة قنصلية ما، في بلد بعيد ما، بشأن صحافي ما لا يحمل الجنسية الاميركية.

“الحقيقة”؟ يتذكر اللبنانيون تماما كم تلاعبت بهم هذه الكلمة. كم صارت ذليلة وهي “تحلب” كما يحلب ترامب “ابقاره” من الدول.

فذات يوم من الأيام، ضجت الدنيا، تماما كالآن، بجريمة اغتيال رفيق الحريري. ساعات وكانت لائحة الاتهام وصور المتهمين من زعماء وقادة و”الضباط الاربعة” جاهزة من دون ادلة ذات قيمة. عواصم عربية وغربية تلقفت او حورت او روجت او صاغت، التهم من كل الاشكال. بيانات شجب وادانة واتهام صدرت. وهناك محكمة دولية شكلت اذ تذكرون، ولجان تحقيق أرسلت، وتنقلت التهم ما بين بيروت ودمشق وطهران.

ولما كان احد ما يعترض على الاستعجال او التسييس، كان يتهم فورا بانه من القتلة.

فما بالكم الان، تأنسون الى التريث والعقلانية والحكمة.

فأين انت يا ترامب لترى ما فعله سلفك بوش وزبانيته، والسفهاء هنا، بنا؟ تعال دافع عنا ! اين انتم أيها الزاحفون، من “أصدقاء” خاشقجي ودولته، اين نصرف صمتكم وحرجكم الان امام اشلائه، وانتم كنتم يومها من رواد “الحقيقة” وموزعي صكوك البراءة، وصرتم الان – بين جريمتين – شهود الزور الحقيقيين؟

مرحبا بكم في هذا العالم الفاجر.

 

خليل حرب

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".